تليكسبريس- محمد بوداري يظهر أن حزب العدالة والتنمية القابض بزمام الأمور في بلادنا سوف يجد حرجا كبيرا في التعامل مع الدعوة التي أطلقها بعض الشباب المغاربة، للإفطار العلني في رمضان، وذلك عبر صفحة على الفايسبوك أطلقوا عليها "حركة ما صايمينش 2012".
وتضمنت صفحة "وكّالين رمضان" كما سماهم البعض على الشبكة العنكبوتية، نقاشات بعضها يصب في خانة التخوين والتكفير فيما انبرى البعض الآخر للدفاع عن حرية المعتقد والحق في الإفطار واقترح بعض أعضاء المجموعة تنظيم خرجات واحتجاجات رمزية وذلك باستعمال مأكولات بلاستيكية وتمثيل بعض المواقف التي تظهرهم يفطرون علنا في رمضان للالتفاف على مقتضيات الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي الذي يعاقب على الأكل العلني في شهر رمضان، والذي ينص على أن "كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة من 12 إلى 120 درهما".
وفي تعليق له على صفحة "الحركة"، قال النائب البرلماني عن حزب العالة والتنمية، خالد بوقرعي، أن حركة "ماصايمينش2012" صادرة عن قلة قليلة تريد جر المجتمع إلى نقاشات هامشية وصرف المغاربة عن قضاياهم الحقيقية، لاختبار نفسها في "الوهم" قبل الخروج إلى الشارع واصطدامها مع "أمر الواقع".
يذكر أن حركة مماثلة كانت رأت النور سنة 2010، حيث قامت كل من زينب لغزاوي (صحافية) وابتسام لشگر (طبيبة نفسية بإنشاء "صفة" على ال"فيسبوك" أطلقتا عليها اسم "الحركة البديلة للدفاع عن الحقوق الفردية" (مالي)، وكان من بين أهدافها آنذاك التعبير على أن "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين" أي "الحق في حرية تغيير ديانته أو عقيدته".
كما وضعت حركة "مالي" على رأس أولوياتها الدفاع عن ثلاثة أصناف من الحريات الفردية: الصنف الأول يتعلق بالحريات الشخصية ويتضمن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وتجريم التعذيب، والصنف الثاني الدفاع عن حرية التفكير والضمير والدين أما المستوى الثالث فهو الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.
وكانت شبيبة العدالة والتنمية انتقدت بشدة إقدام أعضاء من حركة "مالي" على محاولة تنظيم غداء جماعي، خلال شهر رمضان 2010، بإحدى غابات المحمدية.
ووصفت الشبيبة، عناصر "مالي حينها ب "شرذمة من المتنصلين من قيمنا الحضرية " مستنكرة بشدة ما أقدم عليه هؤلاء "المغتربين الموالين لأجندة حاقدة لجهات أجنبية على انتهاك حرمات رمضان بالمجاهرة بالإفطار نهارا وبمكان عمومي، في تحد سافر للدين والقانون وفي استفزاز مقيت للمشاعر الدينية للمغاربة ، مدعين أن ذلك من مقتضيات الحريات الخاصة الفردية " حسب بيان لشبيبة العدالة والتنمية إبّان ذلك.
وطالبت الدولة والجهاز القضائي في ذات البيان ب"التصدي الصارم لمثل هذه الممارسات الشاذة " ودعت الأحزاب والمنظمات الشبابية والجمعيات الحقوقية والمجتمع المدني والمجالس العلمية إلى "التصدي لمثل هذه الظواهر الخطيرة المهددة للتماسك الاجتماعي والهوية الحضارية للمغاربة ".
كما دعا البيان المغاربة إلى "المزيد من التمسك بدينهم، والحرص على صون مقدساتهم، وكشف العملاء والدخلاء المأجورين والوقوف في وجههم والتصدي لهم ".
والآن وبعد أن أصبحت السلطة التنفيذية في يد العدالة والتنمية وبعد أن أصبح الحزب يتبوأ الصدارة في مجلس النواب ويشرف على وزارة العدل.. هل سيتحقق مبتغى الشبيبة التي عبرت عنه في ظل حكومة الفاسي، وكيف سيتصرف حزب العدالة والتنمية الذي سيجد نفسه محاصرا بين مطرقة مرجعيته الدينية التي لا تسمح لهكذا ممارسات وبين القوانين والأعراف الحقوقية كما هي متعارف عليها دوليا وكما جاءت في ديباجة الدستور الجديد، والتي يتشبث بها شباب "ماصايمينش 2012" في دعوتهم هذه.
وبالاستناد إلى أسمى قوانين المملكة، فقد جاء في ديباجة دستور 2011، أن المملكة المغربية "تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.."
كما أن الفصل الثالث من الدستور يقر بأن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية."
وبخصوص طبيعة الإسلام الذي تحدث عنه هذا الفصل فهو الدين الإسلامي "السّمح"، إذ جاء في الفقرة الثالثة من الفصل الأول القول "تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي".
ويرى بعض الفقهاء وبعض المختصين أن قول الدستور بأن الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية هو بمثابة اعتراف لكل مواطن بحريته في الاعتقاد مادام الدين هنا جاء في صيغة مطلقة، وبالتالي فإن لكل مواطن الحق بإقامة شعائره الدينية، دون انتقاد أو استهزاء، أو تخويف أو تهديد، ما دام الإسلام الذي هو دين الدولة، يؤكد على حق ممارسة الشعائر الدينية.
فحرية الاعتقاد يقصد بها اختيار الإنسان لدين يريده بيقين، و عقيدة يرتضيها عن قناعة، دون أن يكرهه شخص آخر على ذلك. إذ أن الإكراه يفسد اختيار الإنسان، و يجعل المكره مسلوب الإرادة، فينتفي بذلك رضاه و اقتناعه و قد جاء في قوله تعالى : "لا إكراه في الدين "، كما أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته، و أقر أن الفكر و الاعتقاد لا بد أن يتسم بالحرية، وأن أي إجبار للإنسان، أو تخويفه، أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكره باطل و مرفوض، لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب، و لا يثبتها في الضمير ومن ثم نزلت الآية الكريمة حيث قال تعالى : "و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " و قال أيضاً "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر " كل هذه الآيات و غيرها، تنفي الإكراه في الدين، و تثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به.
إلا أن المختصين يرون أن الدستور الجديد حمّال لكثير من التأويلات وخاصة في الشق المتعلق بالحريات وكذا إشكالية الهوية والمرجعية الحقوقية ..
فهل سينجح إخوان بنكيران في تنزيل مقتضيات الدستور بشكل سليم في هذا الباب كما ينادون بذلك في كل مناسبة وحين.