منذ التحاقنا بالجامعة المغربية في تسعينيات القرن الماضي، ونحن نراقب كيف تشتغل منظومة البحث العلمي بالمغرب، إذ يبدو لنا أن البحث العلمي الجاد يقتصر على مجموعة محسوبة على رؤوس الأصابع من أساتذة كبار ذاع صيتهم وطنيا وخارج الوطن، يجتهدون في إطار تخصصاتهم ويقومون بالبحث والنشر والمشاركة في الندوات الوطنية والدولية، وتتردد أسماؤهم في البحوث، والمقالات ، والأطروحات الأكاديمية، لأنهم أسسوا مدارس ووضعوا نظريات، أما الباقي فينقسم إلى ثلاثة أقسام: هناك الأساتذة المهرولون، ولقد أشرنا إليهم في مقال سابق باسم العناكب، يعيشون بذهنية الغنائم، يتهافتون على المناصب والترقيات، فتراهم يهذرمون في المؤتمرات، ويهرعون إلى تدبيج مقالات بسيطة دون براديمات (نماذج نظرية)، أو مقاربات، همهم الوحيد، هو أن تقبل إفرازاتهم في ملف الترقية، وهذا النموذج من الأساتذة أصبح الآن في تزايد مع انتشار حمى الترقي السريع والاستثنائي، فالكثير يهرول ليمر في السريع والاستثنائي، لأن العادي ينحصر على فئة الأساتذة الذين لا يتوفرون على رصيد "علمي" أو إداري، وهكذا تجد في المشهد الأكاديمي باحثا (عن كسرة خبز) ينشر مقالات في مجلة الكلية، أو مجلات أخرى تأخذ صفة المحكمة، ويشغل منصب منسق الشعبة ، ورئيس مختبر ، ورئيس مشروع الدكتوراه، المهم يجب أن يمر في الاستثنائي، حتى ولو تأتى له ذلك على حساب الجودة في البحث، أو إدارة شؤون المؤسسة، ويا ويل من ينسى أن يضع اسمه على لائحة المنظمين لإحدى الأنشطة الثقافية التي تقوم بها شعبته أو مجموعته، فتلك نقط تحسب في الترقية ولهذا يحملك مسؤولية ضياعها. وسط هذا الجو المحموم، تجد صنفا آخر من الأساتذة غير المنخرطين زهدوا في المنافسة لعدة عوامل، إما لأنهم يئسوا من التوقعات والطموحات المتعلقة بالوظيفة، وإما لأنهم امتهنوا حرفة أخرى، و بالتالي أصبح التدريس بالنسبة إليهم هواية يمارسونها أوقات فراغهم ، وإما لأنهم أرهقوا خلال مشوار تحضير دكتوراه الدولة، فاعتبروها، على عكس مجريات الأمور في الواقع الأكاديمي العالمي، الدبلوم الأخير ونهاية البحث . وهناك الصنف الثالث من الأساتذة، أولئك الذين ينهمكون في تحضير الدروس والمحاضرات، ويكتفون باستعمال الزمن السنوي الذي يسند إليهم، إذ يرون انه لا داعي للكتابة والنشر، وهذا جيل الماضي من الأساتذة الذين شهدوا ترقيتهم بالأقدمية وعن طريق النضال النقابي. ويعمل جل هؤلاء الأساتذة على تطوير معارفهم عن طريق القراءة، وعوض كتابة المقالات أو الكتب، يكتفي البعض منهم بمناقشة أفكاره في قاعة الدرس مع طلبته، وهذه الطينة من الأساتذة لا تشكل الأغلبية مع كل الأسف، و نصطلح عليها باسم "الأساتذة المزارعين"، إذ يستثمرون معارفهم في زرع بذور التنوير والمعرفة في طلابهم، ويولون اهتماما كبيرا لتطوير زراعتهم، ويترقبون موسم الحصاد بفارغ الصبر، حيث تلمس فيهم فرحاً طفوليا إذا انتهى الموسم الجامعي بمحاصيل جيدة. مرحلة الخلوة والتيه حتى مطلع هذا القرن، كان الباحث الجامعي، خصوصا في العلوم الإنسانية والاجتماعية، يمضي سنوات في البحث عن الكتب التي تمكنه من الاطلاع على موضوع بحثه وبناء تصميم لمقاربته، ولقد وصف عالم