آن للدكتور الخطيب أن يرقد تحت التراب مرتاحا لأن كثيرا من أمانيه وآماله قد تحققت وصارت واقعا ملموسا. فما زلت أتذكر أنه أسر إلي رحمه الله ليلة مؤتمر حزبه في يوليوز 2008 أنه يأمل أن يعاد انتخاب الدكتور العثماني أمينا عاما للحزب، فكيف وقد أصبح الآن رئيسا للحكومة؟ كان الخطيب إذاك مريضا عليلا طريح الفراش، لم يقو على حضور أشغال المؤتمر، وكنت أول من اتصل به في ساعة متقدمة من الليل لإخباره بأن بنكيران تم انتخابه أمينا عاما خلفا للعثماني، فأجابني قائلا: "يارب تلطف"، وقد توصلت حينها بالخبر حال الإعلان عنه من أحد الصحافيين. وقد جادلت الخطيب قليلا، قائلا: "إن الحزب في طبعته الجديدة مايزال فتيا ويحتاج إلى رجل قوي كبنكيران، أتاه الله بسطة في الجرأة والصراحة والخطابة، وليس إلى أمين عام تغلب عليه لغة الخشب، ولا يقدر على حسم الأمور. وذكرته بما كان يقول عنه المقاوم مصطفى بن عثمان: "إن العثماني في قيادة الحزب مثله مثل أي سوسي صاحب متجر لا يثق في أحد، وإذا غادر دكانه لقضاء مأرب يغلقه ويأخذ معه المفتاح". لم يقتنع الخطيب بوجهة نظري واكتفى بأن قال لي: "تصبح على خير" وأنهى المكالمة.
وأذكر كذلك أنه بعد تشكيل الأمانة العامة للحزب قام أعضاؤها بزيارة الخطيب في بيته لتحيته وتقديم الأعضاء الجدد. ولما أرادوا الانصراف، قدم لهم لوحة تذكارية كهدية مكتوب عليها الآية الكريمة: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا". لأنه رحمه الله كان متخوفا من انشقاق الحزب على يد الأمين العام المنتخب بنكيران.
ولن ينكر إلا كذاب أن كثيرا من خيرة شباب الحركة الإسلامية غادروا سفينتها احتجاجا على سلوك بنكيران المتسلط. ولما كنت أسأل الخطيب عن سبب تفضيله للعثماني كان يثني على اتزانه وتأنيه وحكمته لكنه كان يؤكد لي في نفس الوقت أن فضل بنكيران وباها على البلاد كبير جدا، فهما مهندسا المشاركة السياسية للإسلاميين وبالتالي إدماج الفصيل الإسلامي في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن بنكيران كان مخطئا عندما أورد في لقائه بشباب الحزب في الوليدية، بأن الخطيب جزائري الأصل. وذلك بدون مناسبة ولا داع لذلك، حتى أن أحدا لم يفهم سبب ذلك التصريح ولمصلحة من؟ والحال أن الخطيب مغربي الأصل والمنشأ، فهو شريف إدريسي من سلالة إدريس الأول وكنزة الأمازيغية، استوطنت عائلته لفترة مدينة معسكر الجزائرية قادمة إليها من مدينة فاس. وعندما طلب الفقيه الوزير محمد الكباص من الترجمان عمر الخطيب الاستقرار في المغرب وزوجه ابنته المصون للا مريم، فلأنه كان يعرف الأصل المغربي لعائلة الخطيب. وبدوره لم يتردد عمر الخطيب في الاستجابة للدعوة والعودة من جديد لوطنه الأم.
ولاشك أن الخطيب سيزداد راحة في مثواه الأخير عندما تكتمل الأوراش الكبرى التي يجاهد في سبيلها ملك البلاد محمد السادس نصره الله. فلازلت أذكر أيضا أن الخطيب كان منشغلا بمجموعة من القضايا وكان يحرص على إبداء رأيه فيها ثم رفعها إلى السدة العالية بالله بصفته الشخصية وليس الحزبية، فقد كان رحمه الله رجلا في أمة وأمة في رجل. وقد تشرفت بتحرير جميع هذه المراسلات التي امتدت من غشت سنة 1999 إلى شتنبر سنة 2008 تاريخ وفاة الدكتور الخطيب رحمه الله.
ويمكن تلخيص محتويات هذه المراسلات الكثيرة في ثلاث نقط:
1 الدعوة إلى إقرار الجهوية الموسعة وتركيزها.
2 تقوية مؤسسة إمارة المؤمنين والعمل على مد إشعاعها عبر العالم.
3 التركيز على البعد الإفريقي للمغرب بتقوية الروابط ومد الجسور.
وعلى سبيل الختم، لا أعرف لماذا كانت تتردد في ذهني طوال ولاية بنكيران عبارة كان يرددها الخطيب كثيرا: "الدسارة على الملوك خسارة".