إن العمل السياسي يعد آلية ناجعة للاهتمام بالشأن العام و المساهمة في تدبير شؤون الجماعة البشرية ، سواء في البادية أو المدينة ن عبر المجالس و الهيئات الخاصة ، التي تنتخب بشكل شفاف و نزيه ، حيث تختار الجماعة /الساكنة من يمثلها ديمقراطيا و عن طواعية و باختيار حر و دون إكراه . فما من جماعة من الناس ، يعيشون في تجمع إلا و يسوس أمورهم و يدبر شؤونهم العامة ، ممثلون اختارهم السكان أول الأمر بأصواتهم بواسطة صناديق الاقتراع ، كما هو الشأن في العصر الحالي ، أو بطرق شورية كما هو الشأن في مراحل كان يسود فيها نظام "الجماعة" و كبير القوم المختار أيضا بشكل شوري ما دام أهلا للمسؤولية ، و إلا فإن ظهرت عليه علامات الزيغ أو الطيش أو عدم قدرته على الوفاء بالعهد و القيام بما يلزم اتجاه "الجماعة" تقوم بعزله و محاكمته وفقا للثقافة و العرف و التقاليد "البلدية" لتلك المنطقة . لكن في مرحلة ما بعد الاستقلال و خاصة مع مطلع الثمانينات ، هيمن على "الانتخابات" منطق الصراعات القبلية و العائلية ، على ما سواهما ، فزرعت بين أبناء "القبيلة / الجماعة" الواحدة نزاعات و احتقانات و ضغائن ، تنام فترة "حكم" رئيس معين ، ثم تستيقظ مع بزوغ الحملة الانتخابوية السياسوية ، بعدما تكون نيرانها قد خفتت قليلا ، تستعر من جديد مع بداية الحملة كما قلنا . إن أبناء غمارة ، نشؤوا و ترعرعوا إخوة على أراضيهم متقابلين ، تجمعهم العزة و الأنفة و العلم و الفضل و الجهاد و التصوف ، لكن الشيئ الذي تذوب له القلوب و تعتصر ، ما حل بقراهم و مداشرهم و مراكزهم و جماعاتهم ، من "عنصرية" مقيتة" و تنافس خبيث غير شريف و صراعات مذمومة ، بدافع "النسب" المختلف ، أو الانتماء لحزب مغاير للآخر أو بدافع خلفية معينة ، و في الغالب يقوم الشخص المترشح لإشعال مثل هذه التصرفات ضدا على مشاركة الطرف الآخر ، رغم أنهما معا أبناء قبيلة / جماعة واحدة ، ما يجمعهم أكبر بكثير مما يفرقهم . و أما عن حقيقة الانتماءات الحزبية ، فإن ادعى أحد أنه ينتمي فعليا و مبدئيا و عن قناعة لحزب سياسي معين فكاذب كذبا مفضوحا ، لأن أغلب الساكنة لا يعرفون أصلا من هي الأحزاب السياسية المغربية و من يديرها و ما الجدوى منها ، و ذلك أولا بسبب أن أهل غمارة تفرغوا منذ القدم للعلم و العمل به و للجهاد و التعبد و لم يوالوا إلا العلماء و الشرفاء و العدول أهل البصيرة ، و أداروا ضهورهم لما سوى ذلك ، و ثانيا لأن الأحزاب السياسية المغربية "علب" فاسدة مفسدة ، و أدوات "لعب" لا تصلح إلا للصغار من القوم . يحز في النفس لما نرى شخصا يترشح للانتخابات في إحدى جماعات غمارة ، و يعلن ضمن "مشروعه" الانتخابوي" أنه إن صوت عليه الناس و "نجح" في الانتخابات "سيجتث" المعارضين له من "العائلة" الفلانية ، أو الذين يقطنون في المناطق التي لا تواليه و لا تصفق له . كم هي سخيفة نوايا و أفعال