ميزانية البحث العلمي في المغرب لا تتجاوز 0,62 % من الناتج الداخلي الخام تسجيل تراجع كبير لحجم المنشورات العلمية والبحوث بنسبة 50 % في جامعات فاس ومكناس والجديدة والقنيطرة هجرة الأدمغة مؤشر عن غياب سياسة علمية شجاعة للنهوض بالبحث العلمي < من المسلم به أن إنجاز مشروع إصلاح منظومة التعليم العالي بما يستهدف من إنتاج ونشر المعرفة وجودة التكوين والتأهيل للعنصر البشري كسبيلين ضروريين لربح رهانات التنمية مشروط الأساس بربطه بالبحث العلمي. في ضوء التجربة الحالية للإصلاح الجامعي، وفي إطار الدينامية التي يعتزم البرنامج الاستعجالي تقويتها لإنجاح الإصلاح الجامعي، يجب أولا القيام بقراءة تقويمية واستشراقية لحصيلة منجزات الجامعة منذ دخول القانون 01.00 حيز التنفيذ. في هذه الدراسة سوف نقوم بتقييم للبحث العلمي بالمغرب ونقترح مجموعة من التدابير للنهوض به. ما هي المكانة التي يحتلها البحث العلمي والتكنولوجي بالبلدان العربية وبالمغرب على وجه الخصوص ؟ توجد نسبة من 1 إلى 6 تتعلق بالمنتوج الداخلي الخام مخصصة للبحث العلمي، فميزانية البحث العلمي بالمغرب تقدر ب 0,62 % في المقابل أنفقت إسرائيل 2,53 % وكوبا 1,62 % ( المعدل العالمي 2,28 %). كما توجد كذلك نسب متشابهة بين عدد الباحثين وكذلك عدد الطلبة المسجلين في كليات العلوم أو علوم الهندسة بحيث عدد الباحثين في المجتمع النشيط هو 0,5 في الألف بالمغرب مقابل 5,22 في اليابان، 8,66 بالولاياتالمتحدة و 5,36 في بلدان الاتحاد الأوربي. أما فيما يخص الطلبة فهناك بالمغرب أقل من طالب على 20 مقابل 1 على5 بكوريا. كذلك الشأن فيما يتعلق بعدد الإصدارات، فترتيب الدول العربية يأتي بعيدا وراء الدول المصنعة (53 صحيفة لألف مواطن عربي مقابل معدل 285 في الدول المصنعة، والكتب المنشورة بالعالم العربي تمثل 1,1 % من الإنتاج العالمي مقابل معدل دولي يقدر ب 5 % ...). في مجال الإنتاج العلمي كان يحتل المغرب الرتبة الثالثة في أفريقيا ب 1000 مقالة سنويا في ميدان العلوم، هذه المرحلة تزامنت مع مناقشة أطروحات الدكتوراه وخصوصا دكتوراه الدولة. أما في الوقت الراهن بدأ ينحني بشكل مهول (بحيث بدأنا نسجل تفوق الإنتاج الجزائري وكذلك لبنان على المغرب). ففي المغرب نسجل تراجع مهم لحجم المنشورات العلمية بين 2000 و 2005 بنسبة 0,1 % مقارنة مع بلدان أخرى في المنطقة التي عرفت منشوراتها العلمية نموا مطردا في نفس المدة يصل إلى 14 % (تونس 14,3 %، الجزائر 10,6 %، إيران 25,7 %) انظر إلى الرسم البياني (1) تطور حجم المنشورات العلمية في المغرب بين 1995 و 2006 وتوزيعها على حسب المؤسسات الجامعية بالمغرب في الجدول رقم (1) [1,2] : الرسم البياني (1): تطور حجم المنشورات العلمية في المغرب بين 1995 و 2006 الجدول رقم (1): توزيع المنشورات العلمية حسب المؤؤسات الجامعية بالمغرب نلاحظ على الجدول رقم (1) تراجعا كبيرا في كمية الإنتاج في جميع الاختصاصات وعلى صعيد جميع المؤسسات خلال السنوات الأخيرة (تراجع بنسبة 50 % في كل من جامعات فاس، ومكناس، والجديدة والقنيطرة ). مؤشر ثان يتعلق بعدد المنشورات العلمية لكل مليون نسمة من السكان، حيث يبرز التأخر الذي يعرفه المغرب على هذا المستوى. ففي سنة 2005 كان هذا المعدل بالنسبة للمغرب يقدر ب 13,5 بينما في بلدان أخرى في نفس المنطقة يرتفع هذا المعدل ليصل أحيانا إلى 110 في نفس السنة. من جهة أخرى، أصبح تقييم الجامعات وتصنيفها على المستوى العالمي من حيث جودة البحث العلمي في صلب اهتمام الأكاديميين والسياسيين على