الجزائر "مغارب كم": نسرين رمضاني بدأ العد التنازلي للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 10من شهر مايو القادم، دون أن تتحدد بعد ملامح المشهد السياسي في الجزائر، إذ يمثل التخوف من عزوف الجزائريين عن الموعد الانتخابي المقبل السمة الأكبر لهذا المشهد. وتراهن السلطة من خلال الاستحقاق تقييم بداية خطتها الإصلاحية في إطار سلسلة الإجراءات أعلن عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه للأمة يوم 15 ابريل من العام الماضي كمحاولة استباقية لتفادي نسمات الربيع العربي التي هبت على المنطقة العربية. وتبرز الأهمية التي توليها السلطة لضمان مشاركة قوية في هذه الانتخابات من خلال إعطائها بعدا غير مسبوق، وإطلاق دعوات للمواطنين الجزائريين لإقناعهم بالإقبال بقوة على صناديق الاقتراع الذي لم يتردد الرئيس بوتفليقة في وصفه بالمصيري، كما لم يتوان في خطاباته المتتالية عن دعوة الناخبين لان يكونوا على قد المسؤولية في اختيار المترشحين وان يصوتوا بكثافة تفاديا لتكرار سيناريو تشريعيات 2007 التي بلغت نسبة المشاركة الانتخابية فيها 35.5 أي أن 6.6 مليون ناخب فقط أدلوا بأصواتهم من بين 20 مليون وهي أدنى نسبة مشاركة في الجزائر منذ نيل الاستقلال. وهذا التخوف جعل الرئيس بوتفليقة، يصف الاستحقاق القادم في الخطاب الذي ألقاه ب "وهران" بمناسبة الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، بانه لا يقل أهمية عن تاريخ أول نوفمبر 54، كون "أعين العالم كلها متجهة للجزائر، مخاطبا الحضور بالقول "إذا نجحتم في هذه الانتخابات، عافاكم الله مما هو مخفي وإذا لم تنجحوا فمصداقية البلاد في الميزان". وإذا كانت المراهنة على هذا الحدث تحمل طابعا خارجيا أكثر مما هو داخلي، في سياق محاولة إقناع المتتبعين للشأن الداخلي الجزائري، بصحة النهج الذي أعلنته الدولة في إطار الاستجابة لمطلب التغيير، فان السلطة تجد نفسها بين مطرقة محاولة نيل رضا الخارج من جهة، وسندان إقناع الناخب الجزائري بان هذا الاستحقاق يختلف عن سابقيه في الوقت الذي مازال فيه المواطن متخبطا في مشاكل اجتماعية يمكن القول أنها شكلت السبب الأكبر في عزوفه عن الانتخابات السابقة. ويمكن القول ان منح السلطة الضوء الأخضر لميلاد أحزاب جديدة قبيل الانتخابات، بعد عقدين من الحظر السياسي الذي مارسته وزارة الداخلية على الراغبين في تراخيص لإنشاء أحزاب وفق ما يسمح به القانون، يدخل في سياق استحداث إطار جديد للمشهد السياسي وتغطية عجز الأحزاب المناسباتية التي بالكاد يتذكرها المواطن الجزائري في مثل هذه المواعيد . وأمام الانفتاح الذي أبدته السلطة و تأكيدها توفير كافة الضمانات من اجل سير الاقتراع، تجد الأحزاب الإسلامية في الجزائر، نفسها أمام فرصة تأكيد وجودها واستثمار نجاحات الإسلاميين عبر الأقطار العربية، وفي ظل مباركة دولية تجعلهم لا يتخوفون من تكرار سيناريو توقيف المسار الانتخابي سنة 1991 بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلولة. وعلى هذا الأساس، تسعى الشخصيات المحسوبة على هذا التيار الإسلامي إلى تنظيم صفوفها و هي "جبهة العدالة والتنمية" للشيخ عبد الله جاب الله، "جبهة التغيير" لمنسقها عبد المجيد مناصرة، "جبهة الجزائرالجديدة "لمؤسسها جمال بن عبد السلام ثم "حزب الحرية والعدالة " لرئيسه محمد السعيد. فجبهة العدالة والتنمية " التي تأسست على أنقاض حركات جاب الله السابقة، وبعض من شتات الإسلاميين، تتبنى الخطاب الراديكالي المجسد لمسار زعيمها المعارض منذ سنوات طويلة. وقد غازلت عبر الخطاب الافتتاحي لمؤتمرها الأول قاعدة الحزب المحلول، بالعزف على وتر المصالحة الوطنية التي قال الشيخ جاب الله إنها لم تكتمل بعد. أما "جبهة التغيير"التي تعتبر نفسها وريثة المبادئ التي دافع عنها الراحل محفوظ نحناح، الرئيس