طرق كتابة المقالات الصحفية: يعد المقال الصحفى الأداة الصحفية التى تعبر بشكل مباشر عن سياسة الصحيفة وعن آراء بعض كتابها فى الأحداث الجارية، وفى القضايا التى تشغل الرأى العام. والمقال الصحفى قد لا يقتصر على شرح وتفسير الأحداث والوقائع الجارية أو التعليق عليها وإنما قد يأتى كاتب المقال بفكرة جديدة لم تكن مطروحة من قبل من شأنها أن تشغل الجمهور وتستحوذ على اهتمامه، وقد تدفع هذه الفكرة فى إلغاء تشريع أو سن قانون جديد يمس مصالح القراء أو تثير اهتمامهم لأى سبب من الأسباب والمقال الصحفى هو فى الأصل تعبير مختصر بالكلمات حول مسألة معينة بتبنى كاتبه وجهة نظر محددة تلميحاً أو تصريحاً. أنواع المقالات الصحفية: (1) المقال الافتتاحى. (2) المقال العمودى. (3) المقال التحليلى. (4) المقال النقدى. أولاً: المقال الافتتاحى: وهو يعد أهم فنون المقال الصحفى، وهو يقوم على وظيفة الشرح والتفسير والتوجيه معتمداً على الأدلة والشواهد والبراهين والبيانات للوصول إلى إقناع القراء وكسب تأييدهم للموضع الذى يطرحه فى مقاله. ويتميز المقال الافتتاحى (1) التعبير عن سياسة الصحيفة بغض النظر عن توجهها والجهة التى تملكها. (2) متابعة الوقائع والأحداث اليومية على المستوى المحلى والدولى. (3) الاهتمام بالقضايا التى تشغل انتباه الرأى العام. (4) إبراز الخلفية التاريخية للأحداث والقضايا والإحاطة الكاملة بها. (5) استخدام اللغة السهلة البعيدة عن الغموض والمصطلحات الضخمة. ومن هنا فإن المقال الافتتاحى ليس تعبيراً عن وجهة نظر الكاتب، أو ترجمة لانطباعاته الشخصية وإنما هو فى حقيقة الأمر تعبير عن سياسة الصحيفة، ولذلك فكثراً ما يأتى المقال الافتتاحى دون توقيع، لأنه منسوب فى هذه الحالة للصحيفة وذلك بهدف الإقناع وليس مجرد الاستمالة العاطفية، وبالتالى فقد يعتمد الكاتب على الأرشيف الصحفى ومصادر المعلومات بالصحيفة فضلاً عن قراءاته العديدة ومعلوماته التى استطاع اكتسابها من طول فترة عمله بالصحيفة. أسس كتابة المقال الافتتاحى: يأخذ المقال الافتتاحى هيئة الهرم المعتدل والذى يتضمن ثلاثة عناصر أساسية هى المقدمة، وجسم المقال، والخاتمة، فالمقال الافتتاحى غالباً ما يحتوى على مدخل يثير الانتباه إلى أهمية الموضوع الذى يدور حوله المقال حيث تهدف المقدمة إلى تهيئة ذهن القارئ لتلقى المادة الصحفية التى يتناولها، أما صلب المقال فيتضمن الحقائق والمعلومات التى يؤكد عليها الكاتب بالأدلة والبراهين وفق السياسة التحريرية للصحيفة. والمقال الافتتاحى يكتبه رئيس التحرير أو كبار الكتاب بالصحيفة من أصحاب الثقة وذات التوجه الذى يتطابق فيه ما يكتبه مع السياسة التحريرية للصحيفة. وكان قديماً يوقع كاتب المقال الافتتاحى باسمه أسفل المقال عندما كانت صحافة الرأى هى التوجه الصحفى السائد فى العالم، ولكن وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت الصحافة الخبرية وفيها أصبح المقال الافتتاحى تعبير عن توجه الصحيفة وليس شخصاً بذاته. والمقال الافتتاحى الجيد هو الذى يختار موضوعه بعناية فائقة من ناحية، ويكثر به الأسانيد والدلائل والبراهين من ناحية أخرى. وقد كان المقال الافتتاحى فى القرن الماضى يشغل الصفحة الأولى، وأجزاء من الصفحات الداخلية ومن أشهر كتاب المقال فى مصر على مدار تاريخها محمد عبده، جمال الدين الأفغانى، مصطفى كامل، أحمد لطفى السيد، عبد القادر حمزة، عبد