الرجل السبعيني القادم من ريف الأطلس ليس مثل أي رجل، لا تستهويه الإقامة في المدن، ولا شرب الشاي فوق مائدة مزركشة بأنواع الحلوى، يكره «كرواسان وبتي بان» وشرب الحساء بملعقة، يفضله ساخنا بعطور قوية.. يشربه بدون وسيط من الصحن لفمه، أما الشاي فيشربه في العراء بجانب خرافه، يعشق رائحة النتانة حين يكون مصدرها خروف أو بقرة أو حتى حمار.. الشاي عشقه الكبير يشربه عدة مرات في اليوم مع زوجته فطومة، الزوجة الأولى، أما الزوجة الثانية فلا وقت عندها لأنها مشغولة دائما بأحفادها وكذلك بغيرتها من فطومة. فطومة لا تغار عليه، هي تقوم بإسعاده فقط ، حين تجلب كل نساء الدوار لمجلسه قرب زريبة البهائم.. يتكلمون عن كل شيء،عن مشاكل البقر والمرض وغلاء المعيشة.. يتكلمون عن المشاكل بأعصاب باردة وكأنها لا تعنيهم.. يتكلمون عن السوق الأسبوعي البعيد وقلة البرسيم دون اكتراث، فهناك لا يحتاج سوى لقطعة خبز وكأس شاي وجلسات فطومة كي يكون سعيدا.. هكذا روى لي جلول قصته، هو لا يريد أن يظل في الدارالبيضاء، لماذا أتت به أبنته إلى هنا؟ ربما لتغيظ فطومة ضرة أمها.. لماذا تريد أن تأخذه عند طبيب وهو بصحة جيدة مثل حصان.. لا ينقصه سوى جلسة في الفضاء.. لا يحتاج سوى للزريبة، الزريبة في نظره أحسن من هذه المدينة الممتدة التي تنشر أطرافها بدون خجل كامرأة لا تجد من يشبع غرائزها.. الزريبة أفضل من الدارالبيضاء لأنه يمارس حياته فيها بحرية الضعفاء.. يأكل ما يوجد وقت ما يريد.. وبجانبه فطومة بعينيها الواسعتين المكحلتين كعيني بقرة.. وجسدها المتكوم داخل قميص أسود فضفاض لتقي نفسها من عيون الحاسدات . النساء يحسدنها لأنه مهما لعبت بعقله زوجته الثانية، لا يمكنه أن يستغني عن فطومة .. عيبها أنها امرأة مبذرة.. تقول له دائما لمن سأورث مالي ؟ لأبناء ضرتي..؟ أنا أريد أن آكل كل شيء قبل أن أموت.. لا أحد يعنيني إلا أنت.. اليوم خرج من بيت أبنته كما العادة ليجلس قرب سور الحي، لكن الأرض كان ينقصها فضاء.. والناس تنقصهم فطومة .. والنساء مهما تزينت لن يشبهن فطومة في ضحكتها ولا في كحلها.. والرجال كلهم ليسوا مثل جلول .. جلول رفض أن يأتي بضرة لفطومة لكنها أتت بها لنفسها كي تكمل شروط سعادته وتملأ له الخيمة بالأولاد.. وها هم الأولاد كبروا الآن ويريدون زرع الفتنة بينهما.. جلول لم يرجع لبيت أبنته، غادر الدارالبيضاء وعاد لفطومة.. حكى لها كيف تخلص من المدينة وطفق هاربا كطفل يكره إعادة التربية.. وكانت هي تنصت ولا تقول شيئا سوى أنها كانت تضحك وتضحك دون توقف.. منتشية بعودة جلول. وكان هو ينظر للرجال والنساء المحيطين به مقهقها.. هههههه زوج بنتي يدخن السجائر الفخمة .. وأنا يحيلني على أكل الفرماج. بالله عليكم أيهما أحسن، الزبدة البلدية أم الفرماج..؟ لو كنت أحب المدن لبقيت في الدارالبيضاء حين بعثني الوالد لأتابع دراستي الثانوية هناك.. لكن بمجرد أن وضعت قدمي في تلك المدينة ، قلت لعمي أنا أريد أن أرى البحر فقط ثم أعود عند أبي كي أشرح له أن العفاريت لا يغادرون أمكنتهم...!! ههههه الجبال غيرانهم الخالدة ... قال ذلك وهو يبادل فطومة ضحكاتها التي لا تتوقف.. وهي تنظر في دلال لعيون النساء ثم أخذت شيئا من التراب ورشته في الفضاء تيمنا حتى لا تصيبها عيونهن ولسان حالها يقول: لو ذهب أحد أزواجكن لما عاد.. هههه، متن بحسدكن أيتها الجارات ، جلول ذهب إلى الدارالبيضاء وعاد سالما وبدون أخطاء.. متن أيتها النساء ..