الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. رحلتنا الرابعة في جسم الإنسان إن شاء الله مع عضو من أخطر الأعضاء. وجهاز من أدق الأجهزة قد يكون سوطا لاذعا أو وردة ناعمة. قد يكون أداة تخريب أو وسيلة تعمير. قد يكون سيفا قاطعا أو بلسما شافيا. قد يوردك المهالك أو يرفعك أعلى الدرجات . قد يكون سببا في شقائك في الدنيا وهلاكك في الآخرة أو سببا في سعادة في الدنيا ونجاتك في الآخرة. قد يستخدم أداة للانتقاء والاستمتاع . ووسيلة لاختيار المشتهيات والتمتع بها. ٳنه: ٭ اللسان ٭ اللسان نعمة من نعم الله الكبرى . ومعجزة من معجزاته العظمى . قال تعالى : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ }( البلد :8-9-10). ( كل عضو من أعضاء الحواس له وظيفة واحدة إلا اللسان . فالعين للبصر. والأذن للسمع . والأنف للشم . والأنامل أشد جوانب الجلد إحساسا باللمس . أما اللسان فله أكثر من وظيفة . فهو آلة للتكلم .وآلة للذوق . وآلة للحس واللمس . وآلة للمضغ والبلع ....) [ قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن : نديم الجسر] بتصرف واللسان من أهم وسائل ارتباط الإنسان بغيره من أبناء جلدته ، ونقل المعلومات وتبادلها بين أبناء البشر في الجيل الواحد ، وبدون هذه الوسيلة الهامة ما كان بإمكان الإنسان إطلاقاً أن يرتقي إلى ما ارتقى إليه في العلم والمعرفة.إن التحدث معجزة خارقة ذلك لأن الطفل لم يكن يعرف أي شيء عن الكلام قبل أن يبدأ بالتكلم .قال تعالى : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ( النحل :78) هل تساءلت يوما أيها الإنسان كيف استطعت وأنت طفل في الثالثة من عمرك أن تتحدث بقواعد اللغة وقواعد اللسان . وتختار كلمات مناسبة . وتؤلف جملا نظامية . وتنساب تلك الكلمات من فمك بشكل لائق موافقة قواعد اللغة المعقدة . كل ذلك بعفوية بالغة ودون أن تشعر ‼ وكيف يتم التفكير والإدراك والتخيل وتركيب الكلمات والجمل والأفكار وربط كل هذا بعضه إلى بعض بحيث يخرج الكلام منسجما متوازنا يهدف إلى معنى؟ وهل تساءلت لماذا لا تختلط اللغات التي تعرفها بعضها ببعض؟ يقول عالم اللسانيات البروفيسور بنكر ستيفن steven pinkerوالمعروف بأبحاثه المتخصصة في هذا المجال: "إننا لا نفكر في النطق ونعتبره أمراً عاديا، وننسى بسهولة أنه معجزة وهدية عجيبة لنا״ . (موسوعة الإعجاز العلمي في القران والسنة). لقد جعل الله سبحانه وتعالى للسان 17 عضلة تحركه إلى كافة الاتجاهات. وٳن حركة اللسان في أي اتجاه ينتج عنها حرفاً معينا،وبذلك يستطيع الإنسان أن ينطق بفصاحة وبعفوية بالغة ودون أن يشعر بها. وهو دور عجيب والإمعان فيه يثير الدهشة والحيرة فقد يسّر الله تعالى للإنسان وسيلة سهلة للتكلم وفي متناول الجميع فلا يصيبها تعب ولا نصب ولا ملل ولا تكلف الإنسان أي ثمن ‼. ( أجرى أحد علماء الدماغ وهو توماس مونتي "Thomas Munte" بالتعاون مع رفاقه. عددا من التجارب وذلك لمعرفة التغيرات الكهربائية الحاصلة في بعض نقاط الدماغ عند النطق وذلك من خلال مراقبة تكتيك رنين المهام المغناطيسية ولقد تمت التجربة على الذين يتحدثون الإسبانية الدارجة مع لغة (كاتالان) وهي اللغة المستعملة في شمال شرق إسبانيا . فكانت نتائج التجارب أن الدماغ يقوم بتخزين مفردات كل لغة من اللغات التي ينطقها الإنسان في قسم مستقل من أقسام الدماغ وذلك حتى لا تختلط ألفاظ اللغتين أثناء النطق. إن هذه التجربة أكدت عكس الأفكار الدارجة أن اللغتين اللتين يعرفهما الشخص موجودتان في قسم واحد أو مكان واحد في الدماغ . وعندما يبحث الشخص عن كلمة ما تخرج هذه الكلمة مباشرة دون البحث عن معانيها. إن هذه العملية تتحقق خارج إرادة الشخص المتحدث بشكل أتوماتيكي ) .