أولاً : العبادات في رمضان . ثانياً : فوائد الجمع بين العبادات في رمضان . ثالثاً : السلوك في رمضان . رابعاً : فرصة رمضان في الإقلاع عن سلوكيات منحرفة . الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد : فإن النظرة الشرعية السليمة لما يقوم به المسلم من عبادات تقتضي أن ترتبط تلك العبادات بالسلوكيات ، فلا ينظر للعبادة منفصلة عن السلوك ، ولا ينظر للسلوك منفصلاً عن العبادة ؛ إنما النظرة الشرعية تجمع بينهما في صورة تظهر حقيقة عمل المسلم وطبيعة رسالته في واقع الحياة . والصيام من هذه العبادات التي تظهر فيها حقيقة الارتباط بين العبادة والسلوك ، وهو بتكرره على الأمة كل عام نتقرر دروسه ويكون مجيئه كل عام مضيفاً للمسلمين ومفيداً للأمة ، وآخذاً بيدها إلى ما فيه كمالها في أمور معاشها ومعادها . ولكي يفيد المسلمون من رمضان ، وتجني الأمة ثمراته لا بد من معايشته عملاً وسلوكاً كما يلي : أولاً : العبادات في رمضان العبادة في رمضان مميزة ، ولها ذاتيتها المتفردة وبصمتها الواضحة ، ومن ذلك : 1 ) الصلاة :وإن كانت المحافظة عليها أمراً ثابتاً لا يحتاج إلى الإشارة إليه ؛ لكن يستوجب الأمر التنبيه عليها ؛ لأن فئة من المسلمين على نهجهم المنحرف في حياتهم لا يصلون وبالضرورة لا يشكل مجيء رمضان عندهم شيئاً فيتركون الصلاة في رمضان أيضاً ، وإن كان بعضهم يصوم لكنه لا يصلي . ولا ريب أن الصلاة أعظم في ميزان الدين من الصيام .عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم . 2 ) الصيام : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( … ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) البخاري ، والمراد بالإيمان الاعتقاد بحق فرضية صومه ، وبالاحتساب طلب الثواب من الله تعالى ، قال الخطابي : ” احتساباً أي : عزيمة ، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه ” فتح الباري 4/138 . وترتبط عبادة الصوم بالسحور والذكر والدعاء ففي السحور فقد أجمعت الأمة على استحبابه ، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تسحروا فإن في السحور بركة) رواه البخاري ، ويستحب تعجيل الفطر ، فعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) رواه البخاري ومسلم ، والدعاء : روى الترمذي بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، والمظلوم ) 3 ) صلاة التراويح : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري . 4 ) قيام ليلة القدر : عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأخير من رمضان ويقول : ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) رواه البخاري . 5 ) العمل في العشر الأواخر من رمضان : عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ) البخاري . 6 ) الاعتكاف : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ) البخاري . 7 ) قراءة القرآن الكريم والجو العام : قال تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (البقرة: من الآية185) وقال تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (القدر:1)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة ) 8 ) العمرة : وأفضل أوقاتها في رمضان . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عمرة في رمضان كحجة معي ) ثانياً : فوائد الجمع بين العبادات في رمضان تجتمع العبادات في رمضان بصورة لا مثيل لها في بقية الشهور وهذا يترتب عليه الفوائد الكثيرة ومن ذلك : 1 ) مضاعفة أجر العمل فيه : ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عمرة في رمضان تعدل حجة ) أو قال حجة معي . 2 ) المعين على الطاعة في رمضان يكون له مثل أجر من أعانهم : عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء ) الترمذي وأحمد ، صحيح الجامع 6415 . 3 ) العتق من النار لمن رحم العباد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه ينادي فيه مناد : يا باغي الخير هلم ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة ) الترمذي ، صحيح الجامع 759 ، فمن رحم رُحم وعتق من النار في هذا الشهر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) البخاري ، فالجزاء من جنس العمل . 4 ) الجمع بين عبادات في رمضان من موجبات الجنة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة غرفاً ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها ) ، قالوا : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : (لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام ) الترمذي ، صحيح الجامع 2123 . وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام . 5 ) الجمع بين عبادات أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصيام جنة ) وعن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار ، وقيام الرجل من جوف الليل ) يعني أنه يطفيء الخطيئة أيضاً ، صحيح سنن ابن ماجه 3209 . ثالثاً : السلوك في رمضان : ليس الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشراب وسائر ما نهى الله عنه ؛ إنما هو في حقيقته صيام عن كل ما يغضب الله تعالى ، ومن ثم يلزم صاحبه السلوك الحسن ، وبهذا يحصل للمسلم التقوى التي هي هدف الصيام ، وهدف تعاليم الإسلام ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) رواه البخاري ، قال البيضاوي : ” ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش ؛ بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة ، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول ” فتح الباري 4/140 . وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( … والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرقث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم ..) رواه البخاري . وفي تكرير قوله : إني صائم فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك ، ونقل الزركشي أن المراد بقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه ، فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه وبقوله بلسانه كف خصمه عنه . وتعقب بأن القول حقيقة باللسان ، وأجيب بأن لا يمنع المجاز ” فتح الباري 4/126-127 . وهذا شعار للمسلم يرفعه في صومه أنه صائم وأنه وقور بصومه فلا يفعل فعل الجهال ، ولا يصدر منه سلوك يتنافى مع وقاره ، ومن هنا كانت حقيقة الصيام ، الصيام عما سوى الله ، وتكون حقيقة العيد يوم اللقاء وقد صمت عن لذات دهري كلها ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي رابعاً : فرصة رمضان في الإقلاع عن سلوكيات منحرفة : رمضان فرصة لهؤلاء الذين أدمنوا انحرافات بعينها ، يأتي رمضان ليحميهم منها ويعطيهم القدرة على التغلب عليهم ، ومن ذلك : 1 ) ترك الصلاة وما يتبعه من اتباع الشهوات . 2 ) حياة الدعة والرفاهية وعدم النهوض للمكارم ومعالي الأمور. 3 ) عدم الإحساس بالآخرين واستشعار آلامهم وهمومهم وأحزانهم . 4 ) إطلاق العنان للسمع والبصر وعدم الاهتمام بما ينفعهما . 5 ) التدخين ودعوى عدم وجود القدرة على الإقلاع عنه . 6 ) التبرج ودعوى عدم استطاعة المرأة المعتادة له تركه . يأتي رمضان ليعالج السلوكيات المنحرفة وفيه كل الأسباب إن أراد الناس العلاج . كتبه د/ المرسي محمود