الاجتماع محمد جسوس هذه المرحلة بمرحلة التيه، إذ نظرا لشح المصادر والمراجع، استغرق الباحثون سنوات في التفكير في مواضيعهم، و هناك من استغرق 12 سنة أو أكثر في تحضير أطروحة الدكتوراه. خلال هذه المرحلة، تطبع الباحث المغربي على الفردانية في البحث والاعتماد على الذات، لم تكن هناك خلايا ولا فرق بحث ينضوي تحت ظلها الباحث ويستعين بخبراتها، إذ ظل يتخبط داخل المتاهات الأكاديمية من مؤسسة إلى أخرى، مسافرا حتى المهجر لإحضار الكتب، كما شكل البحث بالنسبة إليه عملا فرديا يمارس خارج أسوار الكلية لغياب بنية تحتية تؤوي الباحثين، فتجمع العديد منهم بأركان بعيدة داخل المقاهي، وفي عزلة عن الساحة الأكاديمية، إذ لا يلتقي الباحثون لمناقشة أطروحاتهم أو مشاريعهم البحثية، ولا علم للأساتذة تماما بما يفعله زملاؤهم، باستثناء دردشة/ نميمة المقاهي. شكلت هذه المرحلة فترة تيه و خلوة بامتياز، إذ لازلت أتذكر حكاية أستاذين يعيشان تحت سقف واحد، ولم يعلم احدهما بأن صاحبه قد حضر أطروحة الدكتوراه وناقشها، حتى تسربت الأخبار من مدينة فاس إلى مدينة الجديدة، ناهيك عن حالة أخرى لزميل لي في الكلية، أرسل إلي رسالة هاتفية تحمل سورة الفلق عند قرب مناقشته لدبلوم الدكتوراه ، ولم اصدق آنذاك كيف ظن بي هذا الرجل سوءا، وسولت له نفسه أنني قادر على إيذائه عبر رميه بالعين الشريرة والحسد، هذه الأمثلة وأخرى تعود بنا إلى فترة امتحانات الباكالوريا الوطنية في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، التي كانت العائلات تحتفل فيها بفوز أبنائها عبر اللجوء إلى الذبيحة والفرجة في إطار إحياء طقوس العبور والانتقال. وبالرغم من هذه الجوانب السلبية التي طبعت مرحلة الخلوة والتيه، والتي تجلت في قلة الإمكانات والمراجع، وضعف البنية التحتية للبحث العلمي، التي لازالت تفتقد إلى أبسط الشروط للقيام بمشاريع بحثية جادة، بالإضافة إلى عدم وجود الإنترنيت التي تسهل الآن عمل الباحث بشكل كبير، فان مرحلة التيه، مكنت الباحث من قراءة أمهات الكتب والجلوس لساعات طوال للاطلاع على ما كتب حول الموضوع. لا يتوفر الأساتذة على مكاتب داخل كلياتهم باستثناء الأساتذة المهرولين الذين تمكن بعضهم بطريقة أو بأخرى من الالتفاف على فضاء داخل الكلية واستغلاله، ومن الملاحظ أن الخلوة كتبت في صحيفة جيل الثمانينيات والتسعينيات والعشرية الأولى من القرن الحالي، إذ ارتبط مصيرهم بالاعتكاف خارج أسوار الكلية، مشتتين بين المقاهي لتحضير رسالة الدكتوراه، و الكل يعرف مقهى العبدي و أوسكار في مدينة الجديدة، وكم من رسالة دكتوراه قد أنجزت هناك، هذا واقع الحال، لأن المدينة لا تتوفر، كما هو الشأن في دول أخرى، على مكتبة محترمة تمكن الأساتذة والطلبة من الاعتماد على مواردها للقيام ببحوث جادة، ولم تتبن المجالس البلدية التي تعاقبت على المدينة سياسة ثقافية تعمل على بناء مكتبة ضخمة، كمكتبة آل سعود في الدارالبيضاء مثلا، لكي تحفز الباحث على القيام بمجهودات أكثر. لقد تطبع أستاذ هذه المرحلة على تحضير مادته العلمية، وتصحيح أوراق الامتحانات داخل المقاهي، لما كانت هذه الفضاءات تغص بالصحف والمدمنين على القراءة، أما