تشكل المدينة الخضراء محمد السادس ببنجرير مشروعا استراتيجيا ومتكاملا أنجز في إطار رؤية ملكية تروم الارتقاء بجودة التعليم العالي بمواصفات عالمية يضمن توفير عنصر بشري مؤهل وكفء منفتح على تخصصات متعددة تتماشى ومتطلبات سوق الشغل وعالم المقاولة. وتعتبر هذه الحاضرة التي يندرج إنجازها في إطار المشاريع الاستراتيجية للمجمع الشريف للفوسفاط، مركزا جامعيا بمواصفات عالمية يقدم طريقة استثنائية للعيش وفق نظام معرفي صديق للبيئة، إسهاما في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويعكس هذا المشروع الطموح والضخم، الأول من نوعه بالقارة الإفريقية، اليقين الراسخ لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بكون تحقيق التقدم والرقي ونجاح الأوراش التنموية الكبرى المفتوحة بالمملكة لا يتأتى إلا من خلال عنصر بشري مؤهل ومكون تكوينا علميا وتقنيا يجعله قادرا على مواكبة الطفرة النوعية وغير المسبوقة التي يشهدها عالم اليوم في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية وغيرها.
وتوفر المدينة الخضراء، التي يشكل إنجازها دفعة قوية جديدة لفائدة مشروع ضخم يمزج بين الحداثة والتنمية المستدامة، بنيات تحتية ملائمة وفضاء إيكولوجيا وحياة اجتماعية منظمة وإطارا كفيلا بتحقيق العيش الرغيد، إضافة إلى التنوع والإشعاع الاجتماعي والثقافي لسكانه.
وتبرز هذه المدينة ضمن مركز محوري يتمثل في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية٬ التي دشنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس اليوم الخميس، وهي مؤسسة للتعليم العالي ذات بعد دولي، تشكل القلب النابض للمدينة الخضراء محمد السادس وقاطرة التنمية الأساسية بها.
وتسعى هذه الجامعة، المرتكزة على البحث التطبيقي والابتكار وروح المقاولة بناء على مقاربة تشاركية، إلى أن تشكل أرضية للابتكار لتكوين الأجيال المستقبلية من الباحثين والمقاولين وأصحاب القرار الأفارقة مع إعمال مبدأ المساواة والاستحقاق.
ومن خلال انفتاحها على عالم الاقتصاد، تتوخى جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية جعل المغرب أرضية عالمية للبحث والابتكار تستجيب للتحديات والرهانات الكبرى التي تواجه القارة الافريقية والتي تعد من أولويات هذه الجامعة، في سبيل تحقيق التنمية المستدامة بالقارة .
ويأتي إحداث هذه الجامعة المسؤولة والمواطنة التي تفتح ذراعيها للطلبة على أساس الاستحقاق والتميز الأكاديمي، ليضفي دينامية على النظام التعليمي والمعرفي الوطني وتعزيز إشعاعه من خلال نسج علاقات وطيدة مع مختلف الأطراف المعنية، حتى ترتقي إلى مصاف مؤسسات التعليم العالي العالمية عبر إبرام شراكات أكاديمية متعددة الأشكال.
كما تروم الجامعة الاسهام في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي بإفريقيا من خلال تعزيز علاقاتها مع النسيج الجامعي بالقارة السمراء ولاسيما في مجال التكوين في سلك الدكتوراة، ووضع أنشطة علمية مشتركة ومشاريع بحثية، إلى جانب تقاسم المعطيات الموثقة.
وتواكب جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، أيضا، الباحثين خلال مسار تفعيل برامجهم ومشاريعهم البحثية عبر تمكينهم من الولوج للبنيات التحتية من قبيل المختبرات والمواقع المخصصة للبحوث التطبيقية التابعة للجامعة والتي تتيح للباحثين بالجامعات الشريكة القيام بتجريب بحوثهم في مجالات حيوية على أرض الواقع.