السواء. ويعد التقييم الذي تقوم به كل سنة جامعة شنغاي الصينية أشهرها على الإطلاق بحيث نلاحظ في هذا التقييم أنه (لا وجود لأي جامعة عربية ضمن أحسن 500 جامعة عالميا لعام 2007 في حين نجد جامعتين من بلد صغير وهو سنغافورة وأربع جامعات من جنوب إفريقيا !) . أما بالنسبة للحضور العلمي للجامعات على شبكة الإنترنيت فيحظى تصنيف Webometrics الذي يقوم به المركز الأعلى للبحث العلمي الإسباني بأهمية كبرى، ونقدم مراكز أحسن خمسة عشر مؤسسة أكاديمية عربية في تصنيف القياس الافتراضي في الجدول رقم (3) : الجدول رقم (3): تصنيف المؤسسات الأكاديمية العربية في الأسابيع الماضية القليلة، جاء في التصنيف الذي يقوم به المركز الأعلى للبحث العلمي الإسباني فيما يخص ترتيب الجامعات في القارة الإفريقية تموقع جامعة القاضي عياض في المرتبة السابعة عشر بينما تحتل سبع جامعات من جمهورية جنوب إفريقيا المراتب الأولى [4]. في وقتنا هذا جوهر الصراع بين الأمم هو صراع معرفي تكنولوجي، فعند انعقاد المجلس الأوربي خلال سنة 2003، اتخذ قرار لرفع ميزانية البحث العلمي إلى 3 % من جهة، ومن جهة أخرى تزكية المجتمع العلمي ب 500 ألف باحث ! الغلاف المالي الذي خصص في البرنامج الأوربي الإطار السادس للبحث 2002 / 2006 ارتفع بدوره إلى 1,58 مليار أورو. ويهدف هذا البرنامج إلى تنشيط عملية التكوين، التنقل وتحفيز الباحثين في مسارهم العلمي. وفي الولاياتالمتحدة ميزانية 2001 للرئيس السابق بيل كلينتون خصصت 40 مليار أورو للبحث والتنمية وتهدف إلى الحفاظ على المركز العلمي الأول للولايات المتحدة بالعالم. إن غياب سياسة علمية شجاعة للنهوض بالبحث العلمي في البلدان العربية ينتج عنها هجرة الأدمغة، ما يدفع الباحثين العرب إلى المنفى الاختياري هو شعورهم بالإحباط والنسيان وخصوصا الاعتراف بهم كعلماء. إن المجتمع المعاصر داهمته عاصفة جديدة من الابتكارات والتكنولوجيا المتولدة عن العلم، علما بأن نموا سريعا أشد انفجارا يتربص بنا. إذ أن بعض الخبراء يتوقع أن حجم المعارف سيتضاعف كل ثمان سنوات، وأنه في أفق 2020 ستتقلص هذه المدة إلى سنة بدل ثمانية، هذا المستقبل القريب سيعرف تمديدا ملحوظا في عمر الإنسان، وتعميم الأداءات بالبطاقات المعلوماتية، والأدوية المركبة على المقاس ... إلخ. في تقرير الأممالمتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي عام 2002 أن أكثر من مليون خبير من حملة الشهادات العليا مهاجرين ويعملون في الدول المتقدمة، فكيف يفسر إذن المسؤولون اندماج حاملي الشهادات في المحيط الاقتصادي بالدول المتقدمة ؟ معظم المقاولات المغربية متخلفة حتى عن الشواهد المتوفرة حاليا في سوق الشغل ويتجلى ذلك من خلال بطالة حاملي الشهادات ذات الطابع التقني والمهني، فبطالة الخريجين ليست نتيجة كثرتهم بل هي نتيجة عدم الالتزام لمتطلبات التنمية. فنسبة البطالة ترتفع كلما اتجهنا من فئة غير المتعلمين إلى فئة حاملي الشهادات (بالأرقام 11 % من بين حاملي الشواهد، 35 % من بين حاملي شهادة الباكلوريا، 27 % من بين الحاملين على شهادة عليا). يعتبر البحث العلمي قاطرة للتنمية وبلوغ العصرنة والإنماء الاقتصادي والاجتماعي والركيزة الأساسية للتعليم العالي (80 % من المكانة الاقتصادية لأمريكا وأوربا جاءت من امتلاك التقنية). فبدون بحث علمي، لا يمكن أن يمتاز التعليم العالي بالجودة والمواكبة في شتى ميادين المعرفة والتقدم التكنولوجي. من أجل هذا يجب ربط التكوين بالبحث العلمي والدفع بالأستاذ ليساهم في تطوير المعارف التي تساهم بدورها