جسوس (خيسوس)، مولينا، كديرة، طوريس، بركاش ( باركاس)، مورينو، المالقي ( نسبة الى مالقة) والغرناطي ( نسبة الى غرناطة) وغيرها... هي أسماء عائلية لأسر مغربية تحمل حتى اليوم سر قصة تاريخية تزيد عن خمسة قرون، عنوانها مأساة لم يطوها النسيان للموريسكي المسلم الذي طرد من بلاد لم يعرف غيرها، على يد المؤسسة الملكية والكنسية في إسبانيا بعد إنهاء الوجود الاسلامي. يثير الموقف الانتقائي الذي صدر عن الدولة الاسبانية في تدبير الماضي الأليم للموريسكيين الذين طردوا بعد سقوط مملكة غرناطة المسلمة عام 1492، عبر موجات متوالية، استياء وخيبة أمل لدى بعض أحفاد المسلمين الأندلسيين والهيئات الجمعوية التي تحمل جرح هذه الذاكرة المفتوحة. وكان البرلمان الإسباني قد صادق مؤخرا على تعديل للقانون المدني الإسباني، يمكّن أحفاد ضحايا التهجير القسري من اليهود السفارديم من الحصول على الجنسية الإسبانية، دون أن يشمل بهذا الاجراء ملايين الموريسكيين الحاملين لمأساة الأسلاف. في المغرب، أحد البلدان التي استقبلت أكبر موجات الأندلسيين المهجرين بقرار الملكين فيرديناند وايزابيلا، شنّت مؤسسة ذاكرة الأندلسيين التي تهتم بحفظ تراث المغاربة المنحدرين من سلالات الموريسكيين، هجوما لاذعا على قرار البرلمان الاسباني الذي اعتبرت أنه "تصرف عنصري ينم عن فكر تمييزي مخالف للشرائع الدولية المانعة لكل أشكال التمييز، حتى تلك المبنية على اعتبارات دينية". وفي بلاغ توصل به المغرب 24، رحبت المؤسسة بخطوة البرلمان الاسباني ذات التوجه التصحيحي من أجل "التكفير عن الجرم التاريخي الذي ارتكبته السلطات الاسبانية في حق اليهود السفارديم" لكنها انتقدت تجاهل الإجراء التشريعي الإسباني "لما ارتكبته السلطات الإسبانية نفسها في حق مواطنيها الموريسكيين، والذين طردوا ظلما بشكل جماعي أيضا، بفعل مراسيم ملكية إسبانية مماثلة لتلك التي حكمت على اليهود السفارديم بالطرد". بل دفعت المؤسسة الجمعوية المغربية بعدم دستورية التعديل القانوني الذي يفتح أمام اليهود السفارديم إمكانية الحصول على الجنسية الإسبانية بمجرد توثيق انحداره من يهود الأندلس المطرودين منذ 1492، بغض النظر عن إقامته لمدة معينة على التراب الاسباني. وأوضحت أن هذا التوجه " مخالف للدستور الإسباني الذي ينص على أن إسبانيا دولة لا دينية، أي أن الدين لا يعتمد في تقييم المواطنة" مطالبة بتصحيح الآثار التمييزية للتعديل القانوني الجديد. وكان رئيس مؤسسة ذاكرة الأندلسيين بالمغرب، محمد نجيب لباريس، قد أشار في ندوة بالرباط حول "التأصيل القانوني لقضية الموريسكيين" إلى أنه من الإيجابي أن تقوم إسبانيا بعملية تصحيحية لجرم اقترفته في حق شريحة من مواطنيها لكنها لا يمكن أن تتوقف عند اليهود حصرا، وإلا كانت في وضع مناف للشرائع الدولية. وبينما تم تبرير استفادة اليهود السفارديم من التعديل التشريعي بحفاظهم على الرابط اللغوي مع الأندلس من خلال لهجة اللادينو، لفت نجيب لباريس الى قوة الروابط الثقافية التي حافظ عليها الموريسكيون المسلمون على مدى قرون بدءا بأسمائهم العائلية التي تحيل إلى أماكن وأسر مازالت شواهدها قائمة حتى اليوم، فضلا عن التراث الموسيقي الأندلسي والنمط المعماري