منح صندوق النقد الدولي المغرب أخيرا "خط الوقاية والسيولة" بقيمة تعادل 700 في المائة من حصته في الصندوق، وهي 6.2 مليار دولار يمكن استعمالها خلال مدة سنتين، وهو أقصى ما يتيحه هذا الخط للدول الأعضاء، مما يؤكد أن المغرب دخل مرحلة لابد أن يتدخل فيها صندوق النقد، ووفق معطيات مدققة، فإن المغرب كان من الدول القليلة التي قررت الاستفادة من هذا المشروع الجديد، خصوصا أنه اعتمد المدة القصوى في اعتماد هذا الحل، الذي تعتبره مصادر مالية مختلفة واحدا من المخاطر الكبرى التي تهدد سيادة المغرب على اقتصاده. ويعتبر هذا الخط من الآليات الجديدة التي أحدثها الصندوق في نونبر من العام الماضي تحت غطاء "تمكين البلدان التي تنهج سياسات اقتصادية سليمة من مواجهة المخاطر المحتملة المرتبطة بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية"، فيما تؤكد كثير من المصادر أن هذا الخط هو شكل آخر من أشكال الوصاية على اقتصاد البلدان الأعضاء، وطريقة جديدة في ممارسة سياسة التقويم الهيكلي، التي رغم التأكد من فشلها وإضرارها بالاقتصاد المغربي إلا أن حكومة بنكيران تصر على مواصلة الاعتماد عليها وبأشكال مختلفة.
وقالت المصادر إن المبلغ الإجمالي الذي رصد للمغرب يعتبر سابقة في تاريخ القروض المغربية، إذ لم يسبق للمغرب أن حصل على هذا القرض منذ ثمانينيات القرن الماضي، حين ضربت موجة الجفاف المغرب وحولته إلى بلد عجاف، حينها فرض على المغرب اعتماد سياسة التقويم الهيكلي، واتخاذ إجراءات تقشفية لا زال المغرب يعاني تبعاتها حتى الآن، ولأن حكومة بنكيران ألفت الحلول الجاهزة، فقد وجدت في هدية لاغارد المسمومة، مناسبة للتخفيف من وطأة الأزمة التي وصل إليها المغرب في أقل من ستة أشهر هي المدة التي قضاها بنكيران في تدبير الشأن العام. وقالت المصادر ذاتها إن هذا الخط الجديد الذي حصل المغرب على حق الاستفادة منه ليس سوى واحدا من المسكنات التي يلجأ إليها صندوق النقد الدولي كلما اشتدت الأزمة، كما أنه يمكن أن يطمئن الأجانب مؤقتا، لكنه لا يمكن أن يحل المشكل بشكل جذري مادامت أن أزمة المغرب هي بنيوية تتعلق بطريقة تدبير الإمكانيات المتوفرة، موضحة أن نسبة 700 في المائة تظل مرتفعة ويمكن أن تكون لها انعكاسات سلبية مستقبلا.
وحتى إن كان هذا الخط الوقائي سيطمئن المستثمرين والشركاء الماليين الأجانب وكذا وكالات التصنيف الدولية حول الآفاق الاقتصادية والمالية للمغرب ويساعد على تعبئة تمويلات خارجية في الأسواق المالية الدولية بشروط ملائمة كما تدعي الوزارة، فإن مخاطره تبقى كبيرة جدا، ويمكن أن تظهر في المدى المتوسط والبعيد.
وتبدو الصورة مقلقة إلى حد بعيد، خصوصا أن الإعلان عن دخول المغرب نادي المستفيدين من هذا الخط الإئتماني جاء مباشرة بعد الأرقام التي قدمها وزير الاقتصاد والمالية نزار البركة بشأن الوضعية الاقتصادية في البلاد، الناتجة عن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وقال البركة حينها إنه حدث تفاقم في نقص السيولة النقدية نتيجة انخفاض احتياطي العملة الأجنبية، بنحو 30 مليار درهم (نحو 3.75 مليار دولار)، مما قلص من مستوى تغطية هذا الاحتياطي لواردات السلع والخدمات إلى نحو 4 أشهر فقط، كما أن العجز التجاري ارتفع إلى قرابة 100 مليار درهم (12.5 مليار دولار) في ستة أشهر، وارتفعت فاتورة الطاقة إلى 49 مليار درهم (6.12 مليار دولار)، وقالت المصادر إن البركة كان يهيئ الفاعلين الاقتصاديين والمغاربة على العموم إلى ما هو أسوء وأن قبول المغرب بهدية المغرب، كان أمرا لا مناص منه وإلا سيدخل الاقتصاد الوطني مرحلة الغيبوبة قبل الإعلان عن وفاته سريريا.
وقبل أن تلجأ حكومة بنكيران إلى الاقتراض كان عليها أن تتساءل عمن أوصل المغرب إلى هذه الدرجة من الانهيار؟ من زرع الرعب في قلوب المستثمرين الأجانب والمغاربة؟ من جعل المستثمرين لا يقبلون على سندات بنك المغرب؟ أليست هي حكومة بنكيران؟