كثيرا ما نسمع ونعاين مستوى ما يصطلح عليه بالجرائد الصفراء، وما تختص به من صفات وخصائص، من قبيل الميوعة والتشهير والافتراء والإثارة والمغالطات والتضليل والأباطيل .. مميزات تجعلها فعلا صاحبة الأهلية والاستحقاق لأن يتم نعتها بالصحافة الصفراء. قناة الجزيرة، الصفراء ( من حيث هي فعلا صفراء من خلال العلامة البصرية التي تميزها على الشاشة) لها مسار بارز في المجال الإعلامي، أصبحت بفعل التطور والدعم والرعاية شبكة إعلام حقيقي يستلب العقول عبر آليات التأثير والاستدراج ثم الاحتضان. فقُبيل وإثر ما سمي بالربيع العربي، قفزت فعلا قناة الجزيرة من أعماق بحر الإعلام، وساهمت بشكل أو بآخر في الحراك الموازي، وإن كانت أساليب التهييج والتجييش ووسائل التحريض والانحياز أثرت سلبا على الصورة الشعبية للقناة، فكان أن ضلّل سوءُ تقدير السياقات والاعتداد بالصدى والإشعاع نباهةَ مسؤولي القناة حتى تحولت شعبية القناة إلى ما يشبه شعبوية مقيتة. مناسبة هذا الكلام هو برنامج "فوق السلطة"، وما يبثه من فقرات إخبارية ومقاطع فيديو وصور ومواد ومختارات من هنا وهناك.. هي تافهة وسخيفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تبتغي فقط الإثارة والتهكم والاستهزاء بأسلوب منحط ودنيء لا يشرف تاريخ القناة ولا تاريخ كبار صحافييها ومحرريها الذين بصموا المشهد الإعلامي العربي بإبداعات متميزة لعشرات السنين، فنالوا ما نالوا من الاحترام والتقدير والتبجيل من طرف المشاهدين وحتى المستمعين والقراء. تنامي البرنامج في سفاسف الأخبار وتمادي قناة الجزيرة في احتضانه والترويج له ولمحتواه التشهيري والتحقيري ينم، مع الأسف، عن انبطاح وانحطاط بلا حدود في إيقاع الرسالة الإعلامية التي التزمت بها القناة تجاه جمهورها المتلقي، لكن يبدو أن عين الجزيرة أصابها العمى عن المبادئ والقيم وأخلاقيات المهنة التي أسست عليها مجدها وبدأت تتعثر في سباق الأخبار الذي تجري فيه في الاتجاه المعاكس. ! السلطة الرابعة ليست "فوق السلطة"، ولا ينبغي للنزاع الإقليمي بين قطر وجيرانها أن يكون هو ما وراء الخبر للبرنامج لجعله مطية ومدعاة ومناسبة لغرض التهجم والاستفزاز والسخرية والنكاية والتشفي ونسج السيناريوهات، لأن جمهور المشاهدين، الشاهد على العصر الذهبي للجزيرة، في أمس الحاجة إلى إعلام قناة "الجزيرة" الشامخة بأعلامها والجادة في معالمها، لا إلى جزيرة تغرق من "فوق السلطة" ! وللقصة بقية..