الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيئين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. لغتنا الجميلة هي مصدر عزنا وفخرنا، ورمز وحدتنا وقوتنا، فيجب علينا أن نحافظ عليها، وندافع عنها، لأنها لغة قرآننا الكريم و أحاديث نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم، اختارها سبحانه وتعالى من بين جميع اللغات لتكون لغة آخر الكتب المنزلة. قال تعالى: ﴿ إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف:2] وقال عز من قائل: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الزخرف:3] وقال جل جلاله: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت:3] قال ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله : « وإنّما يعرِفُ فضْلَ القرآن مَنْ عرف كلام العرب ، فعرف علم اللغة وعلم العربية » [الفوائد المشوق إلى علوم القرآن /ص :9] لكنها أصبحت في هذا العصر، عصر التقدم التكنولوجي ، تشتكي من الإهمال الكبير، والتفريط الشديد، والاعتداء الصارخ من طرف أبنائها، وذلك بسبب ما تتعرض له في مواقع التواصل الاجتماعي من تشويه وتهميش وإعراض. إن المتصفح لهذه المواقع يستغرب من هذه الكتابة الغريبة التي يسمونها ʺ عربيزيʺ أو ʺفرانكوأرابʺ أو أرابيش ويزداد استغرابه عندما يعلم أن كاتبها عربي ربما يعجز عن كتابة مفردات وعبارات صحيحة وسليمة بلغته الأم، فيلجأ إلى استعمال تلك اللغة الهجينة إن صح أن نسميها لغة والتي أصبحت متداولة بين مختلف شرائح المجتمع، وانتشرت بين الشباب خاصة انتشار النار في الهشيم، لأنهم وجدوا فيها ملاذا ومهربا من استعمال اللغة العربية، التي تفرض عليهم انتقاء الجمل المنسقة ، والتراكيب المنمقة، والتدقيق اللغوي، واعتبروها طريقة سريعة وسهلة للكتابة، كما أنهم اعتقدوا أنها تواكب العصر والتقدم الحضاري. ولأن هذا ʺالعبث اللغويʺ غير مراقب، فكاتبه ينشر له ما يشاء دون أن يتعرض لتصحيح ، أو انتقادات أو ملاحظات، مما ينعكس سلبا على مستوى شبابنا اللغوي والثقافي. إن أعداء اللغة العربية، قاموا بمحاولات كثيرة منذ القدم للقضاء على اللغة العربية باءت كلها بالفشل، ولكنهم وجدوا في هذهʺ اللغة الهجينة ʺ التي أصبحت الحروف العربية تستبدل فيها بالحروف اللاتينية أو بالأرقام ضالتهم المنشودة، فشجعوا عليها، ودعوا إليها بكل ما يملكون من وسائل، واجتهدوا في تنفير الشباب من استعمال اللغة العربية بدعوى أنها صعبة، وأنها ليست لغة العصر، ولا تساير التقدم العلمي، ولا تصلح إلا للأدب والشعر. قال حافظ إبراهيم ردا على هؤلاء على لسان اللغة العربية: وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً ۞۞۞ وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ ۞۞۞ وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ ۞۞۞ فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي ولقد «أطلق الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، الذي ضم العديد من العلماء والمثقفين والسياسيين المغاربة مبادرة تهدف إلى تبويء اللغة العربية مرتبة الصدارة باعتبارها مكونا من مكونات الهوية الوطنية ورمزا للوحدة الحضارية للشعب المغربي وحاضنة لفكره وثقافته وإبداعه» [جريدة الصحراء/ بتصرف] فلماذا نهمل لغتنا ونستبدلها بغيرها فنساهم بذلك في تقهقرها وانحطاطها ؟ ولماذا لا نجتهد في تعلمها وإتقانها؟ فإن تعلمها وإتقانها ومعرفة قواعدها واجب، ومسؤولية، وإلا فكيف سنفهم القرآن الكريم الذي أمرنا الله سبحانه بقراءته وتدبره ؟ وكيف سنفرض وجودنا بين الأمم بغير لغتنا؟ قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله : « ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاّ ذلَّ ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبار» [وحي القلم/ج3/ ص:29 ] وقال حافظ إبراهيم: أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ ۞۞۞ إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى ۞۞۞ لُعَابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فالظاهرة خطيرة ، تهدد لغتنا وهويتنا، وتحتاج إلى تضافر الجهود، ووقفات جادة للحيلولة دون المزيد من استفحالها، حتى نستطيع أن نعيد للغتنا الجميلة مكانتها ومجدها، ونحافظ على هويتنا وثقافتنا. والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.