نظمت جمعية «ذاكرة الأندلسيين»، يوم السبت الماضي، بالرباط أول مؤتمر دولي من نوعه حول الشتات الموريسكي تحت عنوان «أربعة قرون على تهجير الموريسكيين.. ذاكرة مشتركة»، بمشاركة عدد من الباحثين المغاربة والإسبان. وجاء عقد المؤتمر بعد أيام من تنظيم ندوة صحافية أكد فيها منظمو المؤتمر أن التراث الأندلسي هو ملك للبشرية ولا يجوز تشويهه وطمسه وانتحاله من مثل تحويل المساجد إلى كنائس، وأوضح فيها رئيس المؤتمر، مصطفى الزباخ، أن هدف المؤتمر هو توجيه رسالة إلى الإسبان بأن التراث الإسلامي في إسبانيا، سواء المخطوطات أو المآثر التاريخية، ينبغي أن تبقى رمزا للتعايش والحضارة وليس رمزا لحقبة استعمارية كما يتصور بعض المتطرفين. وشارك في المؤتمر مؤرخون وباحثون مغاربة من بينهم المؤرخ الدكتور عبد الهادي التازي، الذي تحدث عن الدور الديبلوماسي الذي قام به الموريسكيون، وعلي الريسوني، الذي تحدث عن المأساة الموريسكية في ذاكرة الإنسانية، وعبد الواحد أكمير الذي تطرق إلى أزمة الهوية عند الموريسكيين، ومن الإسبان خوصي ماريا بيرسفال وبوريفبكاثيون رويث غارثيا وفيرمين مايورغ، قدموا خلاله عروضا حول محنة الموريسكيين في الأندلس بعد سقوط غرناطة عام 1492 ومعاناتهم في إقامة شعار دينهم وسط مجتمع مسيحي متشدد تجاه الإسلام واليهودية، وحول الأدوار الفكرية والاجتماعية والسياسية التي لعبها الموريسكيون في المغرب وإسبانيا. وقال محمد نجيب لوباريس، رئيس جمعية ذاكرة الأندلسيين، التي تأسست في شهر ماي الماضي بالرباط تحت اسم «جمعية ذاكرة الأندلسيين المهجرين» بهدف جمع الموريسكيين، إن رد الاعتبار الذي تسعى إليه الجمعية لا يخص فقط ذاكرة الأندلسيين المهجرين، بل كل الصفحة التاريخية المشتركة بين جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، التي سجلت تعايش الثقافات وتفاعلها وتلاقحها خلال تسعة قرون، مضيفا أن هذا التعايش تجسد في أدبيات ومعالم عمرانية شاهدة على تجربة رائدة في تاريخ البشرية، وأكد على أن رد الاعتبار يعني حمل الجهات الأكاديمية والسياسية الإسبانية المعنية وجمعيات المجتمع المدني في إسبانيا على الإقرار بأن ما لحق بمئات الآلاف من المسلمين الإسبانيين، في فترة عصيبة من تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية بعد سقوط مملكة غرناطة وخاصة خلال الفترة المتراوحة ما بين 1609 و1614، كان جرما ليس في حق المسلمين الإسبان فقط بل في حق إسبانيا كلها وفي حق الحضارة الإنسانية، معتبرا أن هذا الجرم أفرزه التعصب والاستبداد. أما فرانسيسكو بوينا فيستا غارسيا، رئيس مجلس مدينة أورناتشوس الإسبانية، التي اعتنق غالبية سكانها الإسلام منذ القرن الثامن الميلادي، فقال إن أورناشوس فخورة بتاريخها الموريسكي، مشيرا إلى أن هذه المدينة هي نموذج فقط لمأساة الموريسكيين وليست الحالة الوحيدة، إذ استهدفت عمليات الطرد المسلمين في إسبانيا كلها. وأضاف أن طرد الموريسكيين عام 1609 والذي وصفه ب»السياسي والديني» كانت له تداعيات اقتصادية وثقافية على المدينة، تمثلت أساسا في فقدان يد عاملة متمرسة وضياع الرصيد الثقافي لهذه الحاضرة الإسبانية، مؤكدا أن سلطات مدينة أورناتشوس تحرص على النهوض بالتراث الموريسكي بالمدينة من خلال نشر دراسات وأبحاث علمية حول هذه المرحلة من خلال تكثيف نشر وإصدار دوريات وأبحاث تعنى بالمسألة الموريسكية وتاريخ الأندلسيين في شبه الجزيرة الإيبيرية. أما عبد الكريم بناني، عضو الهيئة الشرفية لجمعية ذاكرة الأندلسيين، فقد قال في كلمة تليت بالنيابة عنه، إن على الإسبان «أن يتفهموا أننا نؤمن بمقاربة جديدة تعنى بمكونات التعاون والتواصل وعلاقات أخوية ذات أبعاد حضارية تتأسس على قيم الحوار والتكامل»، وألح على ضرورة نبذ الحساسيات المتوارثة في أدبيات السلوك والتي ما زالت تعبث بهواجس الإسبان، مشيرا إلى عقدة المورو، الكلمة التي يطلقها الإسبان المسيحيون على المغاربة خاصة والمسلمين عموما.