تكثف الأحزاب المعارضة للسلطة الحاكمة في الجزائر هذه الأيام، اتصالاتها وتجمعاتها لرصِّ الصفوف من أجل مقاطعة الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها شهر مايو 2017. وفي هذا الإطار أصدرت كتلة الأحزاب والشخصيات المقاطعة للانتخابات في الجزائر بياناً حاداً تُلي في مؤتمر صحافي، عقب اجتماع تنسيقي، أكدت فيه أن "المشاركة في هذه المهازل الانتخابية المنظمة من طرف السلطة الفعلية يتنافى كلية مع روح ونص "أرضية مزفران"، وأرضية الحريات والانتقال الديمقراطي الداعية إلى إنشاء هيئة مستقلة ودائمة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها"، ودعت الشعب إلى "عدم الانسياق وراء هذه الأوهام وهذه المسارات الانتخابية العبثية". وعبّرت الكتلة في بيانها، عن رفضها المشاركة في ما تعتبره "مسرحية سياسية للسلطة" في انتخابات مايو المقبل.
ويرى البعض أن قرار المعارضة يعتبر بمثابة تحدي للسلطات الجزائرية التي هددت بإعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية، بما يتيح سحب الاعتماد والترخيص القانوني من الأحزاب السياسية التي تقاطع الانتخابات.
للإشارة فان "أرضية مزفران" هي لائحة سياسية صدرت عن مؤتمر المعارضة انعقد في مايو 2014، وجمع أكبر عدد من القوى والشخصيات السياسية المعارضة، وتضمنت المطالبة ب"دستور توافقي ومرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات برلمانية تأسيسية، وإنشاء هيئة مستقلة تشرف على تنظيم الانتخابات". ومن بين أبرز الموقعين رئيس حزب "جيل جديد"، سفيان جيلالي، ورئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي" كريم طابو، والمرشح الرئاسي السابق علي بن واري، عن حزب "نداء الوطن"، وصالح دبوز، عن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
هذا ووصفت المجموعة السياسية الانتخابات البرلمانية المقبلة بأنها "خطوة للهروب إلى الأمام"، واعتبرت أنه "بدل الشروع الفوري في تطبيق إصلاحات عميقة تستجيب لانشغالات الشعب الجزائري في تحقيق الديمقراطية واحترام الحقوق والحريات وعصرنة الحياة السياسية، وتقوية الاقتصاد، وحماية المجتمع من كلّ آفات الفساد، وبناء دولة عادلة، يواصل النافذون في الدولة انتهاج سياسة المغالطة للتشبث بالسلطة بطرق غير شرعية لخدمة مصالحهم الضيقة، على حساب حاضر ومستقبل الشعب الجزائري المغلوب على أمره".
يذكر ان بيان المعارضة انتقد "إقدام السلطة على فرض دستورها المصادق عليه من قبل البرلمان في السابع فبراير 2016"، مشددا على أنه "في سياق هذه الظروف المقلقة المنذرة بما هو أسوأ، فرضت السلطة دستورا بإرادة منفردة، وقرّرت تنظيم انتخابات تشريعية الهدف منها استمرار الهيمنة اللاشرعية على مؤسسات الدولة، تحت غطاء ديمقراطية الواجهة، والتنافس الانتخابي الشكلي الذي لم يحقق التداول على السلطة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن".
كما أفاد البيان أن "الجزائر تمر بمرحلة من أصعب المراحل في تاريخها، صارت فيها مؤسسات الدولة مهزوزة وفي حالة فقدان كامل لمصداقيتها، وتفاقمت فيها مخاطر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة أن أصبح الوضع العام مقلقاً جداً يهدد استقرار الوطن وانسجام الأمة".
يذكر ان الانتخابات البرلمانية المقبلة قسمت المعارضة السياسية في الجزائر، ففيما تمسكت هذه الكتلة بموقفها الرافض للمشاركة في الانتخابات لاتزال عدة أحزاب معارضة عضوة في تكتل المعارضة تتأرجح بين المشاركة او المقاطعة من بينها أحزاب "حركة مجتمع السلم" و"حركة النهضة" و"حركة البناء" و"العدالة والتنمية" و"جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية".
ويرى المتتبعون للشأن السياسي بالجزائر أن تحركات الدولة من خلال إملاءات "أحزاب السلطة"، كما تسمى، وفرضها عدد من القوانين المتعلقة بالانتخابات، كقانون الانتخاب الأخير، وقانون الهيأة العليا لمراقبة الانتخابات، الذي يخدم بالدرجة الأولى أحزاب السلطة من خلال ترجيح الكفة، يجعل من خيار المقاطعة أمراً مطروحاً مما سيزيد من تفاقم الاوضاع السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.