خلق استدعاء القضاء الفرنسي لرئيس مجلس النواب الحبيب المالكي لحضور جلسة في 8 أكتوبر أمام محكمة في باريس، أزمة جديدة في العلاقات المغربية الفرنسية شبيهة بتلك التي وقعت سنة 2015، عندما قامت الشرطة الفرنسية بتبليغ استدعاء للسفارة المغربية في باريس تخص شكاية ضد مسؤول أمني كبير هو عبداللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني المتزامن مع وجوده في فرنسا. وأمام هذه الأزمة التي طالت لأشهر تقرر تعزيز الاتفاقية القضائية بين المغرب وفرنسا بمقتضيات جديدة تنص على أن الشكايات التي يتوصل بها القضاء الفرنسي من مواطن مغربي ضد مواطن مغربي آخر حول أحداث وقعت في المغرب، تُحال على السلطات القضائية المغربية. لكن يبدو أنه وقع “إخلال” بتطبيق هذه الاتفاقية، ما جعل ذلك يؤدي إلى أزمة جديدة. وزير العدل، محمد أوجار، استدعى قاضي الاتصال الفرنسي في الرباط، ودعاه إلى احترام المساطر التي تنص عليها الاتفاقية، فيما وقعت اتصالات مكثفة لتطويق الأزمة. الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، والذي يعد الشخصية الثالثة في هرم السلطة، توصل باستدعاء لحضور جلسة في محكمة في باريس في 8 أكتوبر المقبل، إثر شكاية وضعها ضده الضابط المثير للجدل مصطفى أديب، المقيم في فرنسا، يتهمه فيها بالقذف، بصفته مدير نشر يومية “ليبيراسيون”. هذه اليومية نشرت في موقعها الإلكتروني في يونيو 2014، مقالا للصحافية نرجس الرغاي، يهاجم سلوك الضابط أديب الذي حاول اقتحام غرفة في مستشفى في باريس كان يرقد فيه الجنرال الراحل عبدالعزيز بناني، لكنه لم يتمكن من ذلك، فنشر مقطع فيديو هاجم فيه الجنرال وقال إنه كان ينوي أن يسلمه باقة ورد ذابلة. أديب لجأ إلى فرنسا منذ سنوات بعدما غادر الجيش إثر قضائه عقوبة سجنية بسبب ضجة أثارها باتهامه لقيادات في الجيش بالفساد، ومنذ مغادرته المغرب تحول إلى معارض وأثار ضجة كبيرة عندما توجه سنة 2014 لغرفة الجنرال بناني. استدعاء الحبيب المالكي، يطرح إشكاليات عدة، حسب المحامي عبدالكبير طبيح، الذي كلفه رئيس مجلس النواب بمتابعة هذا الملف. أولاها، أن هذا الاستدعاء “يعد مخالفة للقانون الفرنسي وللاتفاقية التي أبرمها المغرب مع فرنسا سنة 2015″، ثم إن المغرب دولة ذات سيادة، له قضاؤه الذي يفتخر به، مثل ما أن لفرنسا قضاؤها الذي تفتخر به”. وذكر المحامي أنه بعد أزمة استدعاء مسؤول أمني كبير بحجم الحموشي سنة 2015، “تنبه الحكماء في فرنسا، ووقع تغيير في اتفاقية التعاون القضائي بين البلدين”، ونظرا إلى أهميتها فقد وقعها كل من وزيرة العدل الفرنسية آنذاك كريستيان توبيرا، ورئيس الوزراء ورئيس الدولة فرانسوا فراسوا هولند”. ونص الفصل 23″ مكرر” من الاتفاقية على أن أي شخص مغربي يشتكي في فرنسا من فعل جرمي وقع في بلده الأصلي ضد مواطن بلده، فإن القضاء الفرنسي يحيل الشكاية إلى النيابة العامة في المغرب. وفعلا، تم تطبيق هذه الاتفاقية بعد أزمة استدعاء الحموشي، حيث “بعث القضاء الفرنسي شكاية للنيابة العامة التي حققت فيها بشكل مدقق ومهني بما أقنع السلطات القضائية الفرنسية”. أصل المشكلة يكمن في كون القضاء الفرنسي تبنى “الاختصاص العالمي”، مثل دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا وألمانيا، وهذا “خلق مشكلات مع دول عدة “، حسب طبيح. مثلا في فرنسا وضعت شكاية ضد رئيس أمريكي سابق فأثيرت ضجة فتم توقيف المتابعة. الشكاية التي وضعها أديب شملت عددا من الصحافيين منهم نعيم كمال، ونرجس الرغاي، وتحركت المسطرة منذ 2016، لكن لم تخرج إلى العلن إلا مؤخرا. في حالة نعيم والرغاي، فقد تم استدعاؤهما من طرف الشرطة الفرنسية قبل أن يتدخل وزير العدل وتقع إنابة قضائية. كما حققت الشرطة القضائية المغربية مع الصحافيين، لكن في حالة المالكي لم يقع ذلك، وتم استدعاء الجميع لجلسة 8 أكتوبر. المحامي طبيح يعتبر أن هذا الإجراء يمس السيادة القضائية في المغرب، و”على فرنسا أن تفهم أن المغرب دولة مستقلة عرفت تطورا دستوريا، ويجب التوقف عن التعامل معه كمستعمَرة”. من جهة أخرى، هناك إشكالية تاريخ تولي المالكي إدارة جريدة ليبراسيون، الذي تحمل مسؤوليتها في يناير 2015، في حين أن المقال المعني بالمتابعة نُشر قبل ذلك في يونيو 2014 ،. لذلك يستغرب طبيح كيف يتابع عن فترة لم يكن فيها مسؤولا عن الجريدة، متسائلا: “كيف يسقط القضاء الفرنسي في هذا الخطأ المهني؟”، هذا فضلا عن كون المالكي هو رئيس لمجلس النواب، ويعد الشخصية الثالثة في الدولة. وفيما سلطت هذه القضية إشكالية تولي شخصية عمومية كبيرة لمسؤولية إدارة نشر وسيلة إعلامية، فإن هذه القضية لازالت تتفاعل، خاصة بعد استدعاء وزير العدل محمد أوجار لقاضي الاتصال الفرنسي بالسفارة الفرنسية بالرباط.