في مجتمعنا حيث ما وجدت مشكلة إجتماعية أو عاطفية أو اقتصادية إلا وتسمع أن وراءها عين أو حسد أو سحر، فالتي فارقت زوجها يرون أن فلانة عملت لها عملا سحريا ففر عنها زوجها فرار النوق من الجمل الأجرب. والذي لا يستطيع فض بكارة عروسه يزعم أن خطيبها السابق أو بنت الجيران عملا له شيئا عند (الفقي القشقاش) فعسر عليه ذلك. والعاطل عن الشغل يقول الناس عنه أن عينا أصابته وحيث ما بحث لا يجد خيرا. وللعين فعلها في الحسناوات (خمسة وخميس عليكم) اللواتي لا يخرجن من بيوتهن إلا وحقائبهن ممتلئة بالتمائم مختلفة الاستعمالات منها للحظ ومنها للجلب ومنها لطرد النحس وغيرها من الاستعمالات التي لا يعرف أسرارها إلا (الفقي). والتاجر الذي أصابه الإفلاس نتيجة سوء عمله يرى أن الناس حسدوه على ما أعطاه الله فذهبت البركة عنه فيحتاج إلى بعض (العزائم) ليبعد عنه كيد الحاسدين. وهناك من الميسورين من يبني عمارة أو فيلا فيسميها عمارة (بسم الله) أو فيلا (هذا من فضل ربي) أو يشتري سيارة فيعلق عليها شارة كف اليد في وسطها عين لتحرسه من شر الحاسدين الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ويفرحون بزوال النعمة عنهم. والذي كان يمشي في الطريق وسقط نتيجة حذائه الأملس ينهض ويبصق على الأرض ويقول (عينوني). والبنت التي تأخر عنها الزواج ولم يأتها نصيبها يرون أن الجيران أو صحيباتها سحروها فتحتاج إلى فك السحر ربما يكون الفك بديك أسود أو جدي أقرع مع بعض الزيارات لساداتي (رجال الله) و (سبعة رجال) و (للا عايشة البحرية). والرجل الذي تتحكم فيه زوجته وتغلبه على أمره يوصف أنه (موكول) أطعمته زوجته أذن الحمار مع القديد أو اللوبيا أو العدس، بل حتى الحمير في مجتمعنا كلها مقطوعة الآذان، لن ترى حمارا سليم الأذن أبدا. وهذه الآفة ليست من خصائص العوام فحسب، بل تجد فئات بشرية نافذة في مجال السياسة والمجتمع والتعليم، يطرقون أبواب المشعوذين والدجالين ليعملوا لهم عملا إما لمناصب سياسية أو ترقية في الوظائف الحكومية والخاصة أو تنمية المشاريع الاقتصادية، وفي أيام الانتخابات الجماعية والبرلمانية يكثر الطلب عند السياسيين ورجالات الدولة. عوالم غريبة وعجيبة!! كل هذه الممارسات والاعتقادات تؤخر المجتمع وتدفع بعجلة التنمية نحو الوراء اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، المجتمع الذي يؤمن أفراده أن هناك قوى خارج نفسه وإرادته تتحكم فيه مجتمع فاشل.