يروي عبد الكريم الخطيب قصة الزواج القصير والطلاق السريع بين حزب العدالة والتنمية وقيادة كل من الاتحاد الاشتراكي والاستقلال في تجربة التناوب، ويتهم الحزبين بالرغبة في السيطرة على الحكم من خلال الدعوة إلى تقليص سلطات الملك، ولا يخفي اتهامهما أيضا بنوع من العداء للشريعة الإسلامية، وكذا الحرص على تحقيق حلم راود قادتهما عندما كانا يشكلان حزبا واحدا، وهي إقصاء المعارضين. كان يكفي أن يُدخل الملك محمد السادس تعديلا على حكومة عبد الرحمان اليوسفي بتاريخ 6 شتنبر 2000، خرج منه حزب العدالة والتنمية خاوي الوفاض، ليقرر المجلس الوطني لهذا الأخير، في ختام الاجتماع الذي عقده يومي 30 شتنبر وفاتح أكتوبر من السنة ذاتها بعد عدة أسابيع من ذلك التعديل، سحب الدعم من حكومة اليوسفي وإعلان خروجه من الأغلبية على برنامج حكومة يعتبر أن لا يد له فيه. وقد جاءت هذه الخطوة الجديدة بعد أن ظل حزب عبد الكريم الخطيب يتخذ موقف المساندة النقدية تجاه أول حكومة تناوب يترأسها اشتراكي. وإن القضايا الخلافية بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحكومة عبد الرحمان اليوسفي كان لها الأثر السلبي على صيغة الدعم المقدم للحكومة، وخاصة الخلافات حول قضية الخطة وحول مشروع القروض الصغرى. فحزب الخطيب، آنذاك، كان لا يريد أن يعرف الشعب «أنه يؤيد حكومة أخذت اتجاها غير ديني»، لذلك انتقل من صيغة المساندة النقدية إلى المعارضة النصوحة، أي مساندة الحكومة في الأمور التي لا تمس بالتقاليد الإسلامية وتخدم مصالح البلاد ومعارضتها إذا ما خرجت عن ذلك. ومن هنا اضطر حزب العدالة والتنمية في مساندته لحكومة اليوسفي إلى إعادة النظر في عدد من الأشياء؛ فقد احتفظ الحزب بحقه في معارضة الحكومة حول عدة قضايا يعتقد أنها تمس بهويته الدينية. بعد تعيينه وزيرا أول، كان عبد الرحمان اليوسفي قد استقبل قادة الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (العدالة والتنمية لاحقا) من أجل استكشاف إمكانية مشاركتهم في تدبير الشأن العام عبر منحهم حقيبة وزارية واحدة، إلا أن الخلافات بين مكونات هذا الحزب أجهضت الفكرة، ذلك أن مقترح اليوسفي كشف عن وجود تيارات: تيار الرميد والخطيب الذي يرفض مقترح اليوسفي، وتيار بنكيران وباها ويتيم والعثماني الذي أبدى استعداده لمشاركة الإسلاميين في حكومة التناوب. ومن البديهي أن مقترح اليوسفي أدخل حزب العدالة والتنمية وضعية الأزمة التي أدت إلى ظهور ثلاثة توجهات: توجه يساند فكرة مشاركة الحكومة، وتوجه يرفض أي حديث عن ذلك، وتوجه ثالث اختار المنزلة بين المنزلتين واقترح صيغة المساندة النقدية، لاسيما أن رفض المشاركة لم يحظ بالإجماع. غير أن حزب العدالة والتنمية، الذي ظهر بعد مؤتمر بوزنيقة سنة 1998، سرعان ما بدأ يعمل على تسويق موقف ملتبس لا يضع حدودا بين الدور السياسي والهوية الإيديولوجية. وفي الخطاب الذي ألقاه الدكتور عبد الكريم الخطيب بتاريخ فاتح أكتوبر 2000 أمام أعضاء المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أوضح بما لا يدع مجالا للشك أنه يعتبر حزبه حزبا إسلاميا، وأن القرآن يشير بكل وضوح إلى أن هناك أمة اليمين وأمة اليسار. بعد ذلك، جرت الكثير من المياه تحت جسر حزب العدالة والتنمية، حتى كادت أن تعصف به بعد هجمات 2003، وحتى وإن حصل الحزب في انتخابات 2002 على مقاعد أكثر في البرلمان إلا أن ذلك جعله يكتفي بدور المعارضة بعدما حاول إقامة تحالفات مع حزبي الاستقلال والحركة الشعبية من أجل عزل الاتحاد الاشتراكي، إلا أن محاولاته فشلت لاعتبارات مرتبطة بحسابات سياسية، وسعيه لإعادة توازن مستدام وعملي بين المطالب البراغماتية المنادية بالمشاركة وبين تلك التي تبديها المرجعية الإسلامية. لذلك يحاول تبني مواقف معتدلة حول مواقف اجتماعية وسياسية متعددة، وفي الوقت نفسه حريصة على عدم استعداء شرائح كبيرة تميل إليه بسبب مرجعيته الدينية. ولا شك في أن تحقيق التوازن بين البراغماتية والالتزام الإيديولوجي يبقى التحدي الذي يحاول الأمين العام الحالي للحزب عبد الإله بنكيران أن يختبر مزاياه لكي يضع الحزب على سكة تدبير الشأن العام بدون صيغ ملتبسة.