بعض المترشحين و بعض الأعضاء من قبل "النجاح" و أثناء "الحكم" ، في مراكز جماعات شاطئية مثلا لما يعلنونها حربا مدوية على خصومهم "المفترضين" و كأنهم من بني صهيون أو من نسل إبليس ، و أما إن ساءله أحد عن تنفيذ وعوده و العمل على تطبيق ما ادعاه من برنامج تنموي شامل ، فإنه إما يغريه بالمال أو بالمنصب أو يطرده بطريقة خاصة و يقصيه نهائيا من حلبة تدبير الجماعة . لحد الساعة لم تر غمارة بجماعاتها الكثيرة و لو "رئيس" جماعة واحدة ، قام بالواجب المفروض عليه اتجاه الساكنة التي "صوتت" عليه ، و لا برلماني واحد قام بتمثيل الساكنة في البرلمان ، بشكل قوي و عبر عن معاناتهم و عن مطالبهم و عن المشاريع و الأوراش الكبرى و الصغرى الضرورية لحياة كريمة ، لم يجرؤ و لو نائب واحد أو رئيس جماعة على تمثيل السكان بالشكل المطلوب ديمقراطيا ن و السبب حسب علمنا أن أغلب من يتبارون و يخوضون "معارك" الوصل إلى كراسي الجماعات في بطونهم "عجينة" مكدسة ، أو لهم رغبات جشعة يودون تحقيقها بالركوب على "أكتاف" المواطنين الغفل . فلا نستغرب عندما نجد "مخزنيا" صغيرا يتحكم في "سيادة" رئيس جماعة معينة ، أو قائدا يصفع رئيسا وسط سوق أسبوعي عمومي ، او "عامل" عامل الإقليم يتصرف في ممتلكات السيد رئيس الجماعة أو البرلماني ، ينهب ما يشاء و يدخر ما يشاء ، برضى السيد الرئيس الذي كما قلنا في بطنه "عجينة" و في رأسه "كلخ" لا يقاس . في الآونة الأخيرة برزت و لله الحمد و المنة نخبة من أهل غمارة واعية فطنة ، تعرف ما يدور بالحرف في كل المناطق ، دارسة لخصوصيات كل جماعة على حدة و لمؤهلاتها و لمميزاتها ، عارفة بخبايا الشأن السياسي المحلي ، و لها مشروع "نظري" قابل للتطبيق ، إن وجد غيورين لهم الرغبة في تفعليه ميدانيا . هذه النخبة الشابة ، تدرك أن لوبيات و حيتان الفساد تطاردها و تريد ابتلاعها و تذويبها و ضرب ما بحوزتها من أفكار ، و وأد ما في نفسها من غيرة و نسف كل ما تبذله لصالح المنطقة جمعويا و إعلاميا و ميدانيا ، لهذا هي تعمل جاهدة على تقديم رجل و تأخير أخرى ، حتى لا تذهب جهودها سدى بسبب رياح و عواصف "المفسدين" المهيمنين على الشأن العام المحلي بالجماعات الغمارية الكثيرة ، المتحالفين مع السلطة الإقليمية و المحلية ، طبعا نستثني من كلامنا بعض الأشخاص من الطرفين ن من السلطة و من المنتخبين ، الذين لهم سجل نقي و بطن طاهرة و قلب صاف ، و إن كانوا في الغالب لا يحضون بما يحضى به المفسدون من حفاوة "الاستقبال" في المناسبات التي تفرش على الأرض "زرابي حمراء و خضراء" . فهل بمثل هذه العقليات التي تسود جماعات غمارة و تتحكم في دواليب الشأن العام الظاهر منه و الخفي ، ستتطور غمارة و ستفك العزلة عن قراها و مداشرها و ستستثمر مؤهلاتها على الوجه الأتم المطلوب ، الذي تنتظره الساكنة منذ أن تأسست الجماعات المحلية في تراب غمارة ؟؟؟ .