كم مرّة سمعنا هذا الدّعاء : اللهم نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. إلى آخر دعاء لعن النفس أو الدّعاء عليها؟ من المؤكد أنّ إصرار الخطاب الديني الشائع على إثارة مشاعر الإحساس بالذنب، لأي سبب أو-على الأرجح- بدون سبب، يُعتبر العلة الأولى لجحيم الغلو والتطرّف. لماذا؟ يشعر متلقي الخطاب الديني التأثيمي بأنّ قدَره أن يبقى إنساناً آثما يجرّ أذيال المعصية طول حياته؛ فهو مهما أنجز من أعمال بر وتقوى لن يوف للوالدين حقهما –لا سيما حين يقال له "أمّك ثم أمّك"!- قدره أن يشعر بالذنب تجاه أم تعيسة، ووالد مريض، ومجتمع متآكل، ودين "ضائع"، وكل هذا داخل بيئة ثقافية تنمي مشاعر الغيرة والغضب وتعتبرها من تمام الأخلاق ! بل عليه أن يدرك بأنه مهما زهد في غرائزه فقد حدث له أن زنى، وإن لم يزن فقد استمنى، وإن لم يستمن فقد احتلم، وإن لم يحتلم فإن العين تزني والنفس تشتهي والخيال قد يجنح إلى أفعال قوم لوط والعياذ بالله ! فلا مناص من أن يتحمل وزر طبيعته الآثمة. ثم أنه مهما سجد وركع وصام وخشع يبقى مقصراً في اعتقاده، ناقصاً في إيمانه، مذنباً في أفعاله. لذلك، إن لم تشمله الشفاعة فمصيره الدرك الأسفل من الجحيم، لا محالة ! مثل هذا الخطاب يجعل المسلم مثقلا بالذنوب غارقاً في المعاصي من رأسه إلى أخمص قدميه، إلى درجة الإصابة بالوسواس الاكتئابي أحياناً، وذلك لمجرّد أن يكون قد اقترف "زلاّت" هي في آخر المطاف من صميم الطبيعة البشرية ومن عوائد الشرط الإنساني، فلا يبقى أمامه من سبيل آخر عدا التكفير عن الإثم بالتأثيم، وعن الكفر بالتكفير، وعن الفجور بالتفجير.. وبئس المصير.