السابق ل"حركة مجتمع السلم" والمنشقة عن هذه الأخيرة بعد المؤتمر الرابع للحزب فقد، رفضت الإصلاحات التي فرضتها الأغلبية البرلمانية وتتبنى خطابا وسطيا يرتكز على "البراغماتية". في حين تبدو جبهة الجزائرالجديدة ،التي تقلّد مؤسسها جمال بن عبد السلام منصب الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني قبل أن يفضل الانسحاب منها، تبدو متمسكة بمرجعية الهوية الجزائرية في كل أبعادها (الإسلام، الوطنية،الأمازيغية)، وترى نفسها نموذجا جزائريا خالصا متشبعا بالمشروع النوفمبري، حيث رفض رئيسها جمال بن عبد السلام، أن يصنف ضمن تيار معين، مع أنه يصطف خلف المعارضة، إذ سبق له المبادرة بتشكيل ما أسماه "الجبهة الوطنية من أجل التغيير" ضمت شخصيات حزبية ومستقلة، تزامنا مع أحداث الربيع الربيعي. وبالنسبة لحزب "الحرية والعدالة "الذي يرأسه محمد السعيد بلعيد فقد تأسس من لدن"حركة العدل والوفاء" لصاحبها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، بعدما منعت السلطة هذا الأخير من ممارسة النشاط السياسي. و تبقى هذه التشكيلة مثيرة للجدل بين المراقبين، ففيما يعتبرها البعض من العائلة الإسلامية لوجود عناصر سابقة من التيار الإسلامي بين مناضليها، لاسيما اولئك الذين تجندوا مع الدكتور الإبراهيمي في رئاسيات 1999 حيث حظي حينها بدعم قوي من بقايا الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، يستبعد آخرون ذلك ويعتبرون رئيس الحزب محمد السعيد، واحدا من الإطارات السابقة للدولة ، تقلد العديد من المناصب الدبلوماسية. وبلا شك فان تعدد الأحزاب الإسلامية، جعل رئيس "حركة مجتمع السلم" يراهن على هذه الورقة للظفر في تشريعيات مايو القادم ، من خلال دعوته لها للتوحد، وبدا واثقا من فوز الإسلاميين على ضوء النتائج التي حققها نظراؤهم في تونس والمغرب. وفي انتظار استجابة تلك الأحزاب لدعوة رئيس حركة مجتمع السلم، وبغض النظر عن رفض "حركة العدالة و التنمية "التي يقودها، جاب الله، فإننا نتساءل عما إذا كان مفعول هذه المبادرة سيسفر عن نتيجة عكسية تتمثل في تشتيت الوعاء الإسلامي؛ انطلاقا من أن تعدد واجهات الأحزاب الإسلامية إلى هذا الحد، لن يكون في صالحها، بل ربما عمق تباعدها في ظل الاستحقاق التنافسي المفروض عليها. وفي المقابل تسعى الأحزاب التي تصنف نفسها في التيار الوطني كما هو الشان لحزبي جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني، صاحبي الأغلبية في البرلمان ، إلى التقليل من مبادرة الإسلاميين واستبعاد فوزهم وفق قناعة انها(الأحزاب الإسلامية) مازالت تفتقد هياكل قوية وكذا الإمكانيات المادية لمنافسة الأحزاب العريقة وباتالي لا تمثل ،من وجهة نظرهم ، إضافة حقيقية بالمعنى الكامل ،كونها مجرد تشكيلات قديمة جديدة، تحاول أن تتبرأ من مواقعها السابقة . ويضيفون أن قيادتها ليست معفاة من مسؤولية الإخفاق، في إشارة إلى رئيس جبهة التغيير الذي شغل منصب وزير الصناعة، وكذا جمال بن عبد السلام الذي كان نائبا بالمجلس الشعبي الوطني. وحتى عبد الله جاب الله ، فقد الكثير من بريقه، بفعل الصراعات والانشقاقات أثناء قيادته حركتي النهضة و الإصلاح أسفرت عن خروجه منهما. وربما تتخوف تتخوف السلطة من الفوز المحتمل ، دون أن تفصح عن ذلك، حيث لم تتوان في التأكيد على ان البلاد غير مستعدة للعودة الى ماسي الماضي، في إشارة الى الجبهة الاسلامية للانقاذ . وفي هذا السياق لا يستبعد متتبعون، حدوث المفاجأة لصالح الإسلاميين الذين سيعملون بذكاء على تفادي الوقوع في سيناريو الحزب المحظور الذي دخل تشريعيات 1991 بعقلية إقصائية لم تختلف عن عقلية الحزب الواحد (حزب جبهة التحرير الوطني) قبل أحداث اكتوبر 1988حيث اعتبر نفسه القوة الوحيدة في البلاد التي لا تقبل أي منافس . والمؤكد ان الأحزاب الإسلامية التي تنوي دخول