وترتبط هذه المؤسسة الجامعية، التي تشكل جيلا جديدا من الجامعات، بشبكة وطنية حيث تتوفر على مراكز تابعة لها بكل من الدارالبيضاء (أفريكا بيزنيس سكول) والجديدة وأسفي والعيون، في حين تحتضن الرباط كلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية. ولم يأتي إحداث هذه البنية المتكاملة الجوانب من فراغ، بل أملته المكانة التي أصبحت تحتلها المملكة على الساحة الدولية باعتبارها بوابة رئيسية نحو افريقيا والعالم العربي، حيث أضحت في السنوات الأخيرة محط اهتمام عدد من الفاعلين الاقتصاديين العالميين وكبريات الشركات الصناعية التي قررت فتح فروع لها بالمغرب وهو ما أملى ضرورة التفكير في توفير عنصر بشري مكون تكوينا متطورا يتماشى مع متطلبات النسيج الصناعي ويستجيب لحاجيات سوق الشغل.
وتقوم هذه المؤسسة ٬ التي توفر تكوينا ذي مستوى عال، على ركائز محورية،٬ تتمثل في التعليم والبحث والتطوير ونقل التكنولوجيات واحتضان المشاريع الخلاقة والواعدة والقرب من عالم المقاولة.
ومن شأن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية أن تضطلع بدور رئيسي في خلق المبادرات الصناعية الوطنية نظرا لبرامجها التعليمية المتميزة ومساهمتها في برامج البحث والتطوير.
وتضم هذه الجامعة، التي تسخر موارد بشرية ومادية هامة لتمكين الطلبة من استيعاب أفضل للعالم المعولم الذي يعيشون فيه وتيسير ولوجهم للثقافات الأجنبية، عددا من المدارس التي تقدم تخصصات مختلفة (التدبير الصناعي، الهندسة، الفلاحة، الأمن الغذائي، التكنولوجيات الخضراء والتنمية المستدامة، التعمير والهندسة المعمارية، الأعمال والتدبير، الحكامة والإدارة العمومية ثم علوم الصحة).
وسعيا منها لتقوية إشعاعها على المستوى الدولي، استقدمت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية أساتذة وباحثين مرموقين مغاربة وأجانب، بحيث سيشكلون، بالنظر إلى تكامل كفاءاتهم وخبراتهم وتنوع جنسياتهم، شبكة حقيقية للمعرفة والعلم.
ويستفيد الأساتذة الباحثون من إطار عيش يجمع بين مزايا الحداثة والأصالة، وذلك من خلال تشييد حي سكني على مساحة 23 هكتار يتضمن على الخصوص، حوالي مائة فيلا ومستشفى ومراكز للترفيه ومحلات تجارية للقرب.
ويبقى مجال الطاقات المتجددة والنظيفة حاضرا بشكل بارز ضمن مكونات هذه الحاضرة باعتباره خيارا استراتيجيا بالنسبة للمغرب للوفاء بالتزاماته الدولية في مجال المحافظة على البيئة ومكافحة التغيرات المناخية، ويتجلى ذلك من خلال إحداث مركز الطاقة الخضراء الذي .دشنه جلالة الملك بذات المناسبة.
ويعتبر مركز الطاقة الخضراء، الذي تم تطويره من قبل معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة بدعم من وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، منصة علمية للبحث والاختبار والتكوين في مجال الطاقة الشمسية الأولى من نوعها بالقارة الافريقية.
كما يشكل نموذجا فريدا من نوعه يتيح خلق الانسجام وتقاسم البنية التحتية للبحث من أجل تحقيق التميز، من جهة، واكتساب المعرفة والمهارات من مختلف الشركاء من جامعات وشركات صناعية من جهة أخرى.
وفضلا عن الجانب البيداغوجي والجامعي، تم بذل جهد خاص على مستوى الخيارات الهندسية والمعمارية والجمالية للحاضرة الجديدة وذلك لضمان التكامل والتناغم بين جميع مكونات هذا المشروع الذي يشرف عليه المجمع الشريف للفوسفاط.
وفي هذا الإطار، ومن أجل ضمان الترابط والتكامل بين المدينة الخضراء محمد السادس ومدينة بن جرير، أقيم حزام أخضر يمتد على طول أربع كيلومترات٬ ويضم حوالي 50000 شجرة على مساحة 80 هكتارا ليشكل في الآن ذاته متنفسا إيكولوجيا وإطارا حضريا للمدينة الجديدة.