تميزت القرارات الملكية اليوم الاثنين بكثافة التدابير القانونية التي تم اتخاذها في حق رجال السلطة، والتي شملت مستويات مختلفة من الوالي إلى خليفة القائد، في إطار حملة واسعة عقب تقارير قامت بها المفتشية العامة لوزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات، تنفيذا للمبدأ الدستوري "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وتأتي هذه القرارات بعد الزلزال السياسي، الذي أعلن عنه جلالة الملك في خطابه أثناء افتتاح الدورة البرلمانية، حيث ذهب بأربعة وزراء ومسؤول كبير كما شمل غضب جلالة الملك على وزراء سابقين مسؤولين عن تعتر مشروع الحسيمة منارة المتوسط. ما يميز القرار، الذي تم اتخاذه عقب استقبال جلالة الملك اليوم لرئيس الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للحسابات ووزير الداخلية، هو أنها جاءت شاملة بعد مدة قصيرة من فتح تحقيقات شاملة همت كافة الولايات والعمالات والأقاليم، مما يحيل على أن قطار المحاسبة انطلق بسرعة فائقة وسيحصد كل الرؤوس التي سيجدها أمامه إما عاجزة عن العمل أو متورطة في ملفات الفساد. القرارات الحاسمة والصارمة تؤذن بدخول المغرب عهدا جديدا، يتميز بالتفعيل العملي للمؤسسات التي نص عليها دستور 2011، التي كانت تقوم بعملها لكن كانت تفتقد للفعالية، ولن يكون لها دورها الدستوري إلا باتخاذ الإجراءات الرقابية اللازمة. هذه القرارات ستنقذ المغرب من آفتي الفساد والتراخي في أداء المهام. في السابق كانت اللجان المذكورة والمؤسسات الدستورية تقوم بعملها غير أن تقاريرها تبقى حبرا على ورق، بينما اليوم فهي تنسجم مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما نص على ذلك الدستور. اتخاذ قرار معاقبة مسؤولين من السلطة الإدارية بعد قرار إعفاء الوزراء يعني أن المغرب دخل عهدا جديدا، لا يوجد فيه "عفا الله عما سلف" ولكن كل من يتورط في قضايا الفساد والاستهانة بالمهام المنوطة ينال العقاب الذي يستحق. وكشف القرار عن وجود اختلالات عميقة في السلطة الإدارية بمختلف مراتبها، ولابد من معالجتها بشكل جدري، لأنه لا يمكن أن نتقدم إلى الأمام، ومن تم تأتي هذه القرارات مثل العملية الجراحية التي تسعى إلى استئصال الورم من جذوره، وحتى تكون عبرة لمن اعتبر، وحتى يكون الذين نالوا عقوباتهم اليوم نموذجا يضرب به المثل في معاقبة كل من يخالف التوجهات العامة للدولة ويخالف القوانين. الزلزال الحقيقي الذي يعرفه المغرب اليوم هو الطريق السيار نحو الشفافية وتفعيل أدوات المراقبة والمحاسبة، وتفعيل دور المجالس الجهوية للحسابات ودور المفتشية العامة للداخلية والمفتشية العامة للمالية، وترتيب المسؤوليات عن كل الاختلالات المرتكبة من قبل المسؤولين.