[ هارون يحيى : النطق آية ] . وهذا يعني أننا عندما نتحدث بلغة ما تبقى اللغة الأخرى مضغوطة لسبب غير معروف حتى الآن، وبالتالي تمنع الاختلاط والتمازج. (وعندما يتحول المتحدث من لغة إلى أخرى فإنه يقوم بتغيير المصافي الموجودة في الدماغ والتي لا تعرف شيئاً عن الكلمات الجديدة الملفوظة. مما لا شك فيه أن ثمة قوة خفية تلهمنا وتعطينا العلم والمعرفة . هذه القدرة هي قدرة الخالق العظيم وهو صاحب العزة والعلم والمالك لكل شيء. ٳن الله سبحانه وتعالى يلهم الإنسان ويجعله يتكلم.. ولا يستطيع إنسان ما أن يفتح فاه ولو بكلمة واحدة بغير إذن الله.. إن مهارة التكلم هبةٌ من الله للإنسان . قال الله تعالى في كتابه الكريم: {ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ} [الرحمن :1-2] ) المصدر السابق وإذا كان للسان هذا الشأن العظيم . فٳن جُرمه كبير. وآفاته عظيمة . ومن هذه الآفات : الغيبة والنميمة والكذب والسب والزور...قال الشيخ محمد مختار الشنقيطي : ( ..وٳن أعظم آفات اللسان التي إذا بلي بها الإنسان خسر دينه ودنياه وآخرته:الكفر بالله . يوم يمسي الإنسان ويصبح وقد نطق لسانه بكلمة تخرجه من الدين والملة والعياذ بالله يوم ينطق الكلمة فيهوي بها.) قال النبي صلى الله عليه و سلم:״(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا)) [صحيح ابن ماجة]. وقال صلى الله عليه وسلم : (( ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم)) [ سنن الترمذي] فعلى الإنسان أن يعرف كيف يمسك لسانه. ولا يطلق له العنان. كان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه ويقول: «ويحك قل خيرا تغنم، واسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم». فالإنسان قد ينطق بكلمة تتسبب في إسعاد شخص وقد ينطق بكلمة تتسبب في دمار حياة شخص . البعض من الناس لا يهتم بما يخرج من لسانه كل همه أن يتكلم ويظهر بمظهر العارف الفاهم . لا يهمه هل كانت كلمته وردة أم سهما. لذلك فالواجب علينا قبل أن نتكلم أن نفكر فيما نقول ونمسك لساننا عن الخوض في الباطل وإيذاء المسلمين بالنهش في أعراضهم وإظهار عيوبهم . لأن كل كلمة تخرج من لساننا تسجل علينا في كتاب نلقاه منشورا غدا يوم القيامة . وسيحاسبنا الله سبحانه وتعالى على كل لفظ يخرج من فمنا . قال الله تعالى : {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (ق:18). وقال الله تعالى:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء:36] وقال صلى الله عليه وسلم: ((....ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)) صحيح البخاري. وقال الإمام الشافعي : احفظ لسانك أيّها الإنسان ٭٭٭ لا يلدغنك ، إنه ثعبان وقال الشاعر الحمدوني : جراحات السنان لها التئام ٭٭٭ ولا يلتئم ما جرح اللسان والوظيفة الثانية للسان لا تقل أهمية عن الأولى . بحيث لووقع فيها خلل لفقدنا لذة الطعوم . ولتنغصت حالتنا. وضاقت نفوسنا . تخيل أيها الإنسان أنك قمت ذات صباح وقد أصبت بزكام حاد أو جفاف الفم ، . ثم جلست على مائدة الإفطار. وعندما شرعت في تناول فطورك أحسست بأنك لا تتذوق شيئا . لقد تعطل عمل اللسان مؤقتا . وتعطلت فيه حاسة الذوق . لم يعد يتذوق الحلاوة برأسه. ولا الحموضة على جانبيه ولا المرارة في مؤخرته. ولا الملوحة على كامل سطحه ولا سيما في مقدمته. وهذه هي المذاقات الرئيسية للسان. ولقد توصل العالم الياباني البروفسور (كيكونايه ايكينا) سنة 1908 إلى اكتشاف مذاق خامس حيث وجد حلمات أو خلايا في اللسان لا تتأثر بالأنواع الأربعة المذكورة من التذوق . بل متخصصة في هذا النوع الخامس الذي له نكهة خاصة ويوجد في بعض الأطعمة المنتشرة في بعض الدول الأسيوية . وقد سماه باليابانية ( يم مي )UMAMI ومعناه بالعربية ( الطعم اللذيذ).