بناء على التغطية الكاملة لوقائع اللقاء التواصلي الذي نظمته الكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية بتطوان يوم 4 مارس 2012 بقاعة ثانوية القاضي عياض مع الأعضاء والمنخرطين الجدد بالحزب المنشورة بجريدة "تطوان نيوز"، وبعد المنع التعسفي لرجال الصحافة والإعلام من ولوج القاعة لتغطية أطوار اللقاء بدعوى أن "اللقاء داخلي يهم فقط أعضاء الحزب ومنخرطيه الجدد" على حد تعبير بعض أعضاء ومستشاري الحزب الذين تم "تكليفهم" بحراسة الباب الخارجي للقاعة حتى لا "يتسلل" أي صحافي أو مواطن عادي إلى داخل القاعة، رغم تعليق الحزب للافتات كبيرة بمختلف الشوارع الرئيسية للمدينة، معلنا فيها عن تاريخ ومكان انعقاد هذا اللقاء "التواصلي"، الشيء الذي يجعل المواطن يتبادر إلى ذهنه من أول وهلة يقرأ فيها ما كتب على هذه اللافتات بأن هذا اللقاء مفتوح في وجه العموم. فإذا كان الحزب يريد عقد لقاء سري يخص فقط أعضاءه ومنخرطيه، فلماذا لا يتم استدعاء من يهمه الأمر سريا؟؟ ولماذا تم تعليق لافتات طويلة عريضة بالشوارع معلنة عن اللقاء وداعية المواطنين للحضور؟؟ أليس هذا دليل على سوء التسيير والتباس الأمر على قياديي الحزب المحليين؟؟ ألم يفكر من أقدم على هذه الخطوة في عواقب فعلته التي ستصب في جميع الأحوال في غير مصلحة الحزب، خصوصا وأننا على أبواب الانتخابات؟؟ هذا التصرف الذي انتهجه الحزب جعل المواطنين وكذا الصحافيين الذين حجوا إلى عين المكان يصابون بالدهشة والذهول جراء التناقض المعبر عنه من طرف الحزب، وهو ما يضرب في الصميم مبدأ حق المواطن في الولوج إلى المعلومة المنصوص عليه دستوريا، وكأن هذا اللقاء هو سر من أسرار الدولة لا يجب كشفه للعموم، أو أن شيئا ما سريا يخص الدائرة المغلقة للحزب فقط، رغم أن كل ما قيل وتدوول في هذا اللقاء يعرفه الخاص والعام، ولم يأت بأي جديد يذكر، بل إن الكتابة المحلية للحزب، ومعها رئيس الجماعة الحضرية وبرلماني الحزب عن الإقليم، وعوض تعريف الأعضاء والمنخرطين الجدد بالحزب وظروف تأسيسه وتاريخه وتذكيرهم بأهم المحطات التي مر منها إلى غاية وصوله إلى سدة الحكومة، فقد اكتفوا بالترحيب بالملتحقين الجدد والحديث عن الانتخابات التشريعية الأخيرة بتحليل نتائجها وتبيان مكامن قوة وضعف الحزب على مستوى المدينة... إلخ، رغم أن كل هذه المعطيات وغيرها قد سبق وأن تطرقت لها وسائل الإعلام في حينه، وبالتالي أصبحت مستهلكة لا فائدة من اجترارها مرة أخرى، الشيء الذي يجعل المتتبع لشأن الحزب على المستوى المحلي يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى قدرة القياديين المحليين على مسايرة التطورات المتسارعة التي أضحى يعيشها الحزب في الآونة الأخيرة، وتعريفهم بتاريخ ومنجزات الحزب محليا ووطنيا. علما أن حزب العدالة والتنمية يجر وراءه أزيد من أربعة عقود من التاريخ الزاخر بالنضال والكفاح منذ تأسيسه سنة 1967، وذلك بعد انشقاق داخل الحركة الشعبية قاده زعيم الحزب آنذاك ورئيس البرلمان المغربي المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب يوم امتنع عن موافقة ملك البلاد آنذاك، المغفور له الحسن الثاني، لإعلانه حالة الاستثناء، وهو الأمر الذي لم يرق للقصر، فقام بالتضييق على الخطيب وبالتالي حصول الانشقاق. وبعدها سيعرف الحزب مسارا مسدودا، بحيث مورست حوله مجموعة من العراقيل دفعته للانسحاب من الساحة السياسية. ويُعرِّف حزب العدالة والتنمية نفسه بأنه: "حزب سياسي وطني يسعى، انطلاقا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين، إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديمقراطي، ومزدهر ومتكافل. مغرب معتز بأصالته التاريخية ومسهم إيجابيا في مسيرة الحضارة الإنسانية". ويعد حزب العدالة والتنمية من الأحزاب الأكثر انفتاحا على الحداثة "الإيجابية"، ذو ديمقراطية داخلية فعلية، حظي في الاستحقاقات الأخيرة بالإجماع عليه من طرف الناخبين، انطلاقاً من رسالته، لا من أسماء عائلات المرشحين، مستمدا بذلك توجهه من برنامج تفاعلي مع وفي خدمة الناخبين والشعب المغربي عموما. وفي سنة 1992 وبعد أن تعذر على حركة الإصلاح والتجديد (الجماعة الإسلامية سابقا) تأسيس حزب التجديد الوطني، اتصلت قيادة الحركة بالدكتور عبد