ظلت مدينة تطاوين مخربة واندثرت معالمها لمدة طويلة عندما تعرضت الى هجوم من طرف الإيبيريين ، وبعد هجرة الأندلسيين إليها قبل سقوط غرناطة بسنوات قاموا بإعادة ترميم ما كان مخربا. ويعد هذا الترميم الأول من نوعه . وبعد سقوط غرناطة سنة 1492 م وقع تجديد ثان في المدينة أكثر دقة وشمولية، وهو يعد البداية الحقيقة لتاريخ مدينة تطاوين التي عمرت من طرف المهجرين من اسبانيا الذين بثوا فيها الحياة من جديد ، فكانت ظرفية مناسبة لتشكيل نواة مجتمع جديد بتسم بالتنوع الإثني واللغوي، ناهيك عن مصاحب نزوحهم من دخول تقاليد وعادات جديدة . يطرح علينا هذا الموضوع مجموعة من الأسئلة منها : ما هي دواعي اختيار المهجرين للعدوة المغربية ؟ وهل اللجوء إلى مدينة تطاوين المخربة ان ذاك اختياريا أم اضطراريا ام كان لأسباب إستراتيجية وجهادية ؟ ما هي الآليات التي أعيد بها تشكيل المجتمع الجديد بعد ظروف الطرد التعسفي للموريسكيين من الفردوس المفقود ؟ ما نوعية العلاقة التي نسجها المهاجرين الجدد مع السكان الأصليين ؟ وهل استطاعوا الاندماج والتعايش معهم ؟ إلى أي حد تعكس المعالم العمرانية(عسكرية ومدنية ) إديولوجية المهجرين في التحصن و الدفاع ؟ 1 الهجرات الأندلسية من الضفة الأخرى . خولت المعاهدة التي وقعها الإسبان مع موريسكي اسبانيا في نهاية القرن 16 م مجموعة من الحقوق وردت عند المؤرخ كورنتي ،أخذنا ترجمتها من كتاب " نهاية الأندلس" لمؤلفه عبد الله منها جاء مايلي : "حرية العقيدة والاحتفاظ بعاداتهم وتقاليدهم (البند الرابع عشر )والتجارة والتنقل ( البنذ الخامس والعشرون )كما ضمنت لهم عيشا كريما، ومنحتهم حرية في تقرير مصيرهم إما الإستقرار بالأراضي الاسبانية أو الهجرة (البند السابع) سرعان ما خرقت اسبانيا بنود الاتفاقية المبرمة بين الطرفين ونهجت سياسة قمعية ضد الموريسكيين تمت الهجرات الأندلسية نحو العدوة المغربية عبر فترات مختلفة منها هجرة الربضيين من قرطبة إلى مدينة فاس، وهو يعد أول عبور جماعي من نوعه على غرار الهجرات الفردية كالعلماء والفقهاء والفلاسفة ، ثم الطرد المفاجئ والوحشي الذي تعرض له الموريسكيون بعد سقوط غرناطة سنة 1492 م، فقدم مجموعة كبيرة منهم إلى العدوة . مهد طرد العرب إلى طرد اليهود ، وأصدرت الأوامر توجب عليهم الخروج من الأراضي الاسبانية في ظل ثلاثة أشهر مع مصادرة أموالهم ومتاعهم ، وقدر عدد المطرودين من اليهود ب400 ألف . مبيان رقم :1 عدد المهاجرين لدى المؤرخين الموريسكيين بعد توقيع معاهدة الطرد . 2ظروف وملابسات لهجرات أخرى ما بعد سقوط غرناطة خضعت الهجرات الموريسكية إلى العدوة المغربية لظروف وملابسات خاصة فاثر توالي الثورات والتمردات بعد سنة 1498 م بدعم من الإمبراطورية العثمانية التي خاضت حروبا دامية مع الأسبان في الحوض المتوسطي . كما ان موقف عبد الله الغالب من ثورة الموريسكيين بغرناطة سنة 1568 م والتي أوردها المؤرخ المجهول نصها في كتابه تاريخ الدولة السعدية بقوله " فصاروا يكتبون إلى ملوك المسلمين شرقا وغربا وهم يناشدونهم الله في الإغاثة وأكثر كتبهم إلى مولاي عبد الله لأنه هو القريب إلى أرضهم ، فأمرهم غشا.... يقوموا مع النصارى ليثق بهم في قولهم لظهور فعلهم ، فلما قاموا مع النصارى تراخى عما وعدهم