لعاشوراء قصتان، قصة قديمة، وأخرى حديثة، وكل واحدة منهما مليئة بالعبر الجليلة والدروس العجيبة، كل واحدة قصة لنبي من أولي العزم من الرسل، وكل واحدة ذات علاقة ببني إسرائيل. القصة القديمة تبدأ منذ مئات السنين حين تكبر فرعون وكفر، ونكل ببني إسرائيل، فجمع موسى _عليه السلام_ قومه للخروج، وتبعهم فرعون ، فجاء الوحي في ذلك اليوم العظيم بأن يضرب موسى _عليه السلام_ البحر بعصاه "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ " [الشعراء : 63] فلما رأى فرعون هذه الآية العظيمة لم يتعظ لج في طغيانه ومضى بجنوده يريد اللحاق بموسى _عليه السلام_ وقومه ، فأغرقه الله _عز وجل_ ، ونجى موسى ومن معه من بني إسرائيل ، قال _تعالى_: "وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِين" [الدخان : 30] إلى هنا تنتهي القصة الأولى. أما القصة الحديثة فهي أيضاً منذ مئات السنين لكنها حديثة قياسا بالقصة الأولى ، وهي أيضاً متعلقة ببني إسرائيل، لكن تعلقها بالمسلمين أهم ، كان اليهود يحتفلون بهذا اليوم، ورآهم الرسول _صلى الله عليه وسلم_ يصومون ذلك اليوم في المدينة، وكان _عليه الصلاة والسلام_ يصومه قبل ذلك، أخرج البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_ قَال:َ "قَدِمَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَال:َ مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى - زاد مسلم في روايته: "شكراً لله _تعالى_ فنحن نصومه"، وللبخاري في رواية أبي بشر "ونحن نصومه تعظيماً له"-. قَال:َ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" في رواية مسلم: "هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرَّق فرعون وقومه". القصتان مهمتان لنا في هذه الأيام، وحاجتنا إلى ما فيهما من دروس وعبر كبيرة، فهي تمس حياة المسلمين اليومية، وذلك من عدة جوانب نشير إليها فيما يأتي. ولنبدأ بأصل هذا اليوم في الإسلام وحكمه: أخرج البخاري عن عَائِشَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا_ قَالَت:ْ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ". ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم ، وممن قال ذلك مالك وأحمد ، وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ. قال النووي: "كان النبي _صلى اللّه عليه وسلم_ يصومه بمكة، فلما هاجروا وجد اليهود يصومونه فصامه بوحي أو اجتهاد لا بإخبارهم، وقال ابن رجب: ويتحصل من الأخبار أنه كان للنبي _صلى اللّه عليه وسلم_ أربع حالات: كان يصومه بمكة ولا يأمر بصومه، فلما قدم المدينة وجد أهل الكتاب يصومونه ويعظمونه وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه فصامه وأمر به وأكد، فلما فرض رمضان ترك التأكيد، ثم عزم في آخر عمره أن يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب، ولم يكن فرضاً قط على الأرجح". قال في (فتح الباري): "نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب". وقال النووي: "واختلفوا في حكمه في أول الإسلام حين شرع صومه قبل صوم رمضان، فقال أبو حنيفة: كان واجباً، واختلف أصحاب الشافعي فيه على وجهين مشهورين أشهرهما عندهم أنه لم يزل سنة من حين شرع ولم يكن واجباً قط في هذه الأمة ، ولكنه كان متأكد الاستحباب ، فلما نزل صوم رمضان صار مستحباً دون ذلك الاستحباب. والثاني كان واجباً كقول أبي حنيفة". وقد جاء في فضل صيام عاشوراء عن أبي قتادة _رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ_ أن رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم_ سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية" رَوَاهُ مُسلِمٌ، والمراد أنه يكفر الصغائر، وهو على نصف فضل يوم عرفة؛ لأن يوم عرفة سنة المصطفى _صلى اللّه عليه وسلم_، ويوم عاشوراء سنة موسى _عليه السلام_، فجعل سنة نبينا _صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم_ تضاعف على سنة موسى في الأجر. التأمل في هذا اليوم الذي نجى الله _تعالى_ في موسى _عليه السلام_ وقومه يبعث في النفس أملاً كبيراً ، وكلما تدبر المسلم آيات القرآن الكريم التي تحكي لنا الشدة التي كان فيها موسى _عليه السلام_ وقومه ، وكيف نجاهم الله _تعالى_ في مشهد عظيم ، ينشرح صدره ويطمئن إلى وعد الله _تعالى_ الدائم بنصر المؤمنين ، ونجاتهم من عدوهم ، قال _تعالى_: "ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِين" [يونس :