توقف طويلا خلف العمود الكهربائي في آخر الشارع الطويل..فحص عقارب ساعته للمرة الألف..تلكأ وهو يسحب أذياله بخيبة عارمة. استدار. يبدو باب الحديقة كثغر يبتهل..." لم تأت" . انطلق لاهثا كهارب يبحث في الظلام عن الظلام،فتلحق به كل الأشباح في الطرقات..يطردها فتلفه. دخل غرفته وصفع الباب خلفه وكأنه يرمي بحقد السنوات العجاف. تهالك. أغمض عينيه باحثا عن طيفها . لم يعد يدري كيف ومتى أحبها، بيضاء هي أم سمراء؟ سمينة هي أم نحيلة؟ هب من جنونه وفتح نافذة صغيرة ،فتسللت نفسات زهرية من حي *الباريو* (...كانت فرحته عارمة يوم حصل على الإجازة.طوى الأحزان خلفه ولف الشوارع بزغردة قلبه.عانقته هيفاء بنظرة شوق من عينيها وسارا جنبا لجنب وفي أحضان قلبيهما أحلام وارفة..وعدها بالزواج حالما يستلم الوظيفة. قرأ الصمود في عينيها.دثرته به طويلا و..رحلت...) استفاق من أفكاره على صوت آذان العشاء من جامع المزواق. مسح بأنامله المرتعشة قطرات عرق ثائرة من جبينه. تتعانق ألوان الغرفة المبعثرة في عينيه، تنسج لونا لايشبه الألوان ،فيعود إلى خواطره من جديد.. ( ..الحلم يصلب ظهر هيفاء. يتشدق رأسها إلى الطريق وقد وزعت ابتساماتها على كل العابرين. يبدو طيفه بعيدا كجسد محارب علاه الغبا. يقترب من باب الحديقة. هيفاء تتكئ بظهرها على العمود الكهربائي. يحضنان الشمس ويختفيان...تلقى يوما الخبر على صفحات الجرائد وطار إليها كالرمح: الوزارة وعدت خريجي الجامعات بالعمل. ابتسمت هيفاء في صمت وهي تمسح دموعا انجرفت من مقلتيها. رفع عن وجهها خصلة شعر متمردة. غطى جراح الدموع بكفيه...) يصفعه الريح من شباك نافذته. غراب أسود يرقص فوق سلك كهربائي في الهواء. حمل الشاب معطفه ورمى الغرفة بنظرة شاردة ثم خرج... (..هيفاء.. اسم مبعثر في تاريخ عشق بطولي ممزق..خرب أعمدة المكان والزمن..وللحلم فحيح..ولهيفاء ..خدر بنفسج وهودج بركان. طال انتظارها وبدأ اليأس يصب في عينيها غدير السراب. كان الشاب يرمم فجوات الانتظار. لم يكن وحده.. حوله رموش حلم شذبت صدى أغنية تعبس في وجه الطرقات. وهيفاء تذرع الدقائق والساعات،تصرع الشهور والأعوام..وكما يرحل الحلم تركت هيفاء كل أنين غاب السنديان...) قطع الشارع الطويل وهو يرمي الحي النابض بنظرة ثاكلة. كل شيء في *الباريو* جنحة للضياع. الزمن يجتر لهيب الفراغ..والعيون بنادق تطل من أفواه المقاهي، تتطلع إلى النوافذ المغلقة في صمت و..خطوات تمخر الوحل. توقف. تصفح ورقة وبعثر عليها رسالة مرتجلة: هيفاء، يصنعون البنفسج قيدك فوق قبعة السجان وأذكر اندفاعات الدم العذري وشظايا وردة محترقة تنقش اسمك فوق الصخر وأغصان الزيتون أعجز عن لَمِ أغنيتي وربل الصيف هزه الدبور رمح هيفاء ذاب في مقلتي أخاطبك ردينة لعلي ..أجد رمحي..حيث زيحوا الأيقونة (كتب بضع كلمات ثم شطبها) ربابنة. أسياد. جبابرة يضحكون. يشتكون. يقتلون يهبون المنة لسواقي الفيض ولحم أرضي أيبسه الصقيع (عصر الورقة بين أنامله بعصبية ثم عاد يفتحها من جديد) غرباء نحن سيدتي عشنا أم متنا كفك الساخنة ودمك الفوار جرفا اسمي وتركا جنسيتي في الزحام أصبت بمراثي الطيور فشردتني وأنامل عشقي ترس الزيزفون لف الورقة ودفع بها داخل جيب معطفه. لم تكن عباراته سوى جمرة يعقبها اللهيب. استدار في اتجاه الأضواء اللامعة خلف الغسق والوتر وغنج الحرف المتأجج بحمرة الوريد .. وقد تولى الحي المهترئ خلف ظهره . مر باب الحديقة أمام عينيه والعمود الكهربائي . نسي وجه هيفاء وانتظار الحلم العاقر. نسي الوعود الزائفة . الحلم يصلب ظهره وفي عينيه صمود لايقهر... تراه يعود؟ ّ دة. جوهرة أشبان