الله النديم، إبراهيم المازنى، أديب إسحاق، إحسان عبد القدوس، أنيس منصور، محمد حسنين هيكل، إبراهيم نافع، سمير رجب، عباس الطرابيلى، إبراهيم عيسى، وعلى المستوى الدولى جون أدامز، جوزيف وارن، ورالف أمرسون، والتر لبمان، صمويل كوبر. وقد كان المقال الافتتاحى ينهض بمهمة القيادة والزعامة، وكان وسيلة التوجيه والإرشاد وتكوين الرأى العام، ولا يزال يلعب دوراً مهماً فى صحافة الرأى مثل صحيفة التايمز، اللوموند، ونيويورك تايمز وغيرها. ومن ناحية أخرى فإن افتتاحيات بعض الصحف قد تؤخذ كدليل على اتجاه الحكومات فى الدول التى تصدر فيها الصحف، كما هو الشأن فى مصر فترة الخمسينات والستينات وبداية السبعينات عندما كان الأستاذ محمد حسنين هيكل يكتب مقاله فى الأهرام بعنوان "بصراحة" ويتكون المقال الافتتاحى من ثلاثة أجزاء هى: المقدمة وهى مدخل مثير للانتباه يعبر عن أهمية القضية أو المشكلة المطروحة فى المقال ثم جسم المقال وهو يضم البيانات والمعلومات الموثقة بالشواهد والأسانيد ثم خاتمة المقال وتحتوى على خلاصة الأفكار والآراء التى تصل إليها الصحيفة فى موضوع المقال. وعلى هذا فإن المقال الافتتاحى يأخذ غالباً القالب الهرمى المعتدل. ثانياً: المقال العمودى: اعتمدت الصحف منذ انتشارها حتى أوائل القرن العشرين على المقال الافتتاحى الذى كان طويلاً فى البداية ثم أخذ فى التناقص شيئاً فشيئاً والمقال العمودى هو مساحة محدودة من الصحيفة لا تزيد عن عمود تضعه الصحيفة تحت تصرف أحد كبار الكتاب بها يعبر من خلاله عما يراه من آراء وأفكار وخواطر وانطباعات شخصية حول الأحداث والقضايا، وهو فى الغالب له مكان ثابت لا يتغير وينشر تحت عنوان ثابت، وقد يكون كل يوم، أو ربما كل أسبوع مثل (حقائق لإبراهيم نافع، ومواقف لأنيس منصور، من قريب لصلاح منتصر، فكرة لمصطفى أمين...). المقال العمودى والافتتاحى: توجد العديد من الاختلافات بين المقال العمودى والمقال الافتتاحى أهمها: 1- أن للمقال العمودى مكان ثابت فى الصحيفة. 2- أن للمقال العمودى عنوان ثابت لا يتغير فى الصحيفة. 3- أن المقال العمودى ليس شرطاً أن يتفق على سياسة الصحيفة. 4- أن المقال العمودى لابد من توقيع صاحبه أسفله. 5- أن المقال العمودى ينشر بانتظام (يومى – أسبوعى). وعلى هذا فإن العمود الصحفى يصور شخصية الكاتب وأفكاره وأحاسيسه وتأملاته، والكاتب يعتبر القراء بمثابة أصدقائه حين يفضى إليهم بكل ما يخطر على باله، أو ما يجيش فى صدره من أفكار دون تكلف. ويمتاز العمود الصحفى بخفة الظل وسهولة الأسلوب واستخدام الصيغ الاستفهامية والتعجبية، كما أنه يمزج التعبير بالتهكم والسخرية مع الحكم والأمثال المتداولة. وكاتب العمود الصحفى لا يتعمق فى البحث كما يفعل المتخصصون وكتاب المقالات التحليلية، وإنما هو يكتب على فطرته وسجيته كمواطن يعيش وسط الناس يفرح بفرحهم، ويتألم إذا اشتكوا، ولذلك فهو يهتم أكثر بكل ما يهم ويمس مشاعر القراء وعواطفهم. أسس كتابة المقال العمودى: يقوم بناء المقال العمودى على ثلاثة أجزاء، فالمقدمة هى فى الأساس مدخل وتمهيد من الكاتب لموضوع مهم يتم تناوله فى عموده، ثم يأتى جسم العمود ليضم الحدث أو الموضوع الذى يتم تناوله بالأدلة والشواهد والبراهين. أما خاتمة المقال العمود فهى خلاصة رأى الكاتب فى الموضوع الذى تناوله فى عموده، ولذلك فإن المقال العمودى يقوم على القالب الهرمى المعتدل حيث السرد فى