مراجعة وتنسيق: يوسف الحزيمري التأمت بعيد عصر أمس الجمعة 16 غشت 2013 الملتهب بلهيب صيف تطوان القائظ في فضاء نادي تطوان الثقافي مائدة أدبية من تنظيم مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات الأدبية التابع للرابطة المحمدية للعلماء بتطوان، اشتملت على قراءات في ديوان الأديب الفقيه قطب الريسوني"أغنيات السرب الحزين" شارك فيها كل من الناقد المغربي نجيب العوفي، والأديبة أم سلمى سعاد الناصر، والروائي الشاب خالد أقلعي. ابتدأ اللقاء بتقديم الدكتور محمد المعلمي رئيس المركز مقدما ورقة تعريفية بالمحتفى به الدكتور قطب الريسوني ومشواره العلمي ثم بالأساتذة المشاركين في قراءة هذا الديوان ومسجلا لبعض الإضاءات كما عهدناه في تسييره للجلسات الأدبية معتبرا أن الشعر المغربي سجل للملاحم والبطولات عبر تاريخه الطويل سواء في العهد السعدي أثناء تسجيله لمعركة وادي المخازن التي حلت بنا ذكراها قريبا، أو في تسجيل معركة الاستقلال التي نعيش ذكراها خلال هذه الأيام في ذكرى 20 غشت المجيدة، أو في تسجيل الحدث الأبرز في تاريخنا المعاصر حدث المسيرة الخضراء المظفرة، والتي وقف فيها الشعراء وأبدعوا أيما إبداع.. ليأتي لقاؤنا اليوم مستلهما هذا الخضم المتراكم من الأحداث المؤلمة التي تمر منها أمتنا العربية اليوم.. ثم أعطى الكلمة للناقد نجيب العوفي الذي شكر منظمي هذا اللقاء وكذا الحضور الكريم وابتدأ تدخله بالثناء على المحتفى به معتبرا أنه دائم الحضور في الساحة الفكرية والأدبية الإبداعية الجميلة والجزيلة ومذكرا أن قطب الريسوني من الشعراء القلائل الذين جمعوا بين الشعر والفقه باعتبار تخصصه العلمي في الفقه وأصوله وتمكن بفضل تجربته تلك من تحقيق معادلة سوية ما بين الإسلام والشعر وأن أصل هذه المعادلة نابعة من تكوينه هذا فمن غاص في السبع المثاني وتبحر في أنوار التنزيل لابد أن يستهويه الكلم الطيب الجميل، وأن يصير شاعرا مبرزا وصدق قول الرسول عليه السلام حين قال فيما معناه: "إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لشعرا" وكان طريقه كسلفه وشيخه سيد قطب الأديب المصري فهو إذن الداعية المبدع أو المبدع الذي يسكنه داعية فجمع بين الحسنيين الفقه والإبداع الأدبي، وهي سمة من سمات المغاربة عبر التاريخ فكثير من الفقهاء كانوا أدباء أمثال المختار السوسي وعبد الله كنون وعلال الفاسي والمكي الناصري وغيرهم، ولم يغفل الناقد نجيب العوفي من تتبع أثر المدرسة الأدبيةالتطوانية في تكوين شاعرنا فهو الابن البار والتلميذ النجيب للملتقى الأدبي الذي كان يعقد على بعد خطوات من هذا النادي بمكتبة الناصر التي كان يجتمع فيها ثلة من أدباء تطوان وعلى رأسهم أب شاعرنا الأستاذ محمد المنتصر الريسوني-رحمه الله- وصديقا عمره العلامة إسماعيل الخطيب-رحمه الله- والأديب الدكتور حسن الوراكلي-بارك الله في عمره- وما كان أيضا لتأثير والده أولا ولمدينته تطوان ثانيا في صقل موهبته الشعرية.. ثم عرج الناقد على معجم الشاعر قطب الريسوني من خلال ديوانه الأخير أغنيات السرب الحزين أو دواوينه الأخرى السابقة ليخلص إلى أن الشاعر في كل عناوينه صائد