، عَلَمٌ يلتحف به ليس من العدل أن نسعد بتساقط الثلج، و ليس من العدل أن نشتكي قساوة البرد. أصبحت أكره جملة "السم دالبرد"، لأنني على إثرها أتخيل من يفترش الأرض و يلتحف السماء أو يمضي الليل كله و هو يتسكع بين الأزقة و الشوارع كي يطبق المثل القديم "اللي بغا السخانة يخرجا من جنابو". أصبحت أكره تقدم التكنولوجيا التي تنقل لنا باستمرار معاناة البؤساء و المقهورين. وددت أحيانا لو كنا في العصور السابقة "لا عين شافت و لا قلب وجاع". قهر ذاك الذي يمزق قلوبنا كلما شاهدنا صورة بريء متصارع مع ظلم الزمان و قهره الذي حرمه حتى من دفئ "بطانية". و قهر أكثر حينما ترى من يتصارع على المناصب الوزارية متجاهلا من يتصارع مع البرد. محاولات متكررة من شباب مباركين كل أسبوع، يتفقدون مأوى كل مشرد ليدفئوه ب"طاسة من الحريرة" الساخنة، أو ليوزعوا عليه بعض ما يجود به الأسخياء من الملابس و الأفرشة، و مع ذلك يعانون الخصاص لكثرة البؤساء و قلة المساعدات. و هي الآن دعوة لكل من لم يعلم بالأمر بعد كي يؤازرهم في هذا العمل الإنساني النبيل و لو بمرافقتهم للتصدق على هؤلاء بابتسامة أمرنا بها ديننا الحنيف. كما أطلقوا حملة "زيرو تشرد" لأجل القضاء على هاته الظهيرة الأليمة وذلك بالدعوة الجادة لإنشاء أماكن مخصصة لإيواء هاته الفئة بدل الإفراط في تمويل المهرجانات و التمويلات السخية لبعض الجمعيات العقيمة... لأننا بحق سئمنا من مشاهد مزرية تؤرق مضاجعنا كلما التحفنا بأغطيتنا ليلا. أصبح مشهد كل المشردين أمام أعيننا و يلاحقنا كلما وردت عبارة"البرد أو القصيصي أو السمقلي"، لأن أبناء في وطننا يلتحفون كل ما يجدون ليلا كي يستعينو به من قساوة الطقس الذي اشتد وزره في هذه الأيام. تلاميذ يشعروننا بالبرد القارس و هم متوجهون لمدارسهم بأحذية مطاطية ممزقة تبرز نصف أصابع أرجلهم، و احمرار في وجناتهم يشق جلودهم الفتية التي لا تعرف معنى المراهم أو " الكريمات"، أناس وسط علب كرتونية و ملتحفون الأكياس البلاستيكية يدخرون بها حرارة أجسامهم داخلها، و مشاهد لا تعد و لا تحصى لمن يعاني من هذا البؤس، حتى الالتحاف بعلم هذا الوطن بات حلا مناسب لهذه المعضلة و كأن من يستعمله يكتب بتعابيره المؤلمة" هذا كل ما تبقى لي منك ياوطني...