وغيرها. ووصف هذا الناشط المدني والباحث في الذاكرة الأندلسية اعتماد هذا المقوم اللغوي في تبرير حصر الجنسية الإسبانية على اليهود بأنه مجرد تحايل لتغطية التمييز بين فئتين تقاسما معاناة الاضطهاد والتشريد. وشدد على ضرورة احترام مقتضات الدستور الإسباني لسنة 1978 الذي ينص على ان إسبانيا دولة لا دينية. بمعنى أنه لا يمكن اعتبار الانتماء الديني قاعدة محددة للانتماء الى الوطن الإسباني، وهو ما يلزم المشرعين الإسبان بإعادة النظر في صياغة القانون، مؤكدًا أن على إسبانيا أن تضطلع بواجب الذاكرة تجاه الموريسكيين كما قامت به تجاه ضحايا الحرب الأهلية وسن قانون يتعلق بذاكرة الأندلسيين ومنع الاحتفاليات الرسمية التي تمجد عمليات القمع والطرد التي ذهبت باكثر من 600 ألف موريسكي وتجريم الكتابات والتصريحات التي تعلل الطرد أو تشيد به أو تشكك في حجمه. وفي تعليق على هذا الجدل الذي أثاره التعديل التشريعي البرلماني، قال الباحث المغربي المختص في الشؤون الإسبانية، نبيل دريوش، إن التمييز يبدو " واضحا في تعامل الدولة الإسبانية مع إرث مرحلة الاستراداد، فرغم أن اليهود السفارديم كانوا أول من لحقته موجة التنكيل والطرد الجماعي عام 1492 على يد الملكة إيزابيل وزوجها فيرديناند و لم يلحق ذلك المسلمين إلا عام 1609 على يد الملك فليبي الثالث حفيد الملكين الكاثوليكيين، إلا أن الإجحاف الذي لحق المسلمين يعدّ أكثر بكثير ممّا لحق اليهود، كما أن أعداد المسلمين كانت أكبر بكثير". وتفسيرًا لهذه الانتقائية، أوضح نبيل دريوش، في تصريحات صحافية، في الرباط، أن إسبانيا "قرّرت التعامل مع اليهود من باب المصلحة لا بواجب تصفية التركة التاريخية لحقبة سوداء، فاليهود اليوم هم أقلية وموزعون على دول مثل أمريكا وإسرائيل وفرنسا وبعضهم يعد لوبيا متحكما في دواليب القرارات الدولية وبعض الشركات العالمية الكبرى، و حملهم للجنسية الإسبانية لن يكون ثقلا على مدريد، عكس الملف الموريسكي، فالموريسكيون يشكلون اليوم أزيد من خمسة ملايين شخص معظمهم موجود في المغرب وبعضهم في الجزائر و تونس، بل حتى أن جزءا منهم بمالي وتركيا، وتصفية هذه التركة يطرح إشكاليات مازالت الدولة الإسبانية غير قادرة على إمتلاك الشجاعة إزاءها". ومضى الباحث والإعلامي المغربي إلى القول إن تعميم التعديل التشريعي على المسلمين سيضرب في الصميم الأسس التي بنيت عليها الدولة/ الأمة بإسبانيا بعد سقوط غرناطة عام 1492 كما ستجعلها أمام كتلة بشرية كبيرة يمكن أن تشكل لوبيا قد يضر بمصالحها اليوم، لذلك لم تقدم حتى على خطوة الإعتذار مثلما فعل الملك المتنحي خوان كارلوس مع اليهود عام 1992 بمناسبة مرور 500 عام على سقوط غرناطة. إنها "قضية تخضع للعبة الحسابات والمصالح أكثر منها لضرورة تصفية إرث تاريخي"، يقول الباحث . يذكر أن عدد أبناء الموريسكيين في المغرب يبلغ حسب بعض التقديرات زهاء 4 ملايين نسمة، يعيش حاليا معظمهم في مدينة طنجة و تطوان و الشاون، بل إن بعضهم ما زال يسكن في قرى بمحاذاة السواحل المطلة على مضيق جبل طارق، حيث يمكن مشاهدة السواحل الإسبانية من الضفة المغربية. ويتوزع الموريسكيون أيضاً على دول الجزائروتونس وبلدان أمريكا اللاتينية. المصدر : المغرب 24