للكلمات مختار لها بعناية فائقة "بوح وفوح""عناقيد وأغاريد"…. وهي كلها عناوين رومانسية تذكرنا برومانسية الرابطة الأدبية والعصبة الأندلسية في القرن الماضي ومستلهما لمعجم أصيل عميق في فترة فشت فيها العجمة على الكثيرين، و-هو إلى ذلك- تلف معجمه كذلك مسحة من الحزن والأسى مكلومة بما تعيشه الأمة العربية اليوم من مشاهد الدم والخراب-عجل الله بانقشاعه- والشاعر في كل ذلك مازج بين العمودي والتفعيلي مما ينم عن اطلاعه وتمكنه كما أن للغة الأمكنة في نصوص ديوانه ذاك أثر واضح، فهو ناظمها ما بين المحيط والخليج –الشارقة-دبي-تطوان-مرتيل-القاهرة- بغداد وهي دلالة واضحة على سير شاعرنا على نهج الشعراء الفطاحل أيام العروبة.. ثم ختم كلمته بأ ن لشاعرنا كذلك إحساس شعري باللغة كبير فهو عندما يعبر بالكلمة يدخل في مناسك إبداعية خاصة به..غناء يخالطه رثاء – فهو ضحك كالبكى- على لسان المتنبي. ثاني المتدخلين كانت الأديبة سعاد الناصر التي قدمت لكلماتها بالوقوف على معطيين اثنين أولهما أن الشعر غذاء للأرواح فهو إحساس وتعبير عن هذا الإحساس وثانيهما أن أية قراءة لنص أدبي لا تدعي الإحاطة به من كل جانب باعتباره إحساس وإبداع. ثم غاصت الأديبة بين ثنايا كلمات الشاعر ومعجمه الحزين رابطة بين ثنائية الغناء والحزن في ديوانه ووقفت عند بعض الكلمات الرائجة فيه تضعها في سياقها العام وتستنطق بعض الأمكنة وحمولتها التاريخية من مثل تلبس الشاعر بحب تطوان، وعبرت عن حالته تلك بأنه في حالة عشقية لهذه المدينة. وأضافت أن الشاعر قطب الريسوني في ديوانه يرسو في ميناء من الشعر عميق الإحساس..ومن خلال هذه العناصر الثلاثة تكتمل الصورة الشعرية عند شاعرنا الأديب وهي كما قال الدكتور المعلمي معلقا تجمع بين بهاء الحرف وسمو رسالة الشعر.. ثم انتقل بنا المتدخل الثالث الأديب خالد أقلعي متسائلا في البداية عما يمكن إضافته بعد ما جاد به الناقدان نجيب العوفي وسعاد الناصر قبله فاختصر تدخله في تتبع مفردات الشاعر في ديوانه لاكتشاف مدى وحدة موضوع الديوان وصورته فذكر أن عنوان الديوان المكون من كلمتين اثنتين تضيئان أسلوبه القائم على ثلاثة أسس 1-الغنائية وهي تعبير أدبي مؤثر-يتغنى بالأمجاد التاريخية للوطن. 2-السرب للتعبير عن التحليق في ملكوت الشعر كسرب الطير. 3-الحزن من خلال طغيان هذا الإحساس على شاعرنا في عمله الأدبي هذا. ثم انطلق يغوص في معجم ديوان الشاعر واستخراج بعض مضامينه وتوجهه الأدبي واللغوي وتتبع تنويعات هذه الكلمات وصيغها التفعيلية المتعددة بين قصائد الديوان.. ثم فتح مسير اللقاء باب التدخلات لمشاركة مجموعة من المدعوين لهذا المنبر الأدبي بآرائهم، وتناول بعد ذلك المحتفى به الشاعر قطب الريسوني الكلمة ليعبر عن فرحه بهذا اللقاء الأدبي بحضور ناقد من العيار الثقيل ابن مدينة تطوان متمنيا أن يتم تكريمه قريبا- لما أسداه من إنتاج غزير في ميدان الأدب والنقد يشهد له به الجميع-عرفانا بابن المدينة البار رغم بعد موطن الاستقرار. وختم الدكتور محمد المعلمي هذه المائدة الأدبية متمنيا أن تكون قد حققت الأهداف التي أقيمت من أجلها وأن تتبعها مثيلاتها في قابل الأيام..