بالموازاة مع العلاقات السياسية والدبلوماسية المتينة، شهدت علاقات التعاون الاقتصادي القائمة بين المملكة المغربية ودول مجلس التعاون الخليجي طفرة نوعية خلال السنوات الأخيرة، والتي يشهد عليها الارتفاع المضطرد في حجم الاستثمارات والتبادل التجاري القائم بين الطرفين. فبفضل علاقات الأخوة التي تجمع صاحب الجلالة الملك محمد السادس وقادة بلدان دول الخليج، وعلى ضوء الإصلاحات والأوراش الاقتصادية الوازنة التي ينفذها المغرب في مختلف المجالات، أضحت المملكة وجهة مفضلة للاستثمارات الخليجية بحكم الأرضية الاقتصادية الملائمة والمناخ الاستثماري الواعد.
وهكذا وإلى جانب مناخ الاستثمار الإيجابي السائد في المغرب، والذي يتيح إمكانيات هامة لا تقتصر فقط على القطاعات التقليدية كالفلاحة والصيد البحري والنسيج والسياحة٬ فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة، ومجموع اتفاقيات التبادل الحر التي وقعتها خلال الآونة الأخيرة مع عدد من الدول٬ يفتح أمام كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت وقطر ومملكة البحرين وسلطنة عمان بوابة سوق ضخمة يفوق تعدادها مليار مستهلك في أزيد من 60 بلدا .
وفي الواقع٬ فإن التبادل التجاري بين المملكة المغربية ودول مجلس التعاون الخليجي يعد ترجمة للطموح المشترك في بلوغ شراكة اقتصادية حقيقية ترقى إلى جودة ومتانة علاقات الأخوة القوية التي تجمع بينهما، حيث أن الاستثمارات الخليجية المباشرة في المغرب يرتقب أن ترتفع، حسب اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي، من 5 مليارات دولار حاليا إلى 120 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
ومن بين أبرز الأمثلة على الاهتمام الخاص الذي توليه دول الخليج للمغرب حصول المملكة، مؤخرا، على منحة من المملكة العربية السعودية على شكل هبة لا تسترد، بمقتضى ثلاث اتفاقيات تمويل تصل قيمتها الإجمالية إلى 230 مليون دولار، والمنحة المقدمة من طرف دولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 1,25 مليار دولار في إطار المنحة الخليجية التي تبلغ 5 ملايير دولار على مدى خمس سنوات .
وقد شهدت العلاقات الاقتصادية الخليجية- المغربية نقلة نوعية خلال السنوات العشر الماضية، بعد أن بات المغرب يشكل وجهة استثمارية جذابة للمستثمرين العرب والخليجيين، لاسيما في قطاع العقار والسياحة، وذلك على ضوء الإصلاحات الاقتصادية النوعية التي اتخذتها الحكومة المغربية لدعم الاستثمار وتحفيز المستثمرين.
وتقترح الأرضية الاستثمارية المغربية إمكانيات كثيرة على الرأسمال الخليجي٬ فهي تشمل قطاعات متنوعة وواعدة في الوقت نفسه٬ من قبيل التكنولوجيات الحديثة والصناعات الغذائية والكيماوية وصناعة الأدوية والسيارات والطيران والطاقات المتجددة٬ إذ بوسع المغرب أن يشكل بوابة لدول الخليج العربي نحو إفريقيا وأوروبا٬ كما يمكن لدول المجلس أن تشكل جسرا حقيقيا لمنتوجات المغرب نحو بلدان الخليج وآسيا .
والأكيد أن الاستراتيجيات القطاعية الواعدة التي انخرط المغرب في تفعيلها خلال السنوات الأخيرة، من قبيل مخطط الإقلاع الصناعي ومخطط المغرب الأخضر والمغرب الرقمي والمخطط الأزرق ومخطط أليوتيس واستراتيجية الطاقات المتجددة٬ إلى جانب اتفاقية التبادل الحر التي تجمعه مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، والوضع المتقدم المخول له من طرف الاتحاد الأوروبي٬ تشكل محفزات موضوعية لجذب الاستثمارات الخليجية وتعزيز حضورها في السوق المغربية .
ومن بين المجالات التي عادة ما تستأثر باهتمام المستثمرين الخليجيين٬ السياحة والصناعات الغذائية وصناعة الأثاث والبناء والأشغال العمومية والفلاحة٬ والصناعة الميكانيكية والإلكترونية والصيدلة والخدمات المصرفية والمالية والاستشارة في الاستثمارات والتجارة الدولية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسلامة الإلكترونية والطاقات المتجددة٬ بما يعكس الاهتمامات المتنوعة للمستثمر الخليجي .
ورغم كل النقائص التي تحول دون النمو المنشود للاستثمارات الخليجية في المغرب٬ فإن هذا الأخير يظل السوق الأكثر جذبا لهذه الاستثمارات على مستوى المنطقة المغاربية٬ الأمر الذي يتجسد في مختلف الوحدات الإنتاجية الخليجية العاملة بالمغرب في قطاعات مختلفة إلى جانب الكثير من المقاولات .
والأكيد أن نمو العلاقات الاقتصادية التي تجمع بين المملكة المغربية ودول مجلس التعاون الخليجي تجد سندها في العلاقات الثنائية المتينة والعريقة، وكذا تماثل الرؤى ووجهات النظر حيال العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، مما يوفر الأرضية المواتية لبلوغ شراكة عربية نموذجية بجميع المقاييس .