به من الإغاثة وكذب عليهم غشا منه ." لا نغفل الرسالة التي وجهها جماعة من المسلمين في الأندلس إلى محمد الشيخ المأمون يلتمسون فيها مساعدتهم للجهاد في الأسبان إلا إن هذا الأخير أخبر بهذه التدابير السلطات الاسبانية التي سارعت في إخراج المتآمرين، وكذا العقلية الإنهزامية التي ا حملها المهجرين معهم من فردوسهم المفقود ثم تردد الموريسكيون في الهجرة أو البقاء فعرضوا مسألتهم على فقهاء العدوة. خصصت للرد على هؤلاء المغلوبين على أمرهم ثلاث فتاوى اثنين للونشرسي تدعو هم إلى الهجرة للمحافظة على دينهم . فقد أفتى في حق مسلم يريد البقاء في اسبانيا لمساعدة مواطنيه في حل مشاكلهم بالرفض بقوله " ... لأن مساكنة الكفار من أهل الذمة والصغار لا يجوز ولا يتاح ساعة من نهار لما تنتجه من الآفات و الأواصر والمفاسد الدينية والدنيوية طيلة الأعمار " كتاب المعيار ، عند ونقف فتاوي أخرى لأحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني مخالفة تماما في أحكامها لفتاوي الونشرسي المتشددة ، فنجدها تدعو المسلمين إلى التشبث بدينهم كما تضمنت حلولا في حالة مراقبتهم من طرف الإسبان إبان ممارستهم لشعائرهم بقوله " إن أكرهوكم في وقت صلاة إلى السجود في الأصنام فاحرموا بالنية واتوا صلتكم المشروعة ، وأشيروا غالى ما يشيرون إليه من صنم ومقصدكم الله ، وان أجبروكم على شرب الخمر ما شربوه إلا بنية استعماله ،وان كلف عليكم خنزيرا فكلفوه ناكرين إياه بقلوبكم معتقدين بتحريمه " رسم رقم 2: عدد المطرودين من الأندلس في القرن 17م حسب المصادر الاسبانية أسفر صدور قرار طرد العرب والمولدون الإسبان سنة 1609م في عهد الملك الاسباني فيليب الثاني ، و الذين حبذوا المقام في العيش في الأندلس وفضلوا ارتدادا مقنعا عن الإسلام واعتناقا صوريا للمسيحية . وبالنظر الى هذه المعطيات الكارثية التي عانى الموريسكيون منها بالأندلس، أسفرت عن هجرة عشرة آلاف إلى تطاوين حسب تقديرات دوق مدينة سيدونيا . مباشرة بعد وصولهم شرعوا في بناء حومة رباط الأندلس المعروفة حاليا "بالسانية ".وفضلت طائفة من هؤلاء المهاجرين الاستقرار بعد آن بقيت تطاوين شبه معزولة عن موجة التعمير الشاملة التي عمت بعض المدن المغربية . من أسباب اختيار المهاجرين الاستقرار بتطاوين يعد الموريسكيون هم السكان الذين عمروا المدينة بعد إعادة تأسيسها كما سلف الذكر ، وكانت روافد هذا العنصر بالأساس الهجرات المتتالية من الأندلس على امتداد نحو قرن ونصف، ولظروف اجتماعية واقتصادية نلمس أن هناك أسباب جوهرية تستوجب الدراسة والتمحيص . فلا شك آن قرب المدينة من الشواطئ الإسبانية سيعد موقعا استراتيجيا لهؤلاء المهجرين من الضفة الجنوبية للمتوسط ، إذ أن رغبتهم في الإنتقام من الإسبان كانت دائما حاضرة ، كما ان نشاط محاكم التفتيش في الأندلس التي كانت راعيتها الأولى الملكة إيزابيلا زادت من حدة هذا الانتقام من الكاتوليكيين . وجد المهجرون ضالتهم في موقع المدينة وملائمته لإقامة أسطول بحري جهادي ، فهو عمليا سيوفر الحماية الضرورية في أي هجوم إسباني مباغت . كما أن الموقع القريب من العدوة الأندلسية جعل من احتمال العودة والذي لم يفارق أبدا مخيلة الوافدين الجدد . الى درجة ان بعض الأسر احتفظت بمفاتيح سكناها