بعد حادث الاعتداء على فتاتين بانزكان وتعنيف مواطن "مثلي" بفاس العام المنصرم، واقتحام منزل بمدينة بني ملال الاسبوع الماضي قصد الاعتداء على مثلييْن، تداول نشطاء مغاربة، على مواقع التواصل الاجتماعي، شريط فيديو يظهر حادث هجوم العشرات من الأشخاص على مسكن قيل إنه ل"عرافة" بحي وادي الذهب العيايدة بسلا، في محاولة لاقتحامه و"القصاص" من هذه المواطنة لا لشيء سوى أن هذا المعتدين يعتقدون أن "الشوافة" استهدفت احد شباب الحي من خلال طقوس سحرية.. وجاء في تقديم الشريط، الذي نشر على موقع اليوتوب يوم 31 مارس المنصرم، أن سبب كل هذا الهجوم الخطير، الذي ليس له أي مسوغ قانوني ولا أخلاقي ،هو "امراة مشعوذة في الواد اغلقت فم قط بالخيط وداخل فم القط صورة شاب وتجمع الناس ينادون لله اكبر و بعد غفلة تم اقتحام منزل العجوز.."
القضية إذن فيها اعتقاد بالسحر و"تكبير" ومحاولة للاقتصاص من "الشوافة"، وكلها أفعال وسلوكيات تدل على أن فئات عريضة من مجتمعنا لاتزال تعيش على إيقاع الزمن القروسطوي وليس بينها وبين دولة المؤسسات إلا الخير والإحسان..
هؤلاء الرعاع الذين هبوا ل"القصاص" من مواطنة وتنفيذ "شرع ايديهم" فيها، كما نقول في المغرب، بدعوى ارتكابها أفعال سحرية، ليس من حقهم تنصيب أنفسهم قضاة ولا يحق لهم تقمص أدوار سلطات ينظمها القانون في المجتمع..
إن الصراخ بالتكبير الجماعي خلال محاولة اقتحام منزل "المتهمة بالسحر"، ينم عن نوعية الأفكار التي يحملها هؤلاء الشباب والتي تفصح عن ميولات متطرفة لا نجدها إلا في فكر وسلوكيات الجماعات المتطرفة التي بلغت ذروتها مع الأفعال الهمجية للدواعش..
كما أن هذا الحادث المأساوي، يكشف أن فئات عريضة من المغاربة لاتزال تؤمن بالسحر والشعوذة بغض النظر عن المستوى التعليمي أو الانتماء "الطبقي"، كما أن هذا الحادث يعري عن نوعية ومحتوى البرامج التي ندرسها في بلادنا وما وصل إليه المغرب من درك أسفل على مستوى التعليم، وهؤلاء الرعاع دليلنا على ذلك لأن المتمعن في وجوههم وهيئاتهم سيكتشف أن الأمر يتعلق بتلاميذ خرج أغلبهم لتوهم من فصول الدراسة وهو ما تؤكده المحفظات المدرسية التي يحملونها على ظهورهم..
في المجتمعات المتحضرة، التي تحتكم إلى القانون ودولة المؤسسات، لا يحقّ لأحدٍ أن ينصّب نفسه قاضياً أو مشرّعاً أو منفّذاً للقانون مهما بلغت خطورة الأفعال المقترفة ولو توفرت الأدلة القاطعة على تلك الأفعال المُجَرّمة.
وسبق لعبد الإله بنكيران أن عبر عن رفض الحكومة لمثل هذه الانزلاقات، حيث قال في مجلس للحكومة المنعقد يوم 02 يوليوز 2015، إن "أي مواطن يتخيل أو يتصور أن شيئا ما هو خارج القانون فما عليه إلا الاتصال برجال السلطة" مضيفا أن "هذا الأمر مرفوض في الدولة المغربية، وهو أمر لن نقبل به ..والسلطة حريصة على أن لا يكون لها شريك في تنفيذ القانون والدفاع عن الأخلاق العامة، وتطبيق القانون الذي يظل من اختصاصها وحدها".
كما أن وزارتي الداخلية والعدل والحريات أصدرتا بيانا مشتركا، في يوليوز المنصرم، على إثر حادثة التنكيل ب"مثلي" فاس، أكدتا من خلاله على "أن أي فعل أو إجراء بديل للعدالة والقانون، يقدم على ارتكابه شخص أو مجموعة من الأشخاص يعتبر غير قانوني وأنه ستتم مقاضاة أي شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يسعون إلى تطبيق العدالة بأنفسهم وفقا للقوانين المنصوص عليه".
إن الأفعال التي أقدم عليها هؤلاء الرعاع، من خلال اقتحام مَرأَب المنزل، الذي تقطن به هذه المواطنة بسلا، والعبث بكل محتوياته ورشق البيت بالحجارة والعصي وتكسير الباب وإزالة الشبابيك الحديدية للنوافذ، بعد أن عجزوا عن فتح الباب..تعتبر في حكم الأفعال الإجرامية التي يعاقب عليها القانون، فضلا عن كونها تعبر عن ظاهرة أضحت منتشرة في السنين الأخيرة في مجتمعنا والمتمثلة في "القصاص" الذي يحاول البعض تنفيذه في بعض المواطنين، سواء ارتكبوا أفعال إجرامية أو لمجرد اختلافهم معهم، وهي ظاهرة تنم عن مدى تحكم الفكر الاسلاموي المتطرف في عقول فئات عريضة من المجتمع وثقافة بئيسة تلزم معالجتها بكل الوسائل الأمنية والتعليمية والتثقيفية وتفعيل الترسانة القانونية المؤطرة لهذه الظواهر، لان العبرة في تطبيق و"تنزيل" هذه القوانين وليس في تشريعها، إذ ان التجربة أكدت لاجدوى القوانين في غياب تفعيلها، حتى ولو كانت أرقى ما يوجد في الكون أو تم استيرادها من الدول الاسكندينافية..