شكل ملف "التعاقد" جدلا بالنسبة للمهتمين بالشأن التعليمي في وطننا العزيز ، بين من يراه فرصة في التخفيف من أرقام "البطالة" الحاملة للشهادة، وبين من من رآه فرصة مواتية" للتحرش" بوظيفة طال إنتظارها، ومنهم من رآه إجهازا على أحد أركان المنظومة التعليمية وهي العنصر البشري. ومساهمة منا في هذا النقاش الذي فُتِح بابه و لا نعتقد أنه سيغلق قريبا، لما يكتنف في طياته من عناصر الغموض، وما يحمله من ترقب للمستقبل، حاولنا المساهمة بهذا المقال رغبة منا تسليط الضوء على عملية الإستهداف التي تطال المدرسة العمومية وعناصرها البشرية. فبعد دعوة المجلس الوطني للتنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، كافة الأساتذة “المتعاقدين” إلى مقاطعة توقيع ملحقات عقود الإذعان التي تسعى أكاديميات التعليم إلى تجديدها. معتبرا في بلاغ له أن إصدار بعض الأكاديميات الجهوية لمذكرات لتجديد العقدة لأفواج سنة 2018 و2017 و2016، يدخل في إطار سعيها الدائم إلى شرعنة التعاقد ولضرب مشروعية مطلبهم المتمثل في الإدماج وإسقاط مرسوم التعاقد واصفا إياه ب”المشؤوم”. قد يسجل لتنسيقية الاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد جرأتها في مطالبتها بحقوقها ورفضها للمخططات الرامية إلى تقزيم صورة الأستاذ ، غير أن نضال التنسيقية لا يجوز أن يكتسي طابع الفئوية الذي يعزلها ويجعلها فريسة سهلة للحكومة ، فالواجب على زملاء “المتعاقدين” التضامن معهم ودعمهم دعما حقيقيا من أجل القضاء على كابوس التعاقد. والملاحظ دائما أنه كلما إنفردت الوزارة بقرار من قراراتها إلا وقابلته النقابات العاجزة والعجوزة والمتدخلون في العملية التربوية بنوع من البرودة في التعاطي مع الأمر في المقابل ينتظرون مبادرة فئوية متضررة للخروج للشارع لإسماع صوتها فيتسارعون في محاولة الركوب عليها والمتاجرة بأزماتها والسؤال هنا أين كان هؤلاء عندما كان مشروع الأزمة فكرة ؟ إنه لمن العيب والعار إستحمار المغاربة عن طريق إيهامهم بأن هناك رغبة أكيدة في إخراج التعليم من غرفة الإنعاش التي خلد فيها ، والتمادي في ترديد الكلام المعسول والشعارات الكاذبة عن الإصلاح، مما يندرج في إطار العمل البئيس، التي تستدعي محاكمة الذين اخطأوا في حق أبناء الشعب، وحولوهم على مر السنين إلى مجرد فئران تجارب. وأن السكوت عنها يعد وصمة عار في جبين هذا الوطن، ما لم يتم الشروع الفعلي في تجاوز الإختلالات القائمة، بدل الإمعان في إستنزاف ملايير الدراهم من المال العام والإكتفاء بعمليات الترقيع والبريكولاج، التي زادت المنظومة التعليمية قبحا وتشوها، وأساءت إلى سمعة المغرب من خلال إحتلاله مراتب متدنية عالميا في مؤشرات التنمية. فمنذ الإستقلال والتعليم يعيش في دوامة من التخبط والإرتجال والعشوائية، حيث تواصل مسلسل البرامج والمخططات الفاشلة، الذي لا تكاد حلقاته الرديئة تنتهي حتى تبدأ أخرى أكثر رداءة، دون أن تستطيع كل الوصفات “السحرية” المحلية والمستوردة، النهوض بهذا القطاع الإستراتيجي الهام الذي يعتبر رافعة أساسية للتنمية، بدءا بمناظرة المعمورة سنة 1964 وما تلاها من محاولات الإصلاح وإصلاح الإصلاح: الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المخطط الاستعجالي والرؤية الاستراتيجية 2015/2030. فلا الإحتجاجات الشعبية ولا الخطب الملكية ولا تقارير المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية التي رسمت صورة قاتمة عن تعليمنا، إستطاعت تحريك الضمائر لإعادة قطار التعليم إلى سكته الصحيحة، في ظل تفشي الفساد ووجود مناهضة خفية لإقامة تعليم ديمقراطي نزيه، أمام غياب الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. ما قيمة كل عمل إذا أسس على منظومة تربوية تطل على حافة الإفلاس والخراب؟ ما دام قطب الرحى في هذه المنظومة مهدور الكرامة، محروما من أبسط الحقوق وهو حق التقدير الإجتماعي.هل يدري القائمون والساهرون على تدبير التعليم ماذا يعني أن يصبح رأس رجل التعليم تحت حذاء رجال التدخل السريع؟ أما عن أصل المشكل والغابة المتخفية خلف الشجرة، فهو ما أصبح يشاهد من إستهداف للشغيلة التعليمية خاصة، في حقوقها المادية التي لا يمكن أن تعتبر بأي حال من الأحوال تعويضا عن المهمة الجسيمة التي يؤديها هؤلاء في مدارسهم والمؤسسات التي يشتغلون فيها على إمتداد خريطة الوطن، خاصة في القرى النائية والمداشر البعيدة. فثمة إتجاه إلى ضرب الإستقرار المادي والترقي المهني لعموم نساء ورجال التعليم، ولا أدل على ذلك من القيود التي يجدها الأساتذة في ولوج الجامعات لإتمام دراستهم. أضف الى ذلك المشاكل التي تتخبط فيها شريحة واسعة من الأطر التربوية والمتمثلة في التهميش والإقصاء الذي يعانون منه في ظل التعاقد، الذي حرمهم مجموعة من الحقوق ومن بينها رفض منحهم قروضا سواء صغرى أو كبرى بدعوة عدم إستقرارهم المهني، فضلا على الصعوبات التي يواجهها المتعاقدون فيما يخص حصولهم عل تأشيرة الدول الأجنبية، هذا بالإضافة إلى النظرة الناقصة على مستوى الحياة العامة التي يواجهونها حاليا في ظل التعاقد، وعدم معاملتهم على قدم المساواة مع نظرائهم من الأساتذة المرسمين.. وأخيرا يمكن القول أنه لا إصلاح للتعليم بدون إستقرار مهني وأمن وظيفي للأطر التربوية.