يقال عن "الإنسان الطيب" إن قلبه أبيض صاف كالحليب،الحليب لونه أبيض،والأبيض رمز الصفاء والنقاء،رمز الإيمان والتقوى ونظافة اليد.لكن في ثقافتنا الشمالية "الأبيض"..أيضاً..رمز الحزن والجنائز كما هو رمز الفرح ورمز التعبد والتقرب إلى الله.وفي المستشفيات يسود البياض غطاءً للأسرَّة وطلاءً للجدران ومآزرَ للأطباء والطبيبات والممرضين،يسود الأبيض في المشافي رمزاً للنظافة،نظافة المكان ونظافة القلوب والجيوب أيضاً.لكن المظاهر قد تخدع،خاصة في هذا البلد السعيد،حيث استعاروا "الأبيض" من مستشفيات العالم المتحضر ولم يستعيروا رمزيته،وأصبح "أبيضاً" يخفي تحت مظهره الخادع "سواداً " حالكاً وظلاماً دامساً سكن الكثيرين ممن يتحملون المسؤولية في هذه المرافق الصحية الحيوية.هنا في مستشفياتنا يتم سلخ "المواطن" المريض المحتاج للعلاج،رغم أن هذا المواطن يؤدي ضرائبه من عرق جبينه ويقتطعه من رغيف أولاده. ممرضون لا هم لهم سوى تجفيف "منابع" جيوب المرضى وأهاليهم،أطباء يريدون فحص "محفظة نقود" مرضاهم قبل فحص أجسادهم المهدودة بفعل المرض.لا شفقة لا رحمة لا إنسانية،المال ثم المال هو السيد والعنصر الحاسم في العلاقة بين الطبيب والمريض سلباً أو إيجاباً.لا يمكن،طبعاً، التعميم والحكم على الجميع بالقسوة والجشع،لكن هناك أطباء يتصرفون مع المرضى بما لا يمكن وصفه،وأمام غياب "ثقافة" رفع الشكاوى والاحتجاج،تبقى أغلب الحالات طي الكتمان وتغيب في غياهب النسيان.لا علاقة للأبيض، في الغالب الأعم،داخل المستشفيات بالحليب والصفاء والتقوى ونظافة اليد،بل له علاقة بصلاة الجنازة على "الخدمات الصحية" في هذا البلد غير السعيد،والطامة الكبرى ثاوية في "خدمة" منح الشواهد الطبية،وفي هذا المجال حدث ولا حرج،شواهد طبية لمدد طويلة تمنح لمن يدفع أكثر ليزج بسببها أناس أبرياء في غياهب السجون،وشواهد طبية قصيرة المدد يعفى جراءها مجرمين لا يتورعون عن استخدام سكاكينهم في قطع رقاب الناس وشرايين أجسادهم. قلنا إن الحليب رمز البياض والصفاء،لكنه يفسد ويتعفن،ورغم ذلك تتم معالجته، عندما ترجه اليد الخيرة وتمخضه ليصبح زبدة ولبناً.وكثيرون منا يحبون اللبن،لكن اللبن حين يحمض وتنتشر رائحة حموضته وتملأ الأرجاء،وتزكم الأنوف، فلا علاج له،حتى عندما يحاول البعض إخفاء تلك الرائحة الحامضة ببيانات تحاول أن تقنع الناس ومن يهمه الأمر،أيضاً، أن اللبن لا يزال طرياً، أو حتى عندما تبالغ وتحاول التأكيد على أنه لا يزال "حليباً صافياً نقياً".لقد قلنا مراراً إن الفساد لا يتجبر ويطغى إلا إذا كانت هناك بيئة راعية تحضنه وترعاه،غير أن الطامة الكبرى هي أن يظهر بيننا من يحاول يغطي الفساد برداء "النضال" ويتم وصف "الفاسد" بالمناضل السياسي والمدني والحقوقي !! ..لماذا ؟؟ لأجل أي منفعة ؟؟..لن نتحدث..هنا..عن هذه المنفعة،لأنها تافهة وحقيرة ولا تستحق حتى الالتفات إليها. لكن على الذين يدَّعون النضال والعمل في المجال الإعلامي أن يعرفوا أن دفاعهم عن "الفساد" و"الفاسدين" لا يلحق الأذى الشديد بالمواطنين فحسب،وإنما يعيقون عجلة التغيير عن الدوران،حين يلوثون ويميعون "ساحة" النضال ويفقدون الناس الثقة فيها.إن الذي يبتز "المواطنين" في المستشفى مستغلاً سلطته ويحتقرهم ويمتنع أحياناً عن فحصهم وينهب جيوبهم،ويحرر الشواهد الطبية لمن يدفع أكثر،ويتحرش بالنساء أثناء الفحص الطبي،لا يستحق أن ينتمي إلى "دائرة" المواطنة،أحرى أن ينتمي إلى ساحة النضال التي هي ساحة الشرف ونظافة اليد.وليعلم كل الأقزام أن "النضال" أكبر من قامتهم القصيرة جداً،والزمن كفيل بالكشف عن ألاعيبهم الصغيرة..