يوم الاحد 15 شتنبر 2019 ، تشهد تونس انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية غير مسبوقة في شكلها وفي حملاتها الانتخابية ، اكتظ التونسيون والتونسيات على مشارف المقاهي و في الاماكن العامة والخاصة من اجل متابعة مباريات ليست هذه المرة مباريات في كرة القدم او في رياضة من الرياضات ، بل مباريات سياسية في شكل مناظرات بين المترشحين تناولت قضايا متنوعة من الخاص الى العام ومن الامن الغدائي الى محاربة الارهاب الى محاربة الجريمة الالكترونية والحوكمة الادارية والمالية وليس انتهاءا بمناقشة مواضيع الارث وجواز زواج المسلمة من غير المسلم .. . الانتخابات الرئاسية التونسية تحمل امل للشعوب في ان الممارسة الانتخابية الديموقراطية قد تنبت يوم ما في رقعة جغرافية شرقية لا غربية وان الممارسة الديموقراطية قد تنمو وتترعرع في بلد صغير محاصر ببلدان كبيرة تعيش انتكاسات و تراجعات في كل معدلات التنمية الانسانية وانحباسات سياسية كبيرة فرضها الاستبداد الموروث من الاستعمار واجيال ما بعد الاستقلال . الانتخابات التونسية في جوها التنافسي الديموقراطي قد لا تحمل تونس الى ان تكون جنة الخلد او تقضي على مشاكل التونسيين بعصا سحرية ، لان الديموقراطية حتى في الدول العريقة في الممارسة الديموقراطية تعتبر احسن الممكن ولان التجربة التونسية قصيرة العمر ومعرضة لكل اشكال الانتكاسات والتراجعات كباقي المبادرات الاصلاحية المجتمعية التي تطبق عليها قوانين علم الديناميات الاجتماعية ، ولكن الممارسة الديموقراطية التونسية الوليدة ستحمل حتما امالا لشعوب عديدة على ان الانتقال الى مصاف الدول الديموقراطية ممكن بغض النظر عن دول الجوار وبغض النظر عن دين الشعوب وثقافاتها ، فعكس ما ذهب اليه الكثير من المستشرقين في مرحلة من المراحل التاريخية الغابرة على ان الديموقراطية وحقوق الانسان من النعم الدنيوية التي لن يفوز بها الا ذوو البشرة البيضاء المجبوليين بالفطرة على الحق والعدل والنبل وهكذا "استعمرونا لتحضيرنا"، اثبتت التجربة التونسية ان الاصلاح والتنمية والديموقراطية قد تنشئ من تربة شرقية ذات بنيات اقتصادية غير صناعية او بتعبير الدكتور الراحل سمير امين بنيات طبقية تنتمي لنمظ الانتاج الاسيوي . في سنة 2012 كتبت مقالا بعنوان : هل تكون تونس شجرة خضراء مثمرة استثناءا، في غابة الاستبداد القاحلة؟ وبفعل في سنة 2019 اعيد طرح نفس السؤال واسئلة اخرى تعبر عن تخوفي من تحديات وصعوبات كبرى قد تحاول اجهاض الانتقال الديموقراطي التونسي لذلك لا بد من طرح التساؤلات والتخوفات التالية : هل ستصمد التجربة الديموقراطية التونسية الوليدة امام التهديدات الارهابية المدعومة خارجيا لضرب التجربة الديموقراطية الوليدة التي تهدد الثقافة الشرقية المستبدة ؟ هل سيبارك الغرب التجربة الديموقراطية التونسية بشكل فعلي وحقيقي ام سيتامر عليها لضمان مصالحه التقليدية مع لوبيات يرعاها دائما لتكون حارسة له في بلدانها ؟ . املنا كبير وثقنا اكبر في نضج الشعب التونسي في ان يعطينا في كل مرة جرعة امل واوكسجين حياة لشعوبنا وشبابنا ونسائنا في انهم بامكانهم ان يتمتعوا يوم ما بتجربة ديموقراطية تنافسية تعددية تحترم ذكاء الشعوب وتعيد الكلمة للشعب ليقول كلمته في مصيره ، املنا نحن المغاربيين في تونس قوية امنة فعالة في قيادة قطار الوحدة المغاربية والاندماج الاقتصادي لتجاوز واقع التفرقة والتشرذم والانهزامية الذي تنشره قوى غربية ومحلية كذلك للابقاء على مصالحها في تعطيل اندماجنا الاقتصادي والتنموي . وساختم مقالتي هاته بما اورده الدكتور محمد عابد الجابري رحمه الله تعالى في كتابه الديموقراطية وحقوق الانسان[1]:" يمكن اجمال الشروط الذاتية التي لابد منها لقيام الديموقراطية في بلد من البلدان في عبارة واحدة : ارادة الديموقراطية . وارادة الديموقراطية تتوقف على الوعي بضرورتها ،والوعي بضرورة الديموقراطية يتوقف قوة وضعفا على مدى تاصيلها في الفكر والثقافة وفي المرجعية الحضارية بصورة عامة . "