ولكي يتوصل اللسان إلى مذاق ما . يمتص حوالي 2500 جزئية من المادة المراد التعرف عليها. ولكي يتم الإحساس بالذوق، يجب أن يكون المذاق على شكل محلول حتى يسهل وصوله إلى نهاية الأعصاب التي تنقل هذا الإحساس إلى مركز الذوق بالمخ. ولهذا يتوقع أن لا يشعر الإنسان بطعم المواد إلا إذا ذابت في اللعاب . ( ٳن الله عز وجل جعل على اللسان خلايا خاصة، تنتشر على شكل نتوءات يمكن للإنسان من خلالها أن يتذوق الحلو, والطيب من الطعام،لكن الشيء الذي يلفت النظر أن حساسية الخلايا الذوقية المتخصصة بالطعم المر تبلغ عشرة آلاف ضعف عن حساسية الخلايا التي تتذوق الطعم الحلو، لماذا؟ لأن الله جلت حكمته جعل كل طعام سام مؤذٍ مر الطعم، هذا التوافق توافق حكيم، الطعام الذي ينفعك حلو المذاق، والطعام الذي يؤذيك مر المذاق . لذلك كل أنواع السموم لها طعم مر، فلئلا يتسمم الإنسان كانت حساسية الخلايا المتخصصة لتذوق الطعم المر عشرة آلاف ضعف عن حساسية الخلايا المتخصصة لتذوق الطعم الحلو. ) موسوعة النابلسي ( يحتوي سطح اللسان على ثلاثة أنواع من نتوءات الذوق، وكل نتوء يحتوي على براعم الذوق . وهذه النتوآت الذوقية عجيبة ومدهشة في تركيبها ، فهي ُتكوّن في اللسان ما يشبه الكهوف الصغيرة العديدة حيث تكون فتحة البرعم الذوقي صغيرة وتتمادى مع سطح اللسان . وفي داخل البرعم ترقد الخلايا الذوقية وهي ترسل أهدابها التي تتحسس الذوق ويدخل العصب الذي ينتشر بأليافه من قاعدة هذه الكهف الذوقي وفي داخل هذا الكهف نرى الخلايا الحسية والخلايا التي تسندها والخلايا التي تحيط بالبرعم الذوقي . وتتوزع البراعم الذوقية في الحليمات اللسانية . يقال ٳن الأشخاص البالغين لديهم ما بين 7500 و 12000 برعم ذوق تقريباً. ويحتوي لسان الإنسان على ميكانيكية لاكتشاف الأذواق الأساسية أي الحلاوة والحموضة والملوحة والمرارة و أومامي، وترسل معلومات عن الطعم إلى أعصاب الذوق. ولما كانت أعضاء الحواس متصلة بالدماغ فإن براعم التذوق الموجودة على سطح اللسان متصلة أيضاً بالقشرة السحائية للدماغ بواسطة الأعصاب التي تتحول نبضاتها إلى مذاق.) الموقع الالكتروني العالمي لأومامي واللسان أيضا ينهض بأعباء هامة فهو عامل مهم في مضغ الطعام وبلعه ، يدفع باللقمة إلى الأسنان ويلتقطها دون أن يتعرض هو للقطع وقد يحدث نادراً أن يقع اللسان في مصيدة الأسنان أثناء الأكل ، فنستغيث من الألم ، ونفهم عندئذ مدى مهارة اللسان في تجنب الانزلاق تحت الأسنان مع أنه ملاصق لها. وهو بعد ذلك ينظف جوف الفم والأسنان من بقايا الطعام. فما أعظم خلقك وأحكم صنعك يا لله‼ ( ومن أجل أن اللسان آلة للمضع والبلع . جعل الله سبحانه وتعالى هذه العضيلة قوية قوية . نشيطة . لعوبا . تلعابيا . لعابيا مخاطية. ولولا ذلك ما تم مضغ ولا بلع . فاللسان هو الذي يلاعب اللقمة ويلوكها ويعجنها عجنا باللعاب . حتى اذا اكتمل مضغها وأصبحت صالحة للبلع لفها بمخاطه . وضغطها بين سطحه وسقف الحلق . ودفعها بقوته وزلقها حتى تعبر قناة (اللهاة) فيكون البلع بعد ذلك بغير إرادة الآكل .) [ قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن:نديم الجسر] بتصرف ٳن الحواس لغز عجيب، لم تحل أسراره حتى الآن. خلل صغير في هذا النظام الرائع والحساس جدا يسبب تغيرًا كبيرًا في حياتنا، فالأبحاث العلمية الحديثة تحاول أن تقترب خطوة لسبر أغوار هذا النظام المعجز. حقاً إن كل شئ داخل الجسم البشري ينطق ويشهد بوجود الله وقدرته ، فهل رأيتموه معي عبر هذه الرحلة القصيرة ؟؟ وصدق الله العظيم : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ }[ الذاريات : 21 ] . والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. والى اللقاء في رحلة أخرى إن شاء الله .