بعد مبايعة تنظيم «أنصار الشريعة» ل«الدولة الإسلامية» (داعش)، تشير أغلبية التقارير إلى أن التنظيم في كل من تونس وليبيا يخططان للعمل بالإنابة لفائدة مشروع إقامة الخلافة الذي يقوده الخليفة «الداعشي» أبو بكر البغدادي. وكشفت تقارير أمنية تونسية، وفق ما أورد مركز المسبار الذي يوجد مقره بدبي، أن أمير جماعة أنصار الشريعة التونسية، سيف الله بن حسين، الملقب ب«أبي عياض»، أشرف على سلسلة اجتماعات مع قيادات «داعش» التونسيين والليبيين، العائدين من سوريا، بحضور قيادات من جماعة أنصار الشريعة الليبية، لتأسيس ما يسمى ب«دامس» في المغرب العربي.
وحذر الخبير الأمني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، توماس ساندرسون، من أن نفوذ «داعش» يهدد دول شمال أفريقيا، في إشارة إلى تشكيل التنظيم الجديد على غرار تنظيم دولة الإسلام في الشام والعراق.
وقال ساندرسون: «إن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تحاول تجنيد مقاتلين في أكثر من (80) بلداً في جميع أنحاء العالم، محذراً بأن التهديد يمس بالدرجة الأولى الجزائر، وتونس وليبيا، ودول الساحل الصحراوي». وحسب مصادر أمنية تونسية متطابقة، فقد اجتمعت في منطقة درنة الليبية في مناسبات عدة، قيادات من «داعش» وأخرى من أنصار الشريعة بشقيه الليبي والتونسي، بهدف تأسيس جماعة «داعشية» مغاربية.
ونقلت تقارير إعلامية تونسية أن الأجهزة الأمنية، توصلت إلى معلومات موثوقة تؤكد أن كلا من أمير جماعة أنصار الشريعة التونسية سيف الله بن حسين، الملقب ب«أبي عياض»، وأبي بكر الحكيم القيادي السابق في «الجماعة الليبية المقاتلة»، أشرفا في ليبيا، على سلسلة الاجتماعات مع قيادات داعش، بحضور نظرائهم من جماعة أنصار الشريعة الليبية، حيث تركزت الاجتماعات حول تأسيس جماعة واحدة تحمل اسم «الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي» تحت مسمى «دامس»، تعمل تحت إمرة «داعش» الأم، وتكون مهمتها الأولى توحيد مختلف الجماعات الجهادية في بلدان المغرب العربي، على أن يكون مركز القيادة في ليبيا. ويتوقع مراقبون أن يعلن تنظيم الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي «دامس» قريبا.
وأفادت تقارير إخبارية، أن أبا عياض التونسي يلعب دوراً محورياً في التواصل مع قياديي «داعش» لتشكيل قيادة موحدة للجماعة الإسلامية. يشار إلى أن تنظيم أنصار الشريعة في تونس نشر في يونيو الماضي، رسالة منسوبة لأبي عياض زعيم التنظيم أشاد فيها بما قال إنها: «بطولات المجاهدين بالعراق»، داعياً إلى حوار توافقي بين «الفصائل الجهادية».
وجاء في الرسالة التي عنونت ب«من وحي فتوحات العراق»: «ندعو كل المتعاطفين ومشايخ وجنود التيار الجهادي إلى حُسن استغلال هذه «الفتوحات» في «تقريب وجهات النظر بين جميع الفصائل الجهادية التي تقاتل إعلاءً لكلمة التوحيد وسعيًا لتمكين الشريعة الإسلامية من أن تسود الأرض». وتأكيدًا لولائه لتنظيم القاعدة، دعا أبو عياض، أيمن الظواهري وأبا محمد الجولاني، إلى «أن يُعجّلا بمباركة تلك الفتوحات وما منّ الله به على إخوانهم في الدولة الإسلامية في العراق والشام، والفصائل الجهادية والعشائر السنية، وأن يثمر ذلك أمرا من قيادات التنظيمات المتقاتلة بوقف الاحتراب والصراع فيما بينها».
