يحملون في قلوبهم ترانيم العشق لهذه المدينة بصوت يكاد يجعل الحنين الى الماضي موسيقى حزينة، يتنفسون هواءها العبق بنهم وشبقية التواق الى نسيم الحرية. محمد ومصطفى وعبد الله ثلاثة رجال هدهم السير في عمر الحياة فارتكنوا الى انفسهم مثل محاربين شجعان تركوا وحدهم يقاومون بصدور عارية ، عدوا شرسا انها الحياة. عند كل فجر يتسللون من بيوتهم مثل خيوط الشمس الذهبية تنسدل وراء الغمام الكثيف، ينزلون الى الشاطئ في جنح الظلام والضباب الذي يغلف الكون بردائه الشفاف ينسحب من سطح الماء مثل ستارة المسرح ليعلن قدوم يوم جديد يربط فيه الثلاثة اخصرتهم بحبال يشدون بها الوثاق الى اعمدة خشبية بقيعان حديدية كالمدراة تجرف ما دفن في قاع البحر من طحالب وصدفيات،يدرعون بها المسافات الطوال ذهابا وايابا وقد غطى الماء اجسامهم الى صدورهم، لا يرى منهم الا رؤوسهم مثل الدلافين.هؤلاء الرجال الثلاثة خلف كل ابواب نوافذهم قصة ،قصة تحكي تعاسة اناس وجدوا انفسهم وفي غفلة منهم قد رحل عنهم الاولاد ، وانفض الاهل والخلان من حولهم ،لم يرغبوا وهم اهل النخوة والشهامة ان يمدوا ايديهم الى غيرهم او ان يستجدوا مسؤولا على بابه كما يفعل اليوم الكثير ممن علت وجوههم صفرة النفاق والشقاق. انها الحاجة الى المال التي تدفع بني آدم ولو في اعتى عمره الى تقليب الماء او التراب لعله يفلح بنفحة من الغبار او قدح من الماء المالح.