في الأندلس كما ورد عند المؤرخ الرهوني وغيره. ومن جهة أخرى تم اختيار موقع مدينة تطاوين نظرا لتضاريسها الوعرة، فجاءت فكرة التحصن بجبالها فكان هذا الاختيار مقصودا من اجل حماية أنفسهم بالجبال بعدما تعذر عليهم الاحتماء بإخوانهم المسلمين سواء في المغرب أو المشرق . وإذا كانت دواعي الاستقرار تستوقفنا كثيرا عند اختيار الموقع الاستراتيجي للمدينة ، فإن الحافز الأكبر في هذا الاختيار يتجلى في أن الأندلسيين وجدوا في مدينة تطاوين صورة مشابهة لمدنهم الأندلسية ، ونستند في تأكيد ذلك على نص للفقيه محمد داوود حين قال :" كانت تطوان نسخة شبيهة من أخريات المدن الإسلامية العربية في بلاد الأندلس " لهذا السبب اجتهدوا ورسموا لأنفسهم حياة أندلسية أخرى على أرض المغرب، لكنهم ظلوا متمسكين بالجذور مطلقين أسماء وطنهم القديم على وطنهم الجديد . نواة المجتمع التطاوني الجديد بالرغم من عدم توفر مادة تاريخية كافية يمكن اتخاذها كمصدر مباشر للتاريخ الديموغرافي للمدينة بالنسبة للفترة المعنية ، إلا أن المدينة شهدت نموا ديموغرافيا سريعا ، بفضل موجات الموريسكيين التي تمت على مراحل : فئة المهاجرين الأوائل الذين لم يكونوا من الفقهاء العالمين والأدباء الناظمين وإنما كانوا رجال حرب وجهاد، استوطنوا المدينة ليتخذوا منها قاعدة للجهاد البحري ضد اعدائهم في الضفة الأخرى. أما الفئة الثانية فتشكلت من الصناع والحرفيين الذين كونوا شريحة وضيعة بالأندلس .و لم يطمحوا في المجتمع الجديد إلى مناصب سياسية مرموقة ، بل هدفهم الأسمى هو الحصول موارد عيش جديدة تضمن قوتهم اليومي . وهكذا ،شهدت المدينة في منتصف القرن السابع عشر نموا ديموغرافيا سريعا ، بحيث قدر عدد هؤلاء الوافدين الجدد بنحو عشرة آلاف نسمة أتوا من مختلف أنحاء اسبانيا ، وهو رقم مرتفع بالنسبة لتلك الفترة إذا ما رعينا تأثير الجوائح و الكوارث الطبيعية التي كانت تفتك بأرواح السكان ، لقد وصفها السفير الفرنسي سان آمان في رحلته في نوفمبر 1682 م بأنها مدينة كبيرة آهلة بالسكان الذين قدر عددهم ب 15 ألف نسمة . وللإشارة ذكرت بعض المصادر أن المدينة قبل هذا التاريخ اجتاحها الوباء سنة 1678 م وحصد أرواح السكان حيث بلغ عدد الضحايا 50 ضحية يوميا ، وأكد الأسير الفرنسي "جيرمان موريط" في رحلته أن الوباء تسرب من الجزائر إلى تطاوين ،وقد دام بها مدة سنتين وهلك على إثره 25 ألف شخص ، بينما ذكر الناصري في الجزء السابع من كتابه الإستقصا أن هذا الوباء تزامن مع الجفاف ودام من 1678 إلى 1680 الميلاديين وخلف نزيفا بشريا بالمدينة. وبالنظر إلى المعطيات الكارثية التي عانت منها المدينة لمدة سنتين، فإن الوباء قد حصد الأرواح وكان عدد السكان ينقص عند كل جائحة ويحاول أن يستعيد حيويته في فترات أخرى . ولهذا كان الوافدون يقبلون على التزاوج غير مستسلمين للهلاك ، وينضاف إلى ذلك عامل النزوح من البوادي التي عانت بدورها من سنوات القحط ، وقد شكلت ظاهرة الهجرة الجماعية معادلة إذ أنها عملت إلى إعادة التوازن الديموغرافي للمدينة . أنتجت هذه الظروف العصيبة نسيجا سكانيا ، تشكل من فسيفسائية أهلها الذي ضم الأندلسيين الأوائل والموريسكيين واليهود السفرديين وجبالة المجاورين(كقبائل ودراس وبني كرفط وبني حزمر