في تحسين وتطوير مستوى التكوين. نتائج بعض الدراسات تؤكد على أن تعويض الأموال التي تنفق على التعليم العالي تسترد خلال 9 أو 10 سنوات، بينما يتم تعويض قروض التنمية خلال فترة تتراوح بين 12 و 18 سنة. يجب هنا الوقوف على الأخطاء التي ارتكبت في الإصلاح الحالي والتراكمات السلبية التي تخللته منذ انطلاقته، بعد أن أصبحت مؤشرات لا تبعث على الارتياح تلوح في الأفق. وفي زمن الإصلاح الجامعي وجهت انتقادات لأسلوب تعامله مع البحث العلمي، فقد اعتبر بأن قانون 01.00 يركز على التكوين ويقزم دور البحث العلمي، ويتجلى ذلك في عدم تأكيده على دور المختبر والوحدة كإطار تنظيمي كما يتجلى في تقييده للبحث العلمي بالمقاولة. عدة دراسات واستمارات تؤكد على أن الاكتظاظ لا يسمح بالتطبيق الفعلي للميثاق وأن الموارد المادية والبشرية غير متوفرة، فبعض المؤسسات الجامعية تعيش حاليا وضعية أسوأ من الوضعية قبل تطبيق الميثاق. لقد كان من الأهداف الأساسية للإصلاح الجامعي هو الإشراك الفعلي للقطاع الخاص والمقاولة في جميع مراحله، وللأسف هذه الشراكة لم تفعل وظل الأساتذة الأكادميين يتدبرون إنجاح هذا المشروع لوحدهم. نفس الشيء تعيشه الجامعة المغربية في المرحلة الأخيرة من الإصلاح المتمثل في إحداث مراكز دراسات الدكتوراه في عزلة تامة وفي غياب أي دعم مادي وأي تحفيز للأساتذة والطلبة الباحثين وغياب تام للمقاولة المغربية (بحيث نخشى مع كل هذه العراقيل والصعوبات الاندثار الشبه كلي للبحث العلمي في الجامعة المغربية ). كذلك هو الشأن في البرنامج الاستعجالي، بحيث خصص هذا البرنامج فقط حوالي 6 % من الميزانية الجديدة للنهوض بالبحث العلمي. ولكي يؤدي البحث العلمي الدور المناط به ويساهم في التنمية الوطنية، نقترح مجموعة من التدابير المتعلقة بهيكلة البحث العلمي، وحكامته، وتمويله وموارده البشرية. أ- حكامة البحث العلمي : تحديد مؤشرات دقيقة، ووضع أشكال تقويم خارجية ومستقلة بهدف تتبع إنجازات البحث العلمي وضمان تحسنه، لبلوغ حكامة جيدة للبحث العلمي لابد من توفير الشروط التالية : إعادة الاعتبار للمختبر كمفهوم وكمؤسسة. استقلال الأستاذ الباحث في تسيير المنظومة العلمية داخل المختبر ورفع الوصاية عنه. حرية التصرف للباحث في تسيير ميزانية دعم المختبر المرصودة من طرف الدولة، وكذلك من طرف مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص ومع المنظمات الدولية. إدخال البحث العلمي كنقطة أساسية في شبكة ترقية الأساتذة والأساتذة المرشحين لولوج المناصب السامية (بحيث نلاحظ ظهور اختلالات واضحة في مسطرة انتقاء رؤساء الجامعات والمؤسسات) وتوسيع تطورهم مثل إحداث درجة أستاذ التعليم العالي د. تحيين النصوص القانونية القائمة بشأن البحث العلمي. إحداث هيئة وطنية لتقييم البحث العلمي وفق المعايير العالمية. العمل على الإشراك الفعلي للفاعلين الاقتصاديين. ب - الموارد البشرية : عرف البحث العلمي بالمغرب خلال السنوات الأخيرة نقصا في الأطر العلمية عبر المغادرة الطوعية مما أدى إلى اندثار بعض الحقول المعرفية. ومن بين الإشكاليات المطروحة في الموارد البشرية هو عدم تجديد خريطة توزيع الأعمار (شيخوخة الأطر الجامعية ووصول نسبة كبيرة من الباحثين إلى سن التقاعد) فلقد تم خلق 100 منصب فقط في كل الجامعات المغربية خلال الخمس سنوات المنصرمة، في المقابل تأكد بعض الدراسات أن المغرب في حاجة إلى 4 آلاف باحث متفرغ في أفق 2010، لذا نقترح ما يلي : > استباق الحاجيات من الموارد البشرية مع الشروع في تكوين جيل جديد من الأساتذة