تعرف العلاقات المغربية الأمريكية دفعا مستمرا في مختلف الميادين، و خصوصا على المستوى الثقافي و الرياضي، وهو ما ترجمته طيلة سنوات مجموعة من البرامج الثقافية و الرياضية التي تنضمها السفارة الأمريكية بالرباط لفائدة الشباب المغربي من مختلف الجهات دعما و تمتينا لعلاقات الصداقة التي تربط بين البلدين لأجيال. دور ساهمت فيه تطوان بنصيب وافر، إذ أنها احتضنت فعاليات ثقافية و رياضية عدة استهدفت شرائح مختلفة من الشباب. ففي شهر أكتوبر من سنة 2008، عرفت تطوان مشاركة اثنتين من بناتها في برنامج الخارجية الأمريكية "سبورتز يونايتد" "SPORTS UNITED" الذي ينضم في المغرب تحت إشراف السفارة الأمريكية بالرباط، و هو البرنامج الذي وفر تدريبا في كرة القدم النسائية لفائدة عشر فتيات في وضعية صعبة من مختلف الجهات، فكان أن حالف الحظ الطفلتين " لبنى حكم" 13 سنة، و الطفلة "نوال الزروالي" 14 سنة من مدينة تطوان للمشاركة في هذا البرنامج. ويرجع الفضل في هاته المشاركة للزميل محمد سعيد المجاهد الصحفي والفاعل الجمعوي الذي عمل جاهدا من أجل حضور جهة طنجةتطوان للمشاركة في هذا البرنامج بعد أن كانت هاته الجهة محرومة من المشاركة في مثل هاته التظاهرات والتكوينات لبنى (الطفلة المتخلى عنها من طرف الأب)، ونوال (الطفلة المهملة من قبل الوالدين الفقيرين المنفصلين)، فتاتان صغيرتان من تطوان بشمال المملكة، ذاقتا مرارة التشرد و البؤس قبل أن تحتضنهما "جمعية رعاية الطفولة وتوعية الأسرة " بتطوان، إلا أنه لم يخطر ببالهما يوما أن تعيشا قصة أقرب ما تكون للخيال منها للواقع، إذ انتقلتا من معاناة التشرد و إهمال الأسرة إلى استقبالهما، رفقة ثمانية أخريات، برحاب وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن، حيث استقبلتهما وزيرة الخارجية آنذاك "كوندوليسا رايس" التي أهدتهما كرة قدم موقعة من طرفها كهدية رمزية. لبنى و نوال وجدتا في ممارسة كرة القدم النسائية ضالتهما التي استطاعتا من خلالها حسب وصفهما، تفجير طاقاتهما ودرء و تجاوز معاناتهما، فكان أن ابتسم لهما الحظ للمشاركة في برنامج التكوين في كرة القدم النسائية ما بين 10 و23 أكتوبر 2008 بواشنطن. وكان الهدف من برنامج "سبورتز يونايتد" الذي يعد الأول من نوعه، و الذي أشرف عليه المدرب الدولي الأمريكي لكرة القدم " جاي ميلر Jay Miller" تقوية تقنيات عملية في رياضة معينة، تنمية قدرات الفتيات على مواجهة الحياة، مساعدتهن على تحقيق ذواتهن في ميادين أخرى، تشجيع روح التعاون الدولي والتطوع لديهن. وبالمناسبة، قدمت العداءة المغربية "فاطمة عوام" باسم المشاركات، ونيابة عن أهل تطوان، شعار مدينة تطوان الفضي تذكارا للسيدة " كوندوليسا رايس"والذي يوجد حالياً ببهو وزارة الخارجية الأمريكية. كما سبق لفعاليات مدنية بمدينة تطوان وبتعاون مع مجلس جهة طنجةتطوان، أن نظمت سنة 2011 حفلا تكريميا لوجهين نسائيين لامعين في الساحتين المغربية و الأمريكية، فالأولى هي الديبلوماسية الأمريكية "ماري جيفيرز" التي عملت خلال سنوات عملها بسفارة الولاياتالمتحدة بالرباط على إرساء مظاهر التعاون الثقافي بين الحكومة الأمريكية و فعاليات المجتمع المدني بتطوان، كما سهرت من خلال عملها كمسؤولة بالقسم الثقافي و الجمعوي بالسفارة الأمريكية، على استفادة عدة جمعيات من التكوين المستمر في مجال الإعلام و الاتصال و الطفولة و الشباب والبيئة، و من أوراش عديدة نظمت في مدن ولاية تطوان و خارجها. كما ساهمت بشكل كبير في مشاركة عدة شخصيات من تطوان في زيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية في إطار برنامج الزائر الدولي الذي تنظمه وزارة الخارجية الأمريكية للتعرف على مظاهر الحياة الاجتماعية و الثقافية و الإعلامية والإدارية بالولاياتالمتحدة. أما الثانية، فهي الفنانة المغربية المقيمة بالديار الأمريكية "سعيدة فكري"، التي جاء تكريمها اعترافا بدورها الرائد في مجال الغناء الملتزم الذي تسعى من خلاله إلى التعريف بالمغرب وثقافته وحضارته ووحدته الترابية لدى الشعب الأمريكي، والتي تحمل أغانيها نبض الشباب والحب والسلام، كما تحكي عن قيم الأسرة والصداقة والحرية. فالفنانة المغربية "سعيدة فكري" تعكس في أغانيها نبض اهتمامات وقضايا الإنسان المغربي، بحيث تنتقل في كلماتها من اللغة الدارجة إلى الفصحى فالفرنسية ثم الإنجليزية يصاحبها في ذلك كبرياؤها الفني الذي يتيح لها تطوير أساليبها مع المحافظة على أصالة انتمائها لوطنها. و يبقى للصداقة المغربية الأمريكية أثرا هاما في حياة الشعبين، و لا أدل على ذلك من الزيارة الملكية الميمونة الأخيرة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس للديار الأمريكية، و التي تحمل دلالات وإشارات قوية على مدى عراقة و متانة العلاقات بين الشعبين المغربي و الأمريكي. وقد قامت فعاليات من المجتمع المدني بمبادرات متنت الصداقة المغربية الأمريكية، كجمعية "العمل الآن من أجل المضيقالفنيدق" بالمضيق ولاية تطوان، و التي تأسست في 14 يونيو 2013 و جعلت هدفها و رسالتها السامية القيام بدور الديبلوماسية الموازية، والتعريف بالوحدة الترابية، وتصحيح الصورة المغلوطة عند الرأي العام العالمي عن المغرب و المغاربة. فكانت أول تظاهرة تنظمها الجمعية بمناسبة عيد العرش المجيد وعيد الشباب الذي صادف هذه السنة الذكرى الذهبية لميلاد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، يوم 27 يونيو 2013 بحفل موسيقي مغربي أمريكي تحت شعار: الصداقة المغربية الأمريكية بنغمات نسائية شاركت فيه فرقة " ليبانا " النسائية القادمة من "بوسطون" بالولاياتالمتحدةالأمريكية وجوق الإخلاص النسوي بتطوان. حضرت هاته السهرة الفنية التي تعبر عن الصلة المتينة والعلاقات التاريخية الوطيدة التي تربط الشعبين الصديقين الأمريكي والمغربي، و التي تعود إلى سنة 1777، شخصيات مرموقة ووفد من سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالرباط تتقدمهم المستشارة الثقافية بالسفارة الأمريكية بالرباط "جينيفيربولوك" والشاعر الأمريكي "يحيى فريديريكسون" أستاذ كرسي بجامعة "مينيسوتا" وفعاليات من المجتمع المدني بولاية تطوان. الفن التشكيلي حضر بقوة خلال الحفل الفني المذكور، فجاء معبرا عن الصلة الحميمة التي تربط المغرب بأمريكا من خلال توظيف الأحاسيس و الألوان الزاهية في طرح مواضيع السلام و التعايش والتسامح، مواضيع أبدع فكرتها الرئيس المنتدب للجمعية محمد سعيد المجاهد، الفكرة التي تحولت إلى عمل فني بديع تقاسمت إنجازه أنامل كل من الفنان التشكيلي المغربي مصطفى السباعي )68 سنة( والفنانة التشكيلية الأمريكية كارلي )22 سنة( في حوار جميل بين جيلين، ثقافتين و شعبين. هاته اللوحة يبلغ طولها مترين، وعرضها مترا ونصف، وتجسد مدى عمق الروابط و الصداقة بين الشعبين المغربي والأمريكي من خلال حمامة بجناحين مفرودين يحمل كل جناح علم بلد من البلدين في رسالة محبة وسلام و صداقة. هاته المبادرات التي قامت بها تطوان تلعب دورا طلائعيا على صعيد الديبلوماسية الموازية، و تساهم بشكل كبير في الانفتاح و التلاقح الثقافي و الفكري بين شعبنا و سائر شعوب العالم. ثريا اشعايري