وبني حسان) وأهل الريف المشهورين بالشجاعة والإقدام على الجهاد وفي هذا الصدد يقول عنهم الفقيه محمد داود في الجزء الأول من كتابه تاريخ تطوان "... وأبطال الرجال الذي يهمهم الجهاد في سبيل الله وسيرهم للاستشهاد في حومة الوغى وميدان الشرف ، والمتعطشون للكفاح دفاعا عن الدين والوطن " إنضاف إليهم جماعة أخرى من أهل فاس وهم أهل علم وصناعة ب وفئة قليلة الأسرى المسيحيين . ظلت مسالة التدخل في نسيج المدينةالجديدة يخضع لمعايير دقيقة وأعراف معينة ، وبالرغم من ذلك تحدثنا المصادر أن والموريسكيين ظلت تفصلهم عن النازحين من القرى المجاورة وطوائف أخرى مميزات حضارية واجتماعية عديدة ، مما حال دون انصهارهم في المجتمع الجديد . كما إحساسهم الجديد بالانتساب إلى مجتمع أقل تحضرا جعل رغبتهم تقوى في الحصول على رتب عليا في هرمه الاجتماعي والسياسي للمدينة . وهذا ما يفسر لنا تهافتهم على المناصب وبقائهم أقلية متميزة لها سماتها الخاصة .وتميز تصرفاتهم بطابع خاص صنفها عن باقي الأقليات الأخرى (الجبليين – الريفيين )وذلك بفعل المركبات النفسية والحضارية التي حملوها معهم .لذا ثبت لنا احتفاظهم بالألقاب العائلية الأندلسية التي نزحوا بها قبل الهجرة من ديارهم واو تشبتهم بأسماء اسبانية سموا بها وهم يعانون من اضطهاد حكم الكاثوليكيين . تمكنا من تصنيف أسماء العائلات التي كونت نسيج المجتمع الأندلسي الجديد في المدينة إلى ما يلي : منها ما هو عربي: ابن الأحمر –العطار –الرزيني –الحضري الخطيب- غيلان –الموفق –العطار . منها من بين أندلسيي تطاوين من يحمل أسماء عجمية مثل البانزي –بايص -الرويز –غارسيا –مرتيل –لوقاش منها ما هو نسبة إلى بلدة أو منطقة مثل : الأندلسي –اللبادي –المنظري –راغون –الركاينة- الغرناطي –القرطبي –قشتيلو –قبريرة –صالاس- الطريس –مولينا ..... ومنها ماهوعبارة عن نعوت: اللب –مولاطو –مورينو –الصوردو- الراندو –الدليرو . الجماعة اليهودية : شكلت فئة متميزة عرقيا ودينيا ، وقد ارتبط استقرارها ببواعث سياسية واقتصادية ودينية نجمت عن محاكم التفتيش التي اضطهدتهم ، وقد كانت هذه الجماعة منحدرة من اصل ميغوراشيم وسميت أيضا بالسفاديرم، أي اليهود من أصول اسبانية احتفظوا في خطابهم باللغة القشتالية . وهكذا اتسمت شبكة العلاقات الأندلسيين بالانغلاق انفتحت فقط على الأقربين وعلى ما تجمعهم بهم مصالح مشتركة . كما أن عدم التزاوج والمصاهرة من خارج العائلة الواحدة جعل دماءهم لم تختلط مدة طويلة ، وذلك حرصا منهم على توريث ثقافة الأجداد وعاداتهم . 3. الآليات العمرانية للمجتمع الجديد. إن الحديث عن التطور العمراني الحقيقي للمدينة يحتاج العودة قليلا إلى الوراء والى دراسات أثرية تهم على الخصوص النواة الأصلية للمدينة ويتعلق الأمر بحومة المنجرة والتي تعود إلى القرنين 11 و12 الميلاديين .