استحقاقات ربيع الجزائر القادم، ستظهر نوعا من الواقعية في التعامل مع اللعبة الديمقراطية والقبول مكوناتها، في وقت لا يستبعد فيه آخرون ان تحقق نتائج متقدمة وبفارق ليس بالبسيط أمام الأحزاب الحاملة لنعت "التيار الوطني" مقل جبهة التحرير الوطني(الافلان) والتجمع الوطني الديمقراطي (الارندي) المشكلين الأغلبية في البرلمان الحالي. وبعيدا عن تضارب التحليلات، فان الأحزاب تبحث لنفسها عن مواقع متقدمة ترى أنها جديرة بها. وفي انتظار أن تسفر الصناديق عن نتائج الاقتراع ليوم 10 مايو المقبل، يبقى التنبؤ مفتوحا على شتى الاحتمالات، كما تظل هذه الانتخابات بمثابة امتحان حقيقي لمعرفة مدى قدرة الإسلاميين على فرض حضورهم السياسي من جهة، وامتحان للديمقراطيين في القبول بقواعد اللعبة السياسية حتى ولو فاز الإسلاميون. وهنا تبرز مسالة ذات أهمية بالنسبة للأحزاب التي ستشارك في الاقتراع النيابي الخامس منذ إقرار التعددية الحزبية عام 1989،الا و هي التزوير بما فيها الأحزاب السياسية الجديدة التي تم اعتمادها مؤخرا بموجب قانون الأحزاب. ولم ينفع تضمين بوتفليقة لجنة مراقبة الانتخابات، قضاة من المحكمة العليا يزيد عددهم على 300 قاض، لطمأنة الفاعلين السياسيين ومعهم مختلف هيئات المجتمع المدني، كما لم يتأخر ناشطون في حقوق الإنسان، عبر بيانات وصلت وسائل الإعلام، في التعبير عن شكوكهم في الضمانات التي تحدث عنها بوتفليقة، بدعوى أن القضاة الذين يشكلون غالبية أعضاء لجنة مراقبة الانتخابات هم مثل أعوان الإدارة تعينهم السلطة. إلى ذلك ، ألقت افرازات الربيع العربي، بظلالها على الأحزاب التي لم يتردد بعضها في تبادل التهم و كأنها حملة انتخابية سابقة لأوانها، وصلت حد المطالبة بتدخل الدولة في مراقبة تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب الإسلامية. وتفتح بعض الأحزاب التي تصنّف نفسها ب "جمهورية ولائكية وديمقراطية" النار على جهات أجنبية تتهمها بتمويل الأحزاب الإسلامية ، في اشارة الى إمارة "قطر" والولايات المتحدةالأمريكية. وفي هذا الصدد وجهت الأمينة العامة ل"حزب العمال" لويزة حنون، المرشحة السابقة لرئاسيات 2004 ، اتهامات صريحة لدولة قطر ، متسائلة عن الدور الذي تريد أن تلعبه في الاستحقاقات المقبلة؟ وشدّدت "لويزة "اللهجة حيال قطر، معتبرة إياها ب "أداة حرب في يد الإدارة الأمريكية" وأنها تسعى إلى التأثير في الجزائر وأن ما قامت به في تونس من خلال تمويلها حملات المترشحين، لا يجب أن يتكرر في الجزائر. ويمكن القول إن أكثر ما يشغل بال المعنيين بالعملية الانتخابية هو ضمان تصويت كثيف في انتخابات تراها السلطة بمثابة امتحان صعب يتوجب اجتيازه، مما دفعها الى استعمال كافة الوسائل لإقناع الناخبين بأهميته وذلك ببعث رسائل هاتفية تذكر الناخبين بان الانتخاب "فعل مواطنة ومسؤولية" عكس الرسالة القديمة التي خاطبت الجزائريين عند اقتراب موعد أي اقتراع ''الانتخاب حق وواجب" بينما لم يرد في الدساتير التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال إلى دستور 2002، أن الانتخاب واجب على المواطن؛ وإلا اعتبرت دعوة البعض إلى المقاطعة، كما فعل حزب التجمع من اجل الثقافة و الديمقراطية (الآرسيدي) ويفعل اليوم، وكما فعل الأفافاس، في انتخابات سابقة، خروجا عن القانون وخرقا للدستور. الانتخاب حق للمواطن إن شاء أخذه وإن شاء تركه، بل وصل الأمر الى حد الترخيص للمساجد بإلقاء خطب توعية بشأن الحدث الذي كثيرا ما أوقع السلطة في حرج بسبب ضعف المشاركة، ما جعلها تبحث عن مبررات لتفسير العزوف والقول بأنه لا يعني الجزائر لوحدها بل يطال الدول المتطورة. وللتذكير فقد اجتهد وزير الداخلية السابق نور الدين يزيد زرهوني، واوجد مبررات لها علاقة بالطقس والقول إن عزوف المواطنين عن التوجه إلى مراكز الاقتراع، حدث بسبب هطول الإمطار.