الكريم الخطيب عارضة عليه إعادة إحياء الحزب، فوافق الخطيب بشروط ثلاثة، هي: الإسلام والاعتراف بالملكية الدستورية ونبذ العنف. وفي سنة 1996 عقد الحزب مؤتمرا استثنائيا لتمكين القيادات الإسلامية من العضوية في أمانته العامة، حيث سمي حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، قبل أن يغير اسمه سنة 2002، ليصبح اسمه حزب العدالة والتنمية، ومنذ ذلك الحين بدأ ينظر إلى الحزب باعتباره حزبا إسلاميا. وفي هذه الفترة كانت الحركة الإسلامية تدبر مشروعا اندماجيا بين فصيلين هما حركة الإصلاح والتجديد (كانت تصدر جريدة "الإصلاح" ثم "الراية"، ورابطة المستقبل الإسلامي كانت تصدر جريدة "الصحوة"، وقد توجت هذه الجهود بالإعلان عن تنظيم جديد يضم الفصيلين هو: حركة التوحيد والإصلاح بقيادة الدكتور أحمد الريسوني. وقد شارك الحزب في الانتخابات التشريعية لسنة 1997 وحقق فوزا مقدرا بالنظر إلى محدودية الدوائر التي شارك بها (24 من أصل 325 دائرة) حصل الحزب منها على 9 مقاعد أغلبها من العاصمة الاقتصادية، وقد كانت مناسبة إعادة بعض الدوائر فرصة لكسب 3 مقاعد إضافية، ثم إن التحاق عضوين من أعضاء المجلس بفريقه جعل عدد فريقه يصل إلى 14 مقعدا في مجلس النواب، وفي الوقت نفسه كان حاضرا في الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) بمقعد واحد من خلال نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الموالية لحزب العدالة والتنمية. كما خاض حزب العدالة والتنمية معارك عديدة، أشهرها معركته ضد ما سمي آنذاك بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية والتي تصدى لها بقوة وحزم، كانت أقوى لحظاتها مشاركته الواسعة في مسيرة المليونين بالدار البيضاء بتاريخ 12 مارس 2001، مما جعل الحكومة تسحب خطتها وتدخل الملك محمد السادس على إثرها وشكل لجنة وطنية من العلماء والقضاة والمفكرين أعدت مدونة الأسرة التي عرضت لأول مرة على البرلمان. وقد كانت نتائج مشاركة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية 2002 أكثر من لافتة حيث حصل على 42 مقعدا، وبعد أن أُقصي من المشاورات السياسية لتشكيل الحكومة، على الرغم من احتلاله المرتبة الثالثة بفارق قليل عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، وبالتالي أصبح المعارضة الأولى بالبلاد. وشكلت محطة الأحداث الإرهابية الأليمة ل 16 ماي 2003 بالدار البيضاء منعطفا خطيرا في تاريخ حزب العدالة والتنمية، فقد وظفت سياسيا ضده، حيث جعله منافسوه في موطن اتهام واعتبروه يتحمل المسؤولية المعنوية لما وقع من حيث أن الذين نفذوا تلك العمليات ينتمون إلى التيارات السلفية المتشددة، وذلك على من رغم مسارعته إلى إصدار بيان إدانة في صباح اليوم الثاني، أي يوم 2003/05/17، وتم منعه من المشاركة في المسيرة المنددة بالأحداث الإرهابية التي دعت إليها القوى المدنية، وتعالت بعض الأصوات السياسية وأعضاء من الحكومة (اليسارية منها على الخصوص)،أصبحت تعرف فيما بعد بالاستئصاليين، مطالبة بحله وتم وضع نقطة حل حزب العدالة والتنمية على أجندة لقاء المجلس الحكومي، ولكن جلالة الملك محمد السادس حال دون استمرار هذا الاحتقان السياسي، وقد كان للأحداث الإرهابية وقع قوي، حيث أن الحزب قلص مشاركته أكثر بفعل ضغوط خارجية، وعلى الرغم من ذلك حقق نتائج معتبرة وتمكن من تسيير عدد من الجماعات المحلية بعد استحقاقات 12 شتنبر 2003 الجماعية... وفي مؤتمره الوطني الأخير الذي انعقد في يوليوز 2008 انتخب عبد الإله بنكيران أمينا عاما للحزب خلفا للدكتور سعد الدين العثماني، هذا الأخير الذي انتخب أيضا خلفا للمرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب الذي أصبح في موقع الرئيس المؤسس. وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت يوم 25 نونبر 2011، حصل الحزب على المرتبة الأولى، وبالتالي تم تكليفه بتشكيل الحكومة، التي عينها جلالة الملك محمد السادس يوم 3 يناير 2012، برئاسة السيد عبد الإله بنكيران، والتي ضمت 31 وزيرا، منهم 11 وزيرا من العدالة والتنمية بما فيهم رئيس الحكومة بالإضافة إلى بسيمة الحقاوي، المرأة الوحيدة بالحكومة "الذكورية" الأولى بعد إقرار أول دستور في عهد الملك محمد السادس. محمد مرابط