الأهمية حتى الوصول إلى ذروة الحدث وفى الخاتمة يؤكد الكاتب على النصح والإرشاد والموعظة. مدخل للموضوع تفاصيل - أدلة خلاصة - نصيحة ثالثاً: المقال التحليلى: يعد المقال التحليلى من أبرز فنون المقال الصحفى وأكثرها تأثيراً، وهو يقوم على التحليل العميق للأحداث والقضايا والظواهر المختلفة التى تشغل الرأى العام. ويقوم المقال التحليلى على تناول الوقائع والأحداث بالتفصيل ويربط بينها وبين أحداث أخرى ثم يستنبط منها ما يراه من آراء واتجاهات ، وهو فى المعتاد ينشر أسبوعياً حيث تكون الفرصة متاحة أمام الكاتب للخوض فى مختلف مجالات النشاط الإنسانى من سياسة واقتصاد، وثقافة وفكر وأدب. ويمكن بالتالى أن نميز بين المقال التحليلى والافتتاحى من النقاط التالية (مساحته، مكانه، كاتبه)، حيث أن المقال التحليلى لا علاقة له بسياسة الصحيفة كما هو الحال فى المقال الافتتاحى، وبالتالى فهناك مساحة أكبر لكاتب المقال التحليلى فى تناول الموضوعات والقضايا دون حذر أو خوف، بينما تأتى المقالات الافتتاحية معبرة عن توجه الصحيفة. ويقوم المقال التحليلى على ارتباطه بحدث تجذب حيويته أذهان القراء وانتباههم. أنواع المقال التحليلى: ويتم ذلك وفق التقسيم الجغرافى والموضوعى للمقال التحليلى. 1- التقسيم الجغرافى: ويضم المقال التحليلى المحلى، والقومى، والعالمى، فالمقال التحليلى المحلى وهو الذى يتناول القضايا والمشكلات داخل المجتمع الذى تصدر به الصحيفة. أما المقال القومى، وهو الذى يتناول المشكلات والموضوعات المرتبطة بالبلدان العربية، بينما المقال العالمى فهو الذى يتناول قضايا ومشكلات تحدث على نطاق دولى خارج المنطقة العربية. 2- التقسيم الموضوعى: ويضم هذا التقسيم الآتى: المقال التحليلى السياسى، والدينى، الرياضى، الثقافى، الأدبى، الاقتصادى، العسكرى، البرلمانى. ويقوم المقال التحليلى بمجموعة من الوظائف هى: (1) عرض وتحليل الأحداث الجارية والكشف عن أبعادها. (2) مناقشة وطرح القضايا والظواهر التى تشغل الرأى العام. (3) التعبير عن السياسات والاتجاهات السائدة فى المجتمع. أسس كتابة المقال التحليلى: يقوم المقال التحليلى على هيئة الهرم المعتدل ويضم ثلاثة أجزاء هى المقدمة، وجسم المقال والخاتمة، وبالنسبة للمقدمة يجب أن تتضمن أبرز حدث من الأحداث الجارية دون تفاصيل، وذلك حتى لا يصبح صلب المقال تكرار للمقدمة، أما جسم المقال فيتم عرض المعلومات بالتفصيل بموضوعية مع إبراز الخلفية التاريخية للحدث الذى يتم التعرض له بالمقال وكشف أبعاد الموضوع ودلالاته المختلفة أما فى خاتمة المقال التحليلى فهى تضم خلاصة وجهة نظر الكاتب عن القضية والموضوع المطروح، وقد تأخذ الخاتمة صوراً عديدة منها النهاية الطريقة، والاقتباسية، والتصويرية، والملخصة، والمثل والحكمة، والمقارنات. وعلى هذا يمكن القول أن الخاتمة تعد من أهم العناصر المؤثرة فى المقال التحليلى ذلك أنه آخر ما يطالعه القارئ من المقال، وآخر ما يترك لدى القارئ انطباعاً عن المقال وكاتبه. رابعاً: المقال النقدى: وهو يقوم على عرض وتفسير وتحليل وتقييم الإنتاج الأدبى والفنى والعلمى وذلك من أجل توعية القارئ بأهمية هذا الإنتاج ومساعدته فى اختيار ما يقرأه أو يشاهده أو يسمعه من هذا الكم الهائل من الإنتاج الأدبى والفنى والعلمى الذى يتسم إنتاجه يومياً على المستوى القومى والدولى. ويختلف فن المقال الصحفى عن المقال الأدبى اختلافاً