ينطلق هذا المسار من أقصى الشمال الشرقي للفدان وبالضبط من باب الملاح، إنه حي حديث النشأة مقارنة مع باقي أحياء المدن العتيقة على اعتبار انطلاق أشغال البناء فيه سنة 1807 م عقب تهديم الملاح البالي الذي كان يقع قبالة البلاد القديم، في المنطقة التي يوجد بها اليوم الجامع الكبير، فالأراضي التي يوجد بها كانت في السابق مصلى وهبها السلطان لليهود من أجل بناء حيهم الجديد74. حي الملاح الجديد سندخله من الزنقة الأكثر اتساعا وأهميته بالحي، و المخصص تاريخيا لبيع الفاكهة الجافة حيث لازالت توجد دكاكين عديدة تعرض على المارة مختلف أصناف هذا المنتوج، من بين هؤلاء لم يبق سوى تاجر واحد يهودي ما دام أغلب يهود تطوان لا يقيمون و لا يشتغلون بهذا الحي. اليهود هجروا تدريجيا المدينة متجهين لإسرائيل وإسبانيا و العديد من دول أمريكا اللاتينية.لقد عاش في تطوان ولقرون عديدة جالية يهودية سفاردية كبيرة، بدأوا في التقاطر على المدينة زمن إعادة بناءها وذلك نتيجة للاضطهاد الذي عانوا منه بسب التعصب الديني في شبه الجزيرة الإيبرية مباشرة بعد سقوط الأندلس، هؤلاء ومع ذلك فإن بعض الأنشطة التي كان يمارسونها لازالت متواجدة في الحي وإن كان المشتغلون فيها من المسلمين، بهذا الشكل يمكننا ملاحظة أنه في الطريق الطويل الذي عرجنا نحوه من اجل الوصول إلى أعماق الملاح يوجد عدد كبير من معامل الثياب الجاهزة محاطة بدكاكين لبيع لوازم الخياطة، إن صناعة النسيج كانت دائما مزدهرة في هذه المدينة، كما تؤكدها كلمات سيدي أمحمد الرهوني في "تاريخ تطوان" حيث يذكر في حديثه عن هذه الصناعة بأنها: "كانت منتشرة بين المسلمين من سكان هذه المدينة، سواء الرجال منهم أو النساء لدرجة تأكيده بأن أكثر من خمسين بالمائة من الساكنة كانت تعيش من مردود هذه الحرفة- هذا التأكيد الذي وإن كان يبدو ومبالغا فيه فإنه لا يخلو من دلالات"75. المتاجر ودكاكين الخياطة تملأ ألوانا هذه الأزقة الضيقة بسبب ارتفاع بناياتها وحيث توجد كذلك العديد من محلات المجوهرات، ومع تقدمنا يمكننا أن نلاحظ كيف أن التخطيط العمراني للملاح لا يقدم لنا عدم التناسق الذي عهدناه في المدينة العتيقة وذلك بحكم طول أزقتها واستقامتها متوازية مع تخطيط عمودي حديث، هذا دون إغفال كون هذا المخطط تم وضعه بشكل معقد منذ البداية بسبب انعدام طرق رئيسية متواصلة وهو ما يعسر عملية المرور بالحي، هذا البناء المتاهي المعقد والذي ينسب لمهندس برتغالي، يعتقد بكونه عن سابق تصور كأسلوب دفاعي ضد الغارات المستمرة و التي كانت وللأسف تتكرر باعتياد في كل الملاحات إلى حدود زمن قريب، مع مرور الزمن طرأت العديد واحد غربا فوق المصلى والأخرى شرقا التي ستغادر عبرها الملاح في اتجاه زنقة السويقة. البيع اليهودية : ظل اليهود من بين المكونات الاجتماعية الحاضرة بكثافة داخل المجتمع المغربي بصفة عامة وتطوان بصفة خاصة، وذلك داخل إطار أهل الذمة 76، وأغلبية يهود تطوان كانوا من الوفود والمهاجرين الذين طردوا من الأندلس خلال القرن 15 و16 م، بالإضافة إلى المسلمين، وعملوا على الاستقرار في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وهذا ما أكده الحسن الوزان بقوله : " عندما طرد فيرناند ملك اسبانيا اليهود جاء كثير منهم إلى بلاد البربر" 77، وهكذا شرع اليهود في تأسيس مناطق وأحياء خاصة بهم داخل مدن المغرب في طنجة وأصيلة والعرائش ودبدو وسبتة وتطوان، وهذه الأخيرة كانت أكثر المناطق جاذبية لموجات الاستقرار اليهودية، حيث استقرت بها أكبر كهيلة 78، وكان ذلك في البداية بمنطقة حي البلد من بلدة تطاوين حيث أنشئوا حي خاص بهم وهو الذي يسمى الآن بالملاح البالي قبل أن يتم نقلهم إلى الملاح الجديد، أما قصة هذا الانتقال وسببه تمثل في أن المولى سليمان عند إعطائه الأوامر بتوسيع المسجد الأعظم . أرسل سكان تطوان شكاية يلتمسون إبعاد اليهود إلى منطقة أخرى وذلك لكونهم ينجسونه وأن آذان الصلاة اليهود هم أكثر من يسمعها، وكان رد فعل المولى سليمان ايجابيا بالنسبة للأهالي التطوانين، حيث أصدر أوامره بنقلهم من الملاح البالي إلى الفدان وبناء حي ملاح جديد وذلك خلال القرن 19 م. وقد قدر عدد سكان اليهود بتطوان خلال سنة 1727 ب 5000 79 عملوا على المحافظة على الهوية الأندلسية التي ضلت حاضرة في العديد من مجالات حياتهم، لا من حيث الأجواء الأندلسية بتطوان واستعمالهم للغة القشتالية 80 وأكثر من ذلك عملهم بمقتضيات قانون بلد الوليد.ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن هجرة اليهود وتاريخ والثقافة التي تميزوا بها، وإنما سقنا ذلك كتمهيد للحديث عن المآثر الدينية اليهودية بمدينة تطوان العتيقة والتي تدخل ضمن إطار منهجية دراستنا, فإذا كانت المساجد والزوايا وجهت تاريخ المغاربة المسلمين، بإخراجها وإنشائها للعناصر التجديدية والإصلاحية والجهادية منهم، فان البيع اليهودية قامت بدور تأطير اليهود ورسم معالم تاريخهم، فقد عملت هذه الأخيرة بتنظيم وضبط شؤون اليهود وأحوالهم فيما بينهم من جهة، وعلاقاتهم بباقي المسلمين من جهة أخرى، كما كانت لهذه البيع علاقات جد وطيدة مع مثيلاتها خارج بلاد المغرب سواء بالأمريكيتين أو ببيعات المشرق العربي أو غيرها81. وسوف تفرض طائفة يهود تطوان نفسها على طوائف يهود المغرب ابتداءا من القرن 16 و 17م كمركز علم، وهو ما أعطى شهرة لأحبار يهود تطوان ورفعة لمكانتهم بين الطائفة اليهودية، وجعلت أحبار الطوائف الأخرى ينتقلون إلى تطوان كلما سمحت الفرصة بذلك 82 وهذه الصدارة تتضح من خلال كثرة المؤلفات التي كتبت خلال القرن 17 و18م من طرف يهود تطوان إذا ما قورنت بقلة عدد المؤلفات والكتب خلال القرن 19 و 20م .83 / إسحاق بن الوليد 2/ يعقوب بن مالك3/ يهود ابنصور4/موسى بن شتريت5/إسحاق ناحوت 6/فيدال بيباس7/إبراهيم ابودرهم 8/ ايهود ناحوت 9/ إبراهيم الناعوري 10/إبراهيم بيباس 11/موسى إسرائيل 12/سليمان ابودرهم 13/فيدال إسرائيل 14/يوسف ابودرهم 15/الليفي 16/سليمان ناحون 84. لكن الأشهر ضمن هذه المجموعة هي بيعة ابن الوليد وسليمان احون وأيضا بيع Menahem Preinte الرجل الذي مول بناء أول معبد في Caracas والذي سير بأحكام حركة الهجرة في الجزء الأكبر من كهيلة تطوان نحو أمريكا اللاتينية 85 وكانت البيع بمثابة معالم سياحية بالنسبة للديبلوماسيين الأجانب الوافدين على تطوان خللا القرن 18 م .86 هكذا كان أحبار تطوان وعلماء اليهود، وهكذا كانت وضعية وحالة يهود تطوان والذي دفع بعض أحبارهم إلى وصف تطوان بالقدس الصغيرة، كما وصفت أيضا من خلال التقاريض بمدينة القداسة والتهاليل التي تميز عن غيرها بكثرة بيعها والتي وصل عددها بحي الملاح إلى 16 بيعة خلال القرن 19م، وهي مسماة بأسماء أحبار اليهود وهي كالتالي : ذ عادل الدكداكي المراجع _74 المعماري لمدينةتطوان العتيقة،ص.94. 75_ الدليل المعماري لمدينةتطوان العتيقة،ص.95. _76الطوائف الذين تسمح لهم الشريعة الاسلامية في الاستقرار بأراضي المسلمين مقابل دفع الجزية، و التي يعفى منها الشيوخ والأطفال، وذلك بالنسبة لليهود والنصارى فقط. _77 محمد بن الحسن الوزان، المصدر السابق،ج.1،ص.84 . 78_Abdelaziz Chahbar,Tétouan petite zérusalem Tétouan capital miditéranéanne,tetouan, 2004, P:114 _79محمد بكبوط، ، أوضاع تطوان من خلال مصادر أجنبية معاصرة ، أعمال ندوة تطوان خلال القرن، تطوان، 1994، ص. 57. 80_ Abdelaziz Chahbar, op,cit,pp.114-115-116 _81عبد العزيز شهبار، علاقات يهود تطوان ببيعات الشرق العربي وأروبا خلال القرن 19م وبداية القرن 20م ، أعمال ندوة تطوان قبل الحماية، تطوان 1994، ص.12. _82عبد العزيز شهبار، طائفة يهود تطوان خلال القرن16 و17م ، أعمال ندوة تطوان خلال القرن16 و17م تطوان، 1996، ص. 207-208. _83عبد العزيز شهبار، علاقات يهود تطوان ببيعات الشرق العربي وأوربا خلال لبقرن 19 وبداية القرن 20م ، أعمال ندوة تطوان قبل الحماية، ص. 12-13. _84عبد العزيز شهبار، علاقات يهود تطوان ببيعات الشرق العربي وأوربا خلال لبقرن 19 وبداية القرن 20م ، أعمال ندوة تطوان قبل الحماية، ص. 12-13. 179-Abdelaziz Chahbar, op, cit, P:116 86- عبد الحي بنيس، تطوان محطة عبور البعثات الأجنبية إلى مكناس في بداية القرن 18 م ، أعمال ندوة تطوان خلال القرن 18م تطوان 1994، ص. 65-68.