يعيشُ الشعب المغربي عُرْسا وطنيا وفرحا عارِما، بعد انتشار خبر بلاغ الديوان الملكي، واستقبال الملك للرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إدريس جطو الذي قدم خلاصة تقريرٍ حول برنامج الحسيمة منارة المتوسط، نتائج التقرير كشفت وجود العديد من الاختلالات تم ضبطها في عهد حكومة بنكيران، إضافة إلى عدم التزام عدة مؤسسات عمومية بالمدة الزمنية المحددة لإنجاز مشاريع تنموية، والتراخي في المراقبة وتفعيل الحكامة الجيدة. إعفاء ومُعاقبة وزراء ومسؤولين عمَّقوا أعطاب القطاعات التي كُلِّفوا بإدارتها، وفشلوا في تحمل مسؤولياتهم تجاه الشعب المغربي، متوهمين أن خطابات الملك محمد السادس عن ربط المحاسبة بالمسؤولية هي مجرد مسكوكاتٍ لغوية وفرقعات لفظية روتينية، بيد أن الملك استجاب لمطالب الشعب المغربي، الذي اعتاد أن يُتوجه رأْسا إلى المؤسسة الملكية لتخلّصه من مسؤولين فاشلين، لم يكونوا جديرين بثقة الملك وخذلوا المغاربة، وقد تضمن بلاغ الديوان الملكي العديد من المؤشرات المهمة والتي سأعود لها في المقالات المقبلة، لكن الفقرة التي أثلجت صدر المواطنين هي: "وفي هذا الإطار، وتطبيقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، ولاسيما الفقرة الثالثة منه، وبعد استشارة رئيس الحكومة، قرر جلالة الملك إعفاء عدد من المسؤولين الوزاريين. ويتعلق الأمر بكل من : • محمد حصاد، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة ؛ • محمد نبيل بنعبد الله، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بصفته وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة ؛ • الحسين الوردي، وزير الصحة، بصفته وزيرا للصحة في الحكومة السابقة ؛ • السيد العربي بن الشيخ، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المكلف بالتكوين المهني، بصفته مديرا عاما لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقا؛ كما قرر جلالته إعفاء السيد علي الفاسي الفهري، من مهامه كمدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. أما بالنسبة للمسؤولين في الحكومة السابقة المعنيين كذلك بهذه الاختلالات، قرر جلالة الملك، حفظه الله، تبليغهم عدم رضاه عنهم، لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم، ولعدم تحملهم لمسؤولياتهم، مؤكدا أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلا. ويتعلق الأمر بكل من : • رشيد بلمختار، بصفته وزير التربية الوطنية والتكوين المهني سابقا ؛ • لحسن حداد بصفته، وزير السياحة سابقا ؛ • لحسن السكوري، بصفته وزير الشباب والرياضة سابقا ؛ • محمد أمين الصبيحي، بصفته وزير الثقافة سابقا؛ • حكيمة الحيطي، كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة سابقا." وحتى لا يعتقد البعض، أن التدخل الملكي يقتصر فقط على منطقة الحسيمة، ذكر البلاغ "وتجدر الإشارة إلى أن هذه القرارات الملكية تندرج في إطار سياسة جديدة، لا تقتصر على منطقة الحسيمة فقط، وإنما تشمل جميع مناطق المغرب، وتهم كل المسؤولين على اختلاف مستوياتهم، في نطاق إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحفيز المبادرات البناءة، وإشاعة قيم الوطنية الحقة والمواطنة الملتزمة بخدمة الصالح العام". بعد هذه الخطوة المفصلية في تاريخ المغرب، ينتظر الشعب المغربي استكمالا لفرحته أن يتعطَّفَ الملك محمد السادس بإطلاق سراح معتقلي الريف، مادام تقرير المجلس الأعلى للحسابات أقر بوجود اختلالات تدبيرية أثرت على ظروف حياة ساكنة الحسيمة، الذين احتجوا ضد الفساد والبيروقراطية الإدارية، وشلل المرافق العمومية وضعف الخدمات الاجتماعية، والشطط في استخدام السلطة، وما أفضى إليه من قهر لكرامة المواطنين بلغت درجتها القصوى في مقتل الشهيد محسن فكري. لكل هذه الاعتبارات يلتمِس الشعب المغربي بمختلف مكوناته ونخبه الفكرية والإعلامية والسياسية والدينية والفنية والرياضية وكل الهيآت الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني من الملك محمد السادس تمتيع معتقلي حراك الريف من نشطاء وصحفيين بالسراح والحرية، سيما وأن احتجاجهم أزال ورقة التوت التي كانت تخفي غابة الفساد، وتُغطي المياه الآسِنة التي تجري تحت جسر الشعارات المزيفة التي كانت تُروج لأكاذيب تنموية فضحها تقرير المجلس الأعلى للحسابات. ختاما المغاربة في هذا اليوم: الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، بمختلف شرائحهم وأنا أتجول وأسمعُ وأشاهد، الكل استبشر خيرا بالقرار الملكي في تفعيل مفهوم المحاسبة، والمواطنين لا يريدون إعفاء المتورطين فقط بل يطالبون بالمتابعة القانونية، وإحالة ملفاتهم على القضاء، ليس من باب التشفي ولكن تحقيقا لمبدأ عدم خيانة الأمانة، وأخْذ الدرس في ضرورة احترام الشعب وعدم التلاعب بحياته ومصالحه، التدخل الملكي هو استشراف مغرب ديمقراطي، تُجسّد فيه المؤسسة الملكية مفهوم الحكامة الرشيدة، من أجل التحقق الفعلي لدولة الحق والقانون، دولة المؤسسات الحية والفاعلة. الكثير من المواطنين يريدون جعل هذا اليوم مناسبة وطنية للمحاسبة ونشر قيم التربية على المسؤولية، وتكفي إطلالة سريعة على صفحة جريدة هسبريس لمعرفة مدى تفاعل المغاربة مع القرار الملكي، من خلال الكم الهائل من تعليقات القراء التي تؤكد دعمها وشكرها وامتنانها للتدخل الملكي لوضع حدِّ للاستهتار بالوطن والمواطنين. ولنا عودة تشريحية لرهانات تفعيل المحاسبة، أمام تزايد التحديات الداخلية والخارجية.