ليست بالضرورة " كناوة " أو طريقة إعداد الكسكس أو نقش الحناء المتفرد ،إنها الروح الثاوية في كل هذي الطقوس و العادات و المظاهر الاحتفالية.إنها القيم الأصيلة التي تعبر عنها هذه التجليات، وبدونها تتحول الطقوس إلى بهرجة،والعادات إلى ألعاب سيرك،والذاكرة إلى قطعة أثرية تزين جدران المتاحف المعتمة ! يعبر المغاربة اليوم ،كل بطريقته وأسلوبه،عن هذا التشبث بتامغرابيت ،و الحنين إلى ما كان حتى الأمس القريب يحقق الأصالة و التميز. ومواقع التواصل الاجتماعي أبلغ تعبير عن هذه الاستعادة الممزوجة بالشعور بغربة أمام الانسياق خلف مظاهر الحياة العصرية،ومنتجاتها الجافة و الباردة،بحيث تتحول كل مناسبة دينية أو اجتماعية،بل حتى إفطار عائلي صبيحة يوم الأحد إلى فرصة لتجديد الإلحاح بالحفاظ على تامغرابيت وسط عالم متقلب واستئصالي ! لا أحد يخفي اليوم استياءه من تراجع القيم في حياتنا اليومية، وتذمره من خطاب إعلامي يكتفي من تامغرابيت بمنتجات الصناعة التقليدية و الفلكلور الشعبي الذي يجتذب السياح، في الوقت الذي يهيمن على برامجه و أسلوب تفاعله مع انتظارات المواطنين هاجس التخلص من هذه القيم أو تجاوزها باعتبارها إرثا من الماضي لا يناسب مجتمع الحداثة و الانفتاح على القيم الكونية !! تامغرابيت هي ذلك الولاء المتفرد للوالدين،وبذل أقصى الجهد لحماية شيخوختهما من عاديات الزمن. واليوم تضج وسائل الإعلام المختلفة بحكايات مرعبة عن مغاربة تجردوا من كل ما يمت للإنسانية بصلة في علاقتهم بوالديهم،مابين تعنيف لفظي واعتداء بدني يصل حد القتل العمد،وتجريد من الممتلكات،أو تسليم لدور العجزة و الجمعيات الخيرية. أما الخطاب الإعلامي في رصده لهذه الحالات فيكتفي بتحميل الظروف الاجتماعية من فقر وهشاشة المسؤولية الكاملة عن هذا التردي دون الانتباه إلى كم الرسائل اللا أخلاقية التي تحرص الدراما التلفزية تحديدا على التطبيع معها. يكفي أن نقف في عدد من الأعمال الدرامية المغربية عند الصورة النمطية للأب (عاجز،متوفى،مريض،فاشل أسريا..)و الأم( مظلومة،ساذجة..) لنتساءل عن الغاية من وراء التسويق لهذا النموذج الوحيد للأسرة المغربية ؟! تامغرابيت هي الموروث اللفظي و المعجم الغني الذي يوفر العبارات الملائمة لكل مقام ومقال، ويرسم حدودا واضحة بين اللغة المهذبة ذات الحمولة الأخلاقية و الدينية البسيطة التي توثق العلاقات الاجتماعية ،و لغة " الزنقة " التي تلوث اليوم فضاءنا الإعلامي و السياسي.فالذين تطوعوا لإلقاء اللغة العربية خارج مدار التواصل و تبليغ الخطاب الإعلامي أو المؤسسي عموما لم يهذبوا على الأقل اللهجة العامية التي دافعوا عنها كبديل، ويكفي أن يرصد المرء لغة السيناريو المغربي في عدد من الأعمال التلفزية و السينمائية الرائجة مؤخرا ليقف على لغة مفككة و "مقزدرة " تعتمد مفردات موليير لتجاوز العثرات ! و تامغرابيت هي أخلاق "السترة" وصون الأعراض،و الكف عن تدمير الروابط الاجتماعية بنقل الأسرار إلى دائرة الضوء، و الشماتة في مصائب الجار ذي القربى و الصاحب بالجنب. وقلما تطالع اليوم موقعا إخباريا دون أن تصدمك العناوين الغريزية السفلى التي تتخذ من أوجاع الناس سبقا إعلاميا رديئا. فلا عناية اليوم سوى بوقائع الاغتصاب و هتك الأعراض و الإمعان في تحويل الابتلاءات إلى فيلم مشوق يغذي أشكال الهبوط الأخلاقي و الإنساني.و تحت يافطة حل المشاكل و الدخول ب "خيط أبيض " تتحول المصائب إلى فرجة،و يفقد الضحايا ما تبقى من كرامة السير في الشارع و مخالطة الناس،لأن الهم الوحيد هو رفع نسبة المشاهدة و تحقيق السبق ! تامغرابيت رزمة أخلاق و قيم وعوائد تصون الكرامة، وتحتفي بالعمل النبيل و المبادرات الطيبة. تامغارابيت ليست فرجة فقط في التعبيرات الدالة على مناسباتنا الاجتماعية بل هي النسيج الشفاف الذي يحقق لهذا المجتمع وحدة العيش تحت سقف واحد . لنكُف إذن عن الإشادة بالقشرة الاحتفالية لتامغرابيت بينما المعاول لا تتوقف عن هدم البنيان، وتمزيق الأوصال . مودتي الصادقة لكل مغربي ومغربية يواصل شغفه(ها) بتامغرابيت الحقة !