المقاهي الآن، و سعيا وراء الربح السريع، فقد علقت شاشات كبرى على جدرانها، وأصبحت تساهم في تضبيع الأعضاء الاجتماعيين بثقافة الترفيه والمباريات التي تعرض على مدار الأسبوع، إذ مثل هذه البرامج، تساهم في تغييب الذات الاجتماعية عن قضاياها الأساسية. مرحلة الهرولة الأكاديمية في السنوات الأخيرة، ظهرت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية موجة تكوين مختبرات تتبنى خطا بحثيا يشارك فيه أساتذة مهتمون بحقل معرفي واحد، ويشكلون نواة لتطوير النظريات والمقاربات، جميل أن تسمع مثل هذا الكلام في البداية، لكن في الواقع، تحولت مرحلة الخلوة و التيه لدى الأساتذة الذين يتسكعون بين أركان المقاهي البعيدة إلى هرولة و تهافت على مناصب القيادة، والحصول على مفاتيح لمكاتب تقيهم من جحيم التسكع المشبع بدخان السجائر وضوضاء مشجعي برشلونة وريال مدريد . وفي هذا الصدد، قامت إدارة كلية الآداب بالجديدة بتوزيع مكاتب من الحجم الصغير (أشباه الدكاكين) على المختبرات التي تضم أزيد من تسعة أساتذة لكل مختبر، مما يجعل المكتب أرض نزال بين الأعضاء، إن هم قرروا استغلاله لأغراض البحث، و يبدو أن هناك رأيا أخر مفاده أن المكتب مخصص لمدير المختبر ليجتمع بطلبة الدكتوراه وبالأعضاء، وليس من طبيعة الحال للبحث، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن جيلا جديدا من الباحثين ستحذف بهم المؤسسة خارج أسوارها ليسيحوا بين أركان المقاهي من جديد، و بالفعل، لازالت هناك مقاه متناثرة هنا وهناك، تغص بطلبة وأساتذة ينجزون أعمالهم بها. إن السؤال المطروح ، في ظل عدم وجود بنية تحتية للبحث العلمي، وتهافت أصحاب مرحلة التيه على مناصب رئاسة المختبرات ومشاريع الدكتوراه، هو كيف نستطيع أن نتنبأ بالنتائج التي ستحصدها الجامعة المغربية، على الرغم من أن المؤشرات لا تبشر بخير؟ هل سنستمر في إنتاج الرداءة للأجيال القادمة؟ وبالتالي ندمر ما حارب من اجله أجيال ما بعد الاستقلال رغم التيه وشح المصادر؟ إن ما يحصل الآن هو بالطبع هدر للمال العام باسم البحث العلمي، وسأسوق أمثلة بعينها في هذا السياق. سأبدأ بمختبر تمت معاينته منذ ولادته، و يترأسه احد المهرولين؛ إذ بعد ولادته لأزيد من ثمانية أشهر، لا يتوفر المختبر في رصيده حتى الآن إلا على ندوة يتيمة، كانت مبرمجة قبل تكوين المختبر من طرف احد مجموعات البحث المنضمة إليه، ومحاضرتين لأحد الأعضاء، واجتماعين يتيمين، إذ أن المختبر لم يفعّل، حتى كتابة هذه السطور، أي قانون داخلي، ولم يناقش ميزانية، و لم يسطر برنامجا، ولم يجتمع في إطار التنسيق بمدير المركز الذي لم يتضح لنا الدور الذي يقوم به في هذا الإطار. حتى اللحظة ، لازال المختبر ورقيا بالمفهوم العملي للكلمة… وعلى ذكر البرنامج، لم تتفق بعد تلك العناصر المكونة للمختبر على برنامج موحد، وأظنها لازالت هي الأخرى في مرحلة التيه… و السؤال المطروح على هذه المختبرات جميعها: هل هي قادرة على إنتاج بحوث مشتركة بين أعضائها؟ فالأساتذة المنتمون إلى المختبرات لا يشاركون بعضهم البعض اهتماماتهم العلمية، إذ نحن نقرأ لباحثين من الخارج، ولآخرين محليين جمعت بيننا وبينهم اهتمامات بحثية رغم أنهم لا ينتمون إلى المختبر نفسه ، ولا ندري ما يعده زملاؤنا في المطبخ الداخلي، ونخشى أن نسألهم حتى لا نفاجأ مرة ثانية برقية من سورة الفلق ترمي بنا إلى عالم التنجيم والسحر. نظرا لقلة البحث والنشر، لا زال بعض الأساتذة يخلطون بين التخصص في إطار البحث، والتخصص الذي تمنحه الشهادة الجامعية، إذ هناك أساتذة يدعون الانتماء إلى تخصص معين، ونسأل هنا ما مرجعيتهم؟ هل هي الشهادة الجامعية أو المجال الذي ينجزون فيه أبحاثا ويهيئونها للنشر في دوريات متخصصة؟ في نظرنا، لا يجب على الأستاذ أن يعول كثيراً على الشهادة الجامعية التي حصل عليها لمدة تفوق العقد من الزمن، لإثبات تخصصه، إذ تظل الشهادة بمثابة إرث يلقي بظلاله على المعادلة، كنهاية للبحث واستكمال لمشوار المعرفة. نحن في حاجة ماسة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تحسين معارفنا والاطلاع على احدث النظريات والمقاربات والبارديمات، ولن يتأتى هذا دون البحث والتنافس مع الدول الرائدة في مجالات التخصص، وإلا سنظل تائهين دون صحوة فكرية في متاهات الحداثة الجارية. إن التقليد الأكاديمي في العالم بأسره يؤمن بأن الكتابة والنشر في الدوريات المتخصصة من الشروط الأساسية لنيل الاعتراف الأكاديمي من لدن المجتمع العلمي في إطار التخصص، إذ لا يكفي أن يجلس أستاذ في مقهى أو في محفل آخر، معتمدا على شهادته الجامعية، و ُيسوق نفسه على أساس انه باحث، ويجب أن تأخذ آراءه على محمل الجد، هذا إن كانت الأفكار التي يتداولها من إنتاجه فعلا، ولا تعدو اختراع العجلة من جديد. ويوجد عدد لا بأس به من هؤلاء في الجامعة المغربية يدعون البحث، وليس في رصيدهم العلمي ولو مقال محكم، وحينما نقول "محكم"، فإننا لا نقصد به مقالا يرسل إلى مجلة الكلية التي ينتمي إليها الأستاذ، والتي لها لجنة قراءة متواضعة تتكون من أستاذ يمثل كل شعبة، و في جل الأحيان لا علاقة لها بمواضيع المقالات. نقصد بالمقال المحكم، ذلك الذي ينشر في مجلة متخصصة، تتوفر على لجنة فحص ترسل المقال إلى 3 قراء على الأقل في التخصص، ليدلوا برأيهم في الموضوع، وعلى ضوء التغييرات والتعديلات التي يقترحونها، يتم إنجاز العمل، ووضع المقال قيد النشر ليمر إلى مرحلة ثانية وهي تصحيح اللغة وتنظيم المعلومات و تغيير التصميم وتقليص أعداد الكلمات إن كان مطلوبا، وغالبا ما تأخذ هذه العملية برمتها ستة أشهر أو سنة ، وهناك مجلات عالمية، قد يقف مقالك فيها منتظرا لمدة سنتين قبل أن يخرج إلى الوجود، والمقال عادة ما يحمل مقاربة أو نظرية ميكروية جديدة، و هذا ما يساهم في إغناء البحث العلمي. إن ما نراه اليوم من مشاريع وبرامج ورقية مزيفة، ليس الهدف منها إلا ملء فراغات الشبكة العنكبوتية للترقي، والالتفاف على مالية المؤسسة، وليس المساهمة الجادة في إثراء الساحة الأكاديمية ببحوث تستقي مشروعيتها من المجتمع العلمي في المستوى الدولي، و يجب أن تتوفر لدى الدولة سياسة واضحة في البحث العلمي، خصوصا في العلو م الاجتماعية والإنسانية، إذ أن الهدف لا يجب أن يكون هو النشر و عقد الندوات ومناقشة الأطروحات فقط، لأن مقاربة كمية كهذه سترمي بمنتوجنا الثقافي إلى مزابل الرداءة