الباحثين. > الزيادة في الأطر التقنية المتخصصة للعمل في المختبرات ومراكز البحث (غياب شبه تام لهذه الأطر في المختبرات الجامعية). > الرفع وتعميم منح الطلبة الباحثين وخلق مناصب البحث ما بعد الدكتوراه. > استقطاب الطلبة المميزين لدعم البحث داخل المختبرات بحيث نلاحظ حاليا أن المؤسسات المهنية هي التي تستقطب الطلبة المتفوقين ! التوجيه على صعيد كلية العلوم غالبا ما يتم بطريقة غير معقلنة حيث تستقطب كليات العلوم والتقنيات والمدارس العليا للتكنولوجيا الطلبة المتفوقين في حين أن الطلبة المتوسطين هم الذين يلجؤون إلى كليات العلوم وهم غالبا ما يلجؤون إلى سلك الدكتوراه الأمر الذي يضر بالمختبرات. > خلق معاهد جديدة تساير المشاريع الكبرى بالمغرب وأن تكون تابعة للجامعة المغربية مع خلق حقول معرفية جديدة تساير العولمة. > توطيد جاذبية مهنة الباحث. > تشجيع ودعم الأساتذة من أجل التنقل والمشاركة في الندوات الدولية والوطنية وكذلك التداريب طويلة المدى. ج - التمويل : إن التقدم المتزامن بين العلوم والتكنولوجية في الدول المتقدمة ناتج عن الجهود المتناسقة بين الدولة والنسيج الاقتصادي، حيث أن المبالغ المالية المخصصة لتمويل البحث العلمي من طرف الدولة تعادل المبالغ الممنوحة من طرف الفاعلين الاقتصاديين. أما في المنطقة العربية 89 % من الإنفاق على البحث يأتي من مصادر حكومية ولا تساهم القطاعات الإنتاجية إلا بنسبة 3 % . وهو نفس الشيء في المغرب، مما يجعل القطاع الإنتاجي والصناعي في بلادنا لا يسمح للبحث العلمي أن يلعب الدور الطلائعي كما يلعبه في الدول المتقدمة. إن القطاع الخاص بالمغرب لم يقتنع بعد بأن البحث العلمي له دور كبير في النمو الاقتصادي، فعلى هذا الأخير أن ينخرط بسرعة في المشروع الوطني لإدماج الجامعة في محيطها. فبالاستثمار في البحث العلمي يتمكن القطاع الخاص من تأهيل نفسه. في المقابل النسيج المقاولاني المغربي يتشكل من 95 % من المقاولات العائلية المتخلفة والهشة حيث نجد 50 % من المقاولات تفتقد شروط الاستمرار و 25 % في حاجة إلى إعادة الهيكلة، لذا نقترح ما يلي: الزيادة في ميزانية البحث العلمي، على المغرب أن ينفق1,5 % من المنتوج الداخلي الخام في دعم البحث العلمي. دعم الصندوق الوطني لدعم البحث العلمي بتمويل دائم ومتصاعد مع ضمان وتأمين استمراريته (تم تقرير إنشاء هذا الصندوق في القانون المالي لسنة 2001 غير أنه ظل مشلولا ولم تخصص له أية اعتمادات منذ إنشائه). تنويع مصادر التمويل والتأكيد على القطاع الخاص والمقاولات في دعم البحث العلمي، والسعي إلى إقرار تسهيلات ضريبية حسب القطاعات النشيطة. أجرأة وتطبيق القانون الذي يحث المقاولة دفع ما قدره 1,2 % من حجم الأجور للبحث العلمي والتكوين المستمر (فمثلا يمكن لاتصالات المغرب أن تساهم وتدعم المهرجانات الموسيقية ولكن يجب عليها كذلك أداء مستحقاتها للجامعة المغربية). الرفع من دعم الجماعات المحلية والمجالس الجهوية من أجل النهوض بالبحث العلمي. حذف الضرائب والرسوم على البحث العلمي بما في ذلك تلك المفروضة على الباحثين الجامعيين. [1] : Pier Luigi Rossi et Roland Woast, IRD, France, Académie Hassan II des Sciences et Techniques, Rabat 21 Fév. 08 [2] : Le Maroc scientifique , Paris, Publisud., 2008 [3] : د. سعيد الصديقي : الجامعات العربية وجودة البحث العلمي : قراءة في المعايير العالمية مجلة المستقبل العربي، العدد : 350 (أبريل 2008) ص : 39 _ 70. [4] : http://www.webometrics.info/top100_continent.asp?cont=africa