شكلت سنة 2017 محطة مهمة في الحياة البرلمانية بالمغرب، نظرا للأنشطة التي شهدتها المؤسسة التشريعية، سواء تلك المرتبطة أساسا بوظائفها الدستورية والتشريعية والرقابية، أو بالدبلوماسية البرلمانية، لكنها تبقى في مجملها حصيلة متواضعة للغاية. فبالرغم من فترة "جمود" طبعت أنشطتها جراء التأخر في تشكيل الأغلبية الحكومية، إلا أن المؤسسة التشريعية صادقت خلال السنة التي نودعها على عدد من مشاريع القوانين الهامة، كان أبرزها مشروع قانون يوافق بموجبه على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، والقانون المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، والقانونين المنظمين لكل من المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، وهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز وقد أجمع متتبعون للشأن السياسي على أن المصادقة، في أول جلسة تشريعية للولاية البرلمانية الحالية على مشروع القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، تعد لحظة تاريخية بامتياز تعكس التلاحم من أجل المصلحة العليا للوطن، مبرزين أن النواب يبعثون من خلال هذه المصادقة، برسالة مفادها أنهم مصطفون وراء جلالة الملك محمد السادس في الدفاع عن القضية الوطنية، وهو الرأي الذي تشاطره المستشارون بالغرفة الثانية للبرلمان. وفي تعليقه على حصيلة العمل البرلماني، قال عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط، أنه تجاوزا للمقاربة الكمية التي تقيس عمل البرلمان وفعاليته بعدد النصوص القانونية التي صادق عليها خلال السنة، فإن الجانب النوعي يفرض القول بأن هذه السنة كانت إيجابية، نظرا لكون النصوص التي صادق عليها البرلمان ذات تأثير واسع وتنعكس بشكل إيجابي وإجمالي على الممارسة الحقوقية في البلاد. وأوضح، نوعية العمل التشريعي الذي تم إنتاجه هذه السنة ترجع بالأساس لكون البرلمان ينحو اليوم باتجاه عقلنة أكبر لعمله، والبحث عن الفعالية على مستويات متعددة أكثر من أي شيء آخر. وتعتبر ثاني أهم محطة في الحياة البرلمانية، خلال السنة التي نودعها، تلك المرتبطة بمصادقة مجلس النواب، بالأغلبية، على البرنامج الحكومي الذي تقدمت به حكومة سعد الدين العثماني أمام مجلسي البرلمان، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 88 من الدستور. ويكون المجلس قد منح، جراء هذه المصادقة، ثقته للحكومة الجديدة بناء على ما ينص عليه الدستور في هذا الفصل الذي جاء فيه "تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة". من جهة أخرى، شكل دخول النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب حيز التنفيذ، على إثر قرار المحكمة الدستورية بتاريخ 30 أكتوبر 2017، بأن المواد المعدلة من النظام الداخلي للمجلس في صياغتها المعدلة، مطابقة للدستور، "مرحلة جديدة" في تاريخها، تتبوأ فيها مكانة متميزة، في تناغم تام مع دستور 2011، وفي تكريس للخيار الديمقراطي وللإصلاحات العميقة التي انخرطت فيها المملكة تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس وفي هذا الصدد، يقول عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح مماثل، إن من أبرز المستجدات التي جاء بها النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، تكريس الديمقراطية التشاركية، طبقا لأحكام الدستور، عبر تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بتقديم الملتمسات في مجال التشريع ومقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بتقديم العرائض، فضلا عن تنصيصه على مقتضيات جديدة تروم الرفع من الأداء التشريعي سواء من حيث جودة النصوص المصادق عليها أو من حيث النجاعة في تدبير الزمن التشريعي. من جهته، شدد عبد العزيز القراقي، على أنه تطرح اليوم أكثر من أي وقت آخر أسئلة عميقة على الممارسة البرلمانية بالمغرب، تتعلق بدور المؤسسة التشريعية إن على صعيد تقييم السياسات العمومية أو مراقبة العمل الحكومي، أو تعزيز مكانة الحقوق والحريات، وهذا بطبيعة الحال يتطلب تغييرات عديدة على مستوى السلوك البرلماني، وكذلك على مستوى الأداء بصفة عامة، ولعل مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب تظل أحد أهم المداخل الأساسية لذلك. وعلى العموم فقد عمل النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب على تكريس مبدأ التناسق والتكامل بين مجلسي النواب والمستشارين، وحدد طبيعة العلاقة مع المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة، وأكد على انفتاح المؤسسة التشريعية على مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي ووسائل الإعلام والمجتمع المدني. وفضلا عن المصادقة على هذا النظام، يشير الأستاذ أدمينو، فقد قام مجلس النواب في مجال الإنتاج التشريعي بالتصويت على أزيد من 50 مشروع قانون، مشيرا في هذا الصدد الى المصادقة على قانون المالية وكذا مجموعة من النصوص التي تهم بعض هيئات الحكامة والعديد من الاتفاقيات الدولية الهامة. وأضاف أنه على المستوى العمل الرقابي لمجلسي البرلمان، تحظى جلسات الأسئلة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة التي يجيب عنها رئيس الحكومة بأهمية ومتابعة خاصة بالنظر إلى كونها تناقش مواضيع تلامس قضايا المواطنين بشكل مباشر أما على صعيد البناء المؤسساتي، يبرز الأستاذ عبد العزيز قراقي، فإن البرلمان انخرط في مسلسل استقلال القضاء حيث صادق على القانون المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة ويشكل القانون دعامة إضافية لقيام سلطة قضائية مستقلة وفق أحكام الدستور والتوجيهات الملكية السامية، لاسيما من خلال التنزيل السليم لمؤسسة رئاسة النيابة العامة، بما يضمن انخراط كافة مكوناتها في الجهود الرامية إلى محاربة الجريمة والحفاظ على النظام العام وصون الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين. كما تميزت سنة 2017 بالنسبة للبرلمان المغربي بالمصادقة على قوانين أخرى مهمة منها مشروع القانون المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، ومشروع القانون المتعلق بإحداث نظام للمعاشات لفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا ولن نغفل، أن البرلمان واصل هذه السنة تفعيل مقتضيات الدستور من خلال المصادقة على النصوص التي ستخرج إلى حيز الوجود مؤسستين هامتين بالنسبة للممارسة الحقوقية بالمغرب، ويتعلق الأمر بالقانونين المنظمين لكل من المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، وهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، وكذا الموافقة على إجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور الرامية إلى اعتماد إمكانية الدفع بعدم دستورية القانون أثناء النظر في القضايا أمام القضاء إذا كان هناك ما يمس بالحقوق والحريات كما عرفت سنة 2017 أنشطة برلمانية مكثفة ارتبطت بجانب تعزيز دور المؤسسة التشريعية في المجال الدبلوماسي، حيث انتخب رئيس مجلس النواب رئيسا للاتحاد البرلماني العربي، إلى جانب استضافة البرلمان بغرفتيه للعديد من الملتقيات والندوات الإقليمية والدولية واستقبال عدد كبير من الوفود الأجنبية.