التاريخية، بل يجب إيجاد آليات لفحص ما ينشر، وتحديد القيمة العلمية لمنتوجنا الأكاديمي. إن الندوات تكلف ميزانية الدولة، خصوصا في الوقت الراهن الذي لا تجيد المختبرات في غضونه إلا عقد الندوات الاحتفالية التي تنتهي "بعشرة على الطابلة" عند ممول الحفلات، ونتساءل عن القيمة المضافة لمثل هذه الأنشطة، خصوصا وأن المواضيع لا تنتقى بدقة، ولا تتم دعوة مشاركين من طينة المنظرين، حتى تصبح الندوة ذات قيمة علمية ، وتنشر أعمالها للمرجعية الأكاديمية، و ما نلاحظه هو أن ندواتنا تتحول إلى نشاط ثقافي ذي طابع احتفالي، و الغرض منه هو إخبار الوزارة الوصية أن الكلية " ناشطة". ونسوق مثالا آخر عن الهرولة الأكاديمية التي أصابت أطرنا ، إذ أصبح الكل يتهافت على مناصب الصدارة، و يبحث له عن دور أكاديمي، رغم تواضع الرصيد العلمي لبعضهم، ومن خصائص صنف الأستاذة المهرولين، تسابقهم على مراكز القرار داخل الكلية، من اجل الحصول على رأسمال اجتماعي، يقيمون من خلاله شبكة علاقات عنكبوتية قوية، مما تجعلهم يملكون نفوذاً، فيصبح صوتهم مسموعا، واقتراحاتهم مستجابة، سواء تعلق الأمر بقبول وتمرير مشاريع"علمية" أم برفضها، وهذا ما يؤثر سلبا في سير المجالس التي تبث في قضايا المختبرات العلمية ومشاريع الدكتوراه . و يتوق المهرولون للانفراد برئاسة مشروع الدكتوراه ووضع أسمائهم كمهندسين للمشاريع، بينما تساق بقية الأساتذة المشاركين في المختبر على شكل" قطيع" من الأتباع. وقد تقدم هذه المشاريع دون سابق اجتماعات، و قد تضم أسماء أساتذة وسيرهم الذاتية، وهم لا علم لهم بهذه المشاريع، كما لا يستشارون بشأنها، ولا يقترحون مواضيعها. وفي ضوء ما سبق، نرى أن الوقت قد حان لإنشاء مجلس وطني للبحث العلمي يضم جميع التخصصات، و يتكون أعضاؤه من باحثين لهم وزنهم في الساحة الأكاديمية، يدخرون خبرة طويلة في ميدان البحث الأكاديمي، إذ يعنى المجلس بتوجيه دفة البحث، والتحكم في مساره وفقا لما تمليه مصلحة الوطن، و أولويات احتياجات المجتمع المغربي، و على غرار ما يقع في دول أوروبية أخرى، قد يهتم هذا المجلس باقتراح مشاريع للبحث ذات أولوية قصوى في ميادين مختلفة، حيث تجد لها دعما من طرف الدولة أو جهات أجنبية، وينجز تقارير حول مشاريع المختبرات والدكتوراه للتحقق من جودتها، وإلا فإن الرداءة آتية لا محالة، لأن المختبرات المهرولة ستتعود على ارتجال مواضيع مبتذلة لسد ثغرة البحث، دون محاسب أو رقيب، لأن مثل هذه البنيات العلمية لا يمكن مراقبتها عن طريق الأعضاء المنتخبة في مجالس الكليات، والتي قد لا تتوفر على المواصفات العلمية المطلوبة للبث في مثل هذه القضايا. يبدو مغرب ما بعد الحداثة في حاجة ماسة إلى التوجيه النظري، و يجب وضع قاطرة بحثه العلمي على الدرب الصحيح، لأننا نعتقد أن هذه المهمة، قد تناط بالمجلس الوطني الذي بإمكانه تسطير أولويات البحث العلمي حسب السياسات الماكروية المتبعة، ومراقبة مسار البحث العلمي والعمل الأكاديمي عبر خلق تنافسية شريفة بين الأساتذة الباحثين، و خلق آليات لضمان جودة المنتج العلمي الأكاديمي. *د.محمد معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي – الجديدة