جوهرياً، وذلك من حيث الوظيفة والموضوع واللغة والأسلوب جميعاً، فمن الثابت أن المقال الأدبى يهدف إلى أغراض جمالية، ويتوخى درجة عالية من جمال العبارة، وذلك كما يتوخاها الأديب الذى يرى الجمال غاية فى ذاته، وغرضاً يسعى إلى تحقيقه، أما المقال الصحفى فإنه يهدف أساساً إلى التعبير عن أمور اجتماعية وأفكار عملية بغية نقدها أو مدحها، وهو على كل حال يرمى إلى التعبير الواضح عن فكرة بعينها. وعلى هذا فإن المقال الصحفى عادة ما يهتم بتفاصيل ما يجرى من الأحداث اليومية فى المجتمع، والأحداث التى وقعت والإحصاءات والبيانات الواردة من كل اتجاه حيث يكون أكثر اهتماماً بالأحداث وتفاصيلها، أما المقال النقدى فهو يتناول الأرقام والإحصاءات بالنقد والتحليل. ويتضمن المقال الأدبى مجالات عديدة منها المسرح والسينما والفنون من تصوير ونحت، وكذلك الإنتاج الإذاعى والتليفزيوني، والقصصى والأشعار والأغانى والكتب والمؤلفات فى مختلف التخصصات من سياسة واقتصاد، وتاريخ، واجتماع، وطب، ورياضيات.... أسس بناء المقال النقدى: يقوم بناء المقال النقدى على طريقة الهرم المعتدل وهو فى ذلك يصبح متشابهاً مع المقال الافتتاحى والعمودى، من خلال ثلاثة أجزاء هى: 1- المقدمة: وتتضمن القضية أو الفكرة التى يطرحها الكاتب، سواء أكانت أدبية، أو فنية، أو علمية وفيها يتم تناول التجديد والتطوير الذى أضافه هذا العمل الذى يتم تناوله بالنقد وإقبال الجمهور عليه من عدمه. 2- جسم المقال: وهو يشتمل على عرض موضوع العمل الفنى أو الأدبى أو العلمى وتحليل وتفسير وشرح الأبعاد المختلفة له، مع مقارنة هذا العمل الإبداعى مع غيره من الأعمال سواء كان ذلك على مستوى ما كتبه الكاتب من قبل، أو على مستوى ما يتم عرضه. 3- خاتمة المقال: الفكرة عرض الموضوع + تحليل + تفسير + مقارنة تقييم نهائى للعمل دعوة لمتابعة العمل أو عدم المتابعة وفيه يتم تقييم العمل والوقوف على مستواه الإبداعى وفى الخاتمة تأتى دعوة الكاتب للقراء أو المشاهدين أو المستمعين إلى مشاهدة أو عدم مشاهدة هذا العمل وعلى هذا فإن النقد هو تقييم لعمل يتم عرضه، سواء أكانت ذلك مدح فى العمل أو أحد عناصره، أو نقد بعض عناصره والأخطاء التى شابت العمل ذاته. خامساً: اليوميات الصحفية: ومقالات "اليوميات" تعد أقرب إلى فن العمود الصحفى من حيث التعبير الشخصى الذى يتم عن تفكير صاحبه، وروح المذهب الذى يميل إليه، ونظرته إلى الحياة، سواء كانت روحه ساخرة أو متواضعة، أو متغطرسة أو متكبرة وقد تتناول اليوميات نقداً سياسياً أو اجتماعياً، والكاتب هنا يعبر عن وجهة نظره، لا عن سياسة الصحيفة التى يعمل بها. ولغة اليوميات تجمع شأنها شأن العمود الصحفى بين بساطة اللغة الصحفية، وجمال اللغة الأدبية، وكذلك فى كونها تقوم على التجارب الذاتية للكاتب. وتطبيقاً على الصحف المصرية تعد جريدة (الأخبار) هى الصحيفة المصرية الوحيدة التى ما تزال تحتفظ بفن اليوميات بالصفحة الأخيرة والتى ما تزال تفسح له مساحة كبيرة من صفحتها الأخيرة، ومن كتابها عبد الرحمن الأبنودى، جمال الغيطانى، سمير سرحان، د. محمد عمارة، نعم الباز، سناء فتح الله. ومن مميزات اليوميات أنها تتنوع فى موضوعاتها التى تصور الحياة الإنسانية بمعناها الواسع بخيرها وشرها، ويشترط فى كاتب اليوميات أن يكون معروفاً للناس من خلال مؤلفاته وإنتاجه الفكرى والأدبى. عن الكاتب الصحفي الدكتور مجدى الداغر بتصرف .