هو شاب يبلغ من العمر 34 عاما، أمضى حوالي نصف عمره متنقلا بين سجون المغرب، حيث ابتلي وراء قضبانها بشتى أصناف المخدرات، ليصبح أسير عالم الإدمان بعدما كان قبل دخوله السجن شخصا سويا لا يعرف لهذا العالم معنى.. الشهادة الخامسة: "هناك ثلاثة أشياء ملازمة للسجن: التبركيك والحشيش والقرقوبي… لقد دخلت إلى السجن بعقلي وخرجت منه بدونه.." "عندما دخلت السجن أول مرة كان عمري لا يتجاوز 19 سنة، قضيت الآن ما مجموعه 15 سنة داخل هذا الفضاء الذي مسخني وحولني إلى شيخ عجوز وأنا مازلت شابا في حقيقة الأمر. وأستطيع القول أيضا أني دخلت إلى السجن بعقلي وخرجت منه بدونه، لأن ما عشته وما رأيته في السجون التي مررت بها (سجون تطوان وطنجة وتازة وفاس وسوق أربعاء الغرب وسيدي قاسم والحسيمة والخميسات…) من ظلم يقع على الأبرياء وقهر واعتداء على حقوق السجناء ومناكر و… فرض علي أن أغدو إنسانا آخر، خاصة وأن الضعيف لا يرحم في السجن، إلا من رحمه الله تعالى من عنده، فقد حتمت علي هذه الظروف أن أتعاطى مختلف المخدرات: الحشيش والقرقوبي وباقي الأنواع الأخرى التي تقع بين يدي، كل ما كان يهمني هو نسيان ما حولي، وخلق عالم خيالي آخر أشعر فيه بالسعادة المفقودة داخل الزنازن… فما الذي يمكنك أن تفعله وأنت ترى أمام عينيك شخصا تنتهك حرماته وتهضم حقوقه ويعلق كالخروف بمجرد أنه اشتكى لإدارة السجن من شيء ما يدخل في باب حقوق السجناء المشروعة التي تكفلها لهم القوانين الجاري بها العمل في البلاد، وهنا أؤكد لك بأن حراس السجن هم من يروج كل شيء، فهناك في السجن أغنياء يحكمون بمالهم، بحيث يشترون كل شيء بما في ذلك موظفي السجن الذين يتحولون بقدرة قادر إلى خدام أوفياء وعبيد ركع لأصحاب المال، لذلك فهؤلاء الأغنياء على حق دائما ولا يمكن أن يخطأوا أبدا، حسب منظور مسؤولي السجن دائما، فالخطأ والصواب هناك يعود إلى نوعية الجيب الذي تملكه وحده… إذا كان جيبك مثقوبا فأنت بالضرورة مثقوب العقل أيضا وتخطئ دائما ولا تطيع الأوامر… إلخ. حين تعيش هذا المنكر تصبح مكرها على تناول شيء ما ينسيك في الصور المرعبة التي تمر أمام عينيك وأنت بين أربعة جدران لا تقوى على أي شيء، يقال أن السجن هو مكان لإعادة التربية، غير أن الواقع الذي عشته يحكي عكس ذلك تماما، إنه بالأحرى مكان لتنشئة الصعاليك والمدمنين والمجرمين حتى، انظر إلي، فقد دخلت السجن ببنية جسمانية قوية، وخرجت منها أجوفا منهكا.. عليكم أن تعرفوا بأن هناك ثلاثة أشياء تلازم السجن بالمغرب: التبركيك والحشيش والقرقوبي، فهذا الثالوث لا يمكن أن يفتقد داخل السجن. وعندما تخرج من السجن تصبح معقدا بين الناس، بحيث لا تمتلك الجرأة لمواجهتهم، فلا يظهر سوى القرقوبي أمام عينيك، وحينما تبلع الحبة الأولى فكأنما ابتلعت الشيطان، إذ تصبح قادرا على الإقدام على أي فعل مهما كانت خطورة عواقبه، لأنك في تلك الحالة (أثناء تناول القرقوبي) لا تضرب حسابا لشيء ولا تفكر في النتائج مطلقا…". نلتقي في الحلقة المقبلة بإذن الله مع آخر شهادة لضحية أخرى سقط أسير عالم الإدمان المدمر…