وذلك حسب ما ذكره البكري في كتابه "المسالك والممالك" والرحالة الإدريسي في "نزهة المشتاق" . الا ان دراسات حديثة تتحدث عن اربع تطورات عمرانية للمدينة : النواة المتمثلة في حومة البلد وتعود إلى القرنين 15 و16 م الربض السفلي في القرن 16 والربض الفوقي والعيون والإطرنكات في القرن 17 م عموما تميزت البنية العمرانية بعد استقرار المهجرين بعدة مميزات ، وحملت بعدا دينيا وعسكريا انعكست في نوعية العمارة نذكر منها : العمارة الدينية قام المسجد بمختلف أشكاله وأحجامه بدور كبير كأداة تعليم وتربية ونشر ثقافة ، وهي أداة لا تتجه لطبقة خاصة بل مؤسسة تتصل بعامة الناس ،وتنم كثرة العمارة الدينية وانتشار المساجد بالمدينة تشبث المهجرين الجدد بالدين الإسلامي وإعلانه ردا على الاضطهاد الذي لحق شريحة عريضة من الموريسكيين في الأندلس . العمارة العسكرية أحيط بالمدينةالجديدة سور ذكر الفقيه داوود انه كان واسعا وصل عرضه إلى سبعة أذرع الهدف من بنائه رد هجمات الجبليين الذين كانوا متضايقين من تواجد الأندلسيين بالمدينة ، ضم هذا السور على ثلاثة أبواب باب السلسلة وباب المشور وباب من الناحية الشرقية عرف بباب السفلي . بعد تحصين مدينة تطاوين بالأسوار، فتحت فيها أبواب تتفاوت أحجامها حسب أهميتها ، وذلك لتنظيم حركة الخروج والولوج حفاظا على الأمن والاستقرار ،فقد كانت تغلق مع حلول الظلام لتفتح مع إشراقة يوم جديد، دورها التجاري أهلها إلى إقامة أسواق بجانبها نظرا لموقعها على الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدن الأخرى . صورة رقم 2 حصن المنظري سوق الحوت نموذج للتحصينات الاندلسية وهكذا فإن المتتبع للتطور الطبوغرافي الذي شهدته تطوان العتيقة التي كان يحيط بها السور القديم على 12 مرحلة من سنة 1148-1808 م تم إقامة مجموعة من الأبواب وذلك على النحو التالي: العمارة المدنية أن عدم اختلاف أزقة تطاوين وبناياتها عن أية بلدة عتيقة في إسبانيا خصوصا منطقة الجنوب التي كانت آخر قلاع الحكم الاسلامي . ( الأقواس – البيوت المتقابلة – النوافذ الضيقة )كما أن عامل إلتواء الأزقة وضيقها لم يأتي اعتباطيا بل عن نية مسبقة .فعلى المستوى الأمني نجد أن الإلتواء يسهل عملية الدفاع عن المدينة في حالة الخطر كما يعكس في الوقت نفسه الظل ، ويعد استخدام المهاجرين للرمزية في البناء باعتبار لم يشأ الساكنة الجديدة أن يفقه معانيها إلا العارف بتأويلاتها .كما نلمس هذه الرمزية على أبواب البيوت كالرمانة والمفتاح وغيرها .ثم أن انغلاق البيوتات وعدم عكس للفضاء الداخلي لما حرصوا عليه من تستر عن حياتهم العائلية والمعيشية . كما تعكس بساطة مواد البناء وعدم وجود الزخارف والفسيفساء قلة الإمكانيات المادية . ونستخلص أن تمسك المهجرين بالنمط المعماري في فردوسهم المفقود له دلالة نفسية عميقة نستشفها ا في الحنين إلى الديار وفراق الأحبة والأهل ، فقد جمع كل ما هو جميل من الأندلس (الحدائق –الماء ) داخل فناء المنزل .أدى دوره في تجاوز محنة الساكنة الجديدة وتبعاتها بعيدا عن ديارها . – نستخلص مما تقدم أن تشكيل المجتمع الأندلسي الجديد بمدينة تطوان خضع لما يلي : يعد اختيار الموريسكيين لموقع مدينة تطاوين عملا مقصودا من أجل حماية أنفسهم بالجبال بعدما تعذر عليهم الاحتماء بإخوانهم المسلمين سواء في المشرق أو المغرب . إن المخطط العمراني للمدينة الجديدة وضع في الحسبان الإستراتيجية الدفاعية وإمكانية حماية المدينة المحصنة من أي هجوم مباغث. شعور الجالية الأندلسية بالاختلاف والتميز عن غيرهم وعللوا ذلك بانحدارهم من دوحة مجتمع ذو حضارة عريقة حال دون انصهارهم في البداية مع السكان المحليين . تمسك المهجرين