الدعاية التي سبقت عرض البرنامج الذي أنجزته فرانس 3 حول المغرب وخصوصا النظام الملكي، صورت القضية على أن البرنامج سيكون تاريخيا، لكن كما يقال تمخض الجبل فولد فأرا. وتبين أن البرنامج مجرد مغسلة لتبييض وجوه اسودت من كثرة الصيد في الماء العكر، وتبين أن من أوحى بالفكرة يريد تصفية حسابات مع المغرب لكنها بسيطة جدا، مثل من يطلق رصاصة فارغة وينتظر إصابة الخصم. وعكس ما عهدنا في الإعلام الفرنسي، الذي كان ينسب كل شيء عن المغرب لمصادر مجهولة، اليوم فضح تلك المصادر، التي لا تتوفر على معلومات وإنما تمتلئ كراهية للمغرب، الذي لا يعتبر بالنسبة إليها سوى مكانا لجمع المال، ويوم استقبلت فرانس 24 أحمد رضى بنشمسي للحديث عن التقرير الأمريكي حول حقوق الإنسان كان يتكلم كغريب عن هذه البلاد وهو فعلا كذلك.
شكلا يمكن الحديث عن تعرية مصادر الإعلام الفرنسي بخصوص المغرب، وهي نماذج تتوزع بين من أراد السلطة أو جزءا منها، ومن هو متهرب ضريبيا ضدا على القوانين، وبين صحفيين فشلوا في إدارة مشاريع كانت تدر الملايين، ولما انتهى دورهم في الابتزاز رحلوا زاعمين أنهم ذهبوا للمنفى. ومضمونا أعاد تلك الأسطوانة التي ردد كثيرون منذ عهد جيل بيرو وإلى الآن حول الحكم في المغرب والنموذج الاقتصادي التنموي الناهض.
ولأن الإعلام الفرنسي انتهى عهده فقد جاء البرنامج على شكل مونولوغ لأعداء المغرب، فالموضوعية تقتضي الرأي والرأي الآخر، لكن البرنامج، تم رسم هدفه وهو ألا يخرج عن تلميع صورة مجموعة من المنحرفين والمتهربين والمبتزين، حيث بدأ بزعيم ثورة الكمون وعرج على كريم التازي، المليار الثوري المتهرب من الضرائب والذي يحتجز العمال في أقفاص خارج المعايير الإنسانية الدولية للعمل، والصحافيان المفترسان إريك لوران وكاترين غراسييه، اللذين ابتزا المغرب وتم ضبطهما في حالة التلبس، والجامعي، الذي نهب حقوق العاملين معه حيث لم يؤد واجبات الضمان الاجتماعي والتقاعد التي كان يقتطعها للعاملين معه.
وأظهر البرنامج نزوعا نحو الاستعلاء وعدم الرضا على توجهات المغرب الاقتصادية، التي تتميز حاليا بالانفتاح على اقتصادات العالم، بينما اللوبي الكولونيالي لا يستسيغ طرد الشركات الاستعمارية الفرنسية ومغربة رأسمال العديد من الشركات.
كل من شاهد البرنامج يخرج بخلاصة مفادها أنه مجرد صباغة منتهية الصلاحية لوجوه خسرت مشاريعها السياسية، التي كانت تعول على خروج الشباب للشارع، والتي لم يرضيها الاستجابة الملكية السريعة لمطالب الشعب.
ضيوف البرنامج من المغاربة كانوا في حالة بئيسة جدا، يرثى لحالهم ومآلهم، فقد كانوا يتنافسون فيمن يكون متقدما في الوشاية لفرنسا علها ترضى عنه لقضاء حاجته، فجاءت تدخلاتهم جميعا في صيغة واحدة هو أن المغرب أسود في أسود، وكم من صاحب عيون لا بصيرة له، بينما الفرنسي جاك لانغ أنصف المغرب، وفي حوالي ساعة من عمر البرنامج تم منحه دقيقتين وهو الرأي الوحيد المخالف.
برنامج فرانس 3 تافه من حيث طريقة إنتاجه وإخراجه، لكنه من حيث أخلاقيات المهنة ضرب الصحافة في مقتل وحولها من بحث عن الحقيقة إلى "غسالة" أوساخ.