حذر باحثان مغربيان من دخول الرباطوباريس في أزمة دبلوماسية، بسبب استدعاء القضاء الفرنسي 4 صحفيين ورئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، للتحقيق معهم، يوم 8 أكتوبر المقبل، في قضية "سب وقذف" بحق ضابط مغربي سابق. الباحثان، قالا إن البلدين في غنى عن وقوع "أزمة" دبلوماسية بينهما، بالنظر إلى حجم التحديات المشتركة، وطبيعة العلاقة القوية التي تجمعهما. واستدعت وزارة العدل المغربية، في 3 شتنبر الجاري، قاضي الاتصال الفرنسي المقيم في الرباط؛ احتجاجا على استدعاء القضاء الفرنسي الصحفيين المغاربة الأربعة "بشكل مباشر" في القضية نفسها. ويتولى قاضي الاتصال الفرنسي مهمة تحسين معالجة ملفات التعاون الجنائي أو المدني بين فرنسا والمغرب. وأعادت هذه الواقعة إلى الأذهان أزمة دبلوماسية بين البلدين، عام 2014، إثر محاولة الشرطة الفرنسية، في فبراير من ذلك العام، استدعاء عبد اللطيف الحموشي، المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني (المخابرات المغربية الداخلية)، خلال زيارته لباريس. وشهد ذلك العام مجموعة خلافات بين الرباطوباريس، وصلت إلى استدعاء السفير الفرنسي بالمغرب أكثر من مرة، وتعليق وزارة العدل المغربية جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين. فيما تعرض وزير الخارجية المغربي آنذاك، صلاح الدين مزوار، لتفتيش دقيق من جانب الأمن الفرنسي بمطار باريس، في مارس2014. الاستدعاءات الخمسة الاستدعاء الأخير للصحفيين الأربعة ولرئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، جاء استنادا إلى شكوى تقدم بها، العام الماضي، مصطفى أديب، وهو ضابط مغربي سابق مقيم في فرنسا. واستندت الشكوى إلى مقالات نُشرت في الصحافة المغربية، عام 2014، تنتقد سلوكيات قام بها أديب في أحد المستشفيات الفرنسية، ضد الجنرال المغربي (الراحل)، عبد العزيز بناني. ووفق تقارير إعلامية مغربية، نشر الصحفيون الأربعة معلومات عن اقتحام أديب للمستشفى؛ حيث كان يعالج الجنرال بناني في حالة صحية حرجة. إذ إدعى الضابط، الذي فر لاحقا إلى فرنسا، حسب كتابات الصحفيين، أنه زائر، وحمل وردا متعفنا، وانهال على بناني بالسب أمام حراس المستشفى. وقال مسؤول في مجلس النواب، إن المالكي "استُدعي بصفته مدير نشر سابق لصحيفة ليبيراسيون". سيادة الدولة حذر خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة وجدة المغربية من "أزمة دبلوماسية بين البلدين في حالة تطور هذا الملف". الشيات تابع، أن "الاستدعاء المباشر لمغاربة من طرف القضاء الفرنسي يخالف مقتضيات اتفاق التعاون القضائي بين البلدين". وينص الاتفاق بين الرباطوباريس على أن يتم الاستدعاء عن طريق السلك الدبلوماسي عبر وزارة العدل. وانتقد استدعاء رئيس مجلس النواب باعتباره "ضمن المسؤولين الكبار" (ثالث شخصية في هرم الدولة). واعتبر أن "الحكمة والدبلوماسية تقتضيان التعامل من خلال الجانب السياسي؛ فمثل هذه الأمور تمس سيادة الدولة". وتابع أن "الرباطوباريس لا يمكنهما التضحية بعلاقتهما القوية، خصوصا في ظل التقلبات الدولية والمتغيرات على الساحة الدولية". علاقة قوية بينما رأى محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة عبد المالك السعدي بمدينة تطوان، أن "الاستدعاء حُمَّل أكثر مما يحتمل". وأضاف بوخبزة، "لا يمكن مقارنة هذا الاستدعاء بما حدث خلال 2014، من خلال استدعاء مسؤول مغربي كبير للقضاء الفرنسي عبر السفارة المغربية في باريس". وتابع: "هناك قراءة للحدث من خلال جانبين؛ الأول أن الحادث مجرد خطأ وقع فيه القضاء الفرنسي، ويمكن إصلاحه". والجانب الثاني، وفق بوخبزة، هو أن "قاضي التحقيق الفرنسي فعََل (متعمدا) أمر متابعة مغاربة عبر توجيه استدعاءات مباشرة لهم، وهو أمر قد يحدث إشكال يمكن أن يصل إلى حدوث مشاكل دبلوماسية". واعتبر أن المعطيات المتوفرة تفيد بأن "الحادث بمثابة خطأ؛ حيث تم توجيه الاستدعاء مباشرة إلى مواطنين مغاربة، وبالأحرى كان يجب المرور عبر المسطرة القانونية، حيث يتم إرسال الشكاية عبر وزارة العدل المغربية". واتهم بوخبزة بعض الجهات (لم يسميها) ب"محاولة التأثير على العلاقة القوية بين البلدين". ولفت إلى أن فرنسا أكبر المدافعين عن قضية الصحراء في الأممالمتحدة، في حين يعتبر المغرب حليفا استراتيجيا لفرنسا في ملفات عديدة. وبحسب تقارير إعلامية مغربية وفرنسية، أقرت وزارة العدل الفرنسية بوجود خلل وعدم احترام لاتفاقية التعاون القضائي بين البلدين في قضية استدعاء الصحفيين الأربعة ورئيس مجلس النواب. حرية الرأي نقابة الصحفيين المغاربة أعلنت من جانبها رفضها "القاطع" استدعاء القضاء الفرنسي الصحفيين المغاربة الأربعة، للتحقيق معهم على خلفية نشرهم أخبارا في صحف مغربية، معتبرة أن في ذلك "تجاوز غير مقبول". وأضافت، في بيان مؤخرا، أن النقابة "وإن كانت تعتبر أنه من حق أي شخص اللجوء إلى القضاء إذا اعتبر أنه متضرر مما نشرته الصحافة، فإنها تعترض بشكل قاطع على المسطرة (الإجراءات) التي سلكتها العدالة الفرنسية التي سمحت لنفسها بأن توجه استدعاء مباشرا لصحفيين مغاربة نشروا مقالاتهم بجرائد مغربية". وحذرت النقابة من أن ما أقدمت عليه العدالة الفرنسية "يفتح الأبواب مشرعة أمام كل أشكال التجاوزات التي يمكن أن تسلط على حرية الصحافة والنشر". ووجه القضاء الفرنسي الاستدعاء إلى كل من: مدير نشر صحيفة "شالانج. ما"، عادل لحلو كمال، الصحفي جمال براوي، مدير الصحيفة الإلكترونية "كويد. ما"، نعيم كمال، والصحفية نرجس الرغاي. وقال الصحفيان كمال والرغاي، في بيان: "نعبر عن عميق استغرابنا لرؤية قضاء غير قضاء بلدنا يرغب في محاكمتنا على إثر دعوى غير قائمة على أي أساس". وأضاف الصحفيان المغربيان أن "الاستدعاء من طرف قاضية التحقيق في محكمة الاستئناف بباريس يثير مسألة سيادة دولة".