بالنمط المعماري الأندلسي له دلالات نفسية عميقة نستخلصها في الحنين إلى الديار وفراق الأحبة والأهل. لذلك جمع البيت التطاوني كل ما هو جميل من الأندلس رغم اختلاف الإمكانيات المادية و التي لم تسعفهم في بناء مدينة تضاهي غرناطة وغيرها من مدن الأندلس . بالرغم من أعطت كل هذه التأثيرات زخما كبيرا وترثا متنوعا اثري المشهد الطوبونيمي للمدينة باعتباره نتاج تفاعل حقيقي تم بين ثقافة ساكنة وافدة متشبعة بالحضارة الأندلسية والساكنة المحلية النازحة من الأحواز القريبة . ومن خلال هذه النظرة الوجيزة عن مختلف الأعراق التي تساكنت جنبا إلى جنب ، وتعرضت جميعها إلى ما مس السكان من متغيرات ديموغرافية بسبب العوارض الطبيعية التاريخية ، نستنتج آن المدينة كانت مدينة منفتحة في وجه الموجات البشرية التي قصدتها أما للاستقرار المؤقت أو الاستيطان الدائم ، ولم تكن منكفئة على ذاتها أو منغلقة ، لأن موقعها الاستراتيجي وطبيعة الوافدين إليها لم تكن تسمح بذلك . وتبقى ميزة طبعت هذه المدينة هي قدرتها على استقطاب النازحين إليها واستيعابهم ودمجهم في نمط عيش تميز بخصوصية منفردة وطابع حضاري راق . بيبيوغرافيا ابن ابي زرع ، روض القرطاس ، دار المنصور للطباعة ، الرباط ، 1972. محمد داوود، تاريخ تطوان، مج 1، مطبعة الهداية ، تطوان ، 1965 المؤرخ المجهول ، تاريخ الدولة السعدية الدركمانية ، تحقيق عبد الرحيم بن حادة .د.م.د.ن .د.ت الونشرسي المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء افريقيا والأندلس والمغرب ، الطبعة الثانية ، دار الغرب الاسلامي ، بيروت (د-ت) الرهوني ابو العباس احمد ، عمدة الراوين في تاريخ تيطاوين ، تحقيق د جعفر بن الحاج السلمي الجزء الثاني منشورات جمعية تطاوين اسمير ، الطبعة الثانية ، 2001 . محمد عزوزحكيم ، معلمة تطاوين ، الجزء الاول ، مطبعة الخليج العربي ،تطوان ، 2001 محمد عزوز حكيم ، التطور الطبوغرافي لمدينة تطوان ، مجلة تطاوين رقم 4-5 ، تطوان ،1993 ،ص. 86 اسعد حومد ، محنة العرب في الاندلس ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1988 محمد رزوق ، الاندلسيون وهجراتهم الى المغرب ، في القرن 16-17 م ، مطبعة إفريقيا والشرق ، الدارالبيضاء ، 1987 . محمد رزوق ، دراسات في تاريخ المغرب ، مطبعة إفريقيا والشرق ، الطبعة الأولى 1991 . حسن السائح ، الحضارة الإسلامية في المغرب ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، الدارالبيضاء 1986 . محمد قشتيليو ، محنة الموريسكوس في اسبانيا ، مطبعة الشويخ ، تطوان، 1980. محمد أفقير أشركي ، الأهمية الجيوستراتيجية والجيوسياسية لمدينة تطوان ، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، تطوان العدد 5 ، 1982 . احمد قدور ، تيطاوين المدينة والمجتمع في العصرين الوسيط والحديث اطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الآداب ، تخصص تاريخ ، جامعة عبد الملك السعدي ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان 2003-2004 . عبد االستار محمد عثمان ، المدينة الإسلامية ، منشورات دار المعرفة ، بيروت ، 1982 . M.Mtalssi , entre memoire et histoire , Ed , Malika , Paris ,2004. تقديم : د. نضار الأندلسي : أستاذة باحثة