وفي هذا السياق تطرق الخبير والكاتب السويدي آرون لوند الذي ألّف دراسات عدة حول مشهد المقاتلين في سوريا، إلى الخلافات بين كل من «القاعدة» و«داعش»، فأشار إلى أنه «قبل أبريل (نيسان) العام 2013، كانت جماعة أبي بكر البغدادي تعرف باسم «الدولة الإسلامية في العراق» وكانت تعتبر على العموم جزءاً من تنظيم القاعدة. ولكن البغدادي لم يكن يريد حصر جهاده ضمن العراق. لقد اتَّسع نطاقه العام 2011 في الخفاء، وذلك من خلال تأسيسه جماعة جبهة النصرة في سوريا. ثم قام في أبريل (نيسان ) العام 2013 بتحويل اسم جماعته وبشكل لافت للنظر إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وطالب جبهة النصرة بالانضمام إليه».
ويضيف لوند بأن طلب البغدادي «قوبل بالرفض من قبل الكثيرين من زعماء جبهة النصرة الذين أعلنوا ولاءهم لأيمن الظواهري، الذي يعدّ أعلى أمير في تنظيم القاعدة، وقد رفض قرار أبي بكر البغدادي. وهذا الرفض يعود إلى أسباب كثيرة، بما فيها خلافات شخصية وأيديولوجية. ولكن في الحقيقة، على الأرجح أنَّ الطرفين يتنافسان وبشكل أساسي على دخول الحرب في سوريا، وهذه الحرب مرتبطة بموارد طبيعية وبالمقاتلين الأجانب وبالأسلحة وبمكانة كبيرة في حركة الجهاد العالمية». ويشير لوندن إلى أنه «في آخر المطاف أدَّى هذا النزاع إلى قطيعة تامة بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، وفي بداية العام 2014، حينما بدأ تنظيم داعش وجبهة النصرة مقاتلة بعضهما البعض في سوريا، كانت جميع محاولات الوساطة بينهما قد تحوّلت إلى جزء من الماضي».
أثر هذا الخلاف على الجماعات المتشددة التي كانت في السابق تتبع «القاعدة» تنظيمياً، مثل تنظيم «أنصار الشريعة» في تونس بزعامة أبي عياض، الذي أعلن عن فك بيعته مع «القاعدة» لصالح «داعش» ثم «الدولة الإسلامية»، كما سبق أن أشرنا إليه، وهو يعمل على لمّ شمل التنظيمات الجهادية في تونس وفي كامل البلاد المغاربية تحت غطاء البيعة ل«الدولة الإسلامية». وهو في مسعاه هذا يعمد إلى توظيف الانتصارات التي تحققها «الدولة الإسلامية»، خاصة في إقناع المنتدبين الجدد من الشباب «الجهادي». وهنا «يرى مراقبون أن فكرة (افتتاح) فرع ل«داعش» في المغرب العربي قابلة للتجسيد بالنظر إلى وجود مقاتلين لتنظيم داعش من دول تونس والمغرب والجزائر وليبيا، فضلاً عن انتشار تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي ك«علامة» (براند)، وهو يلقى شعبية كبيرة لدى المتأثرين بأفكار التطرف، خصوصاً لدى فئة الشباب والمراهقين، وهي الفئة التي تستعمل بإفراط مواقع التواصل الاجتماعي).
ويرشح الباحث السويدي آرون لوند أن تكون الخلافات بين «القاعدة» و«داعش» تعود إلى صراع أجيال وإلى تباينات أيديولوجية: «مبدئيًا من الممكن وجود نوع من صراع الأجيال داخل الحركة السلفية الجهادية. فعلى أية حال يبلغ عمر الظواهري (64) عامًا، وعمر البغدادي (43) عامًا، ومعظم رجال الدين الكبار في السن أيّدوا الظواهري. صحيح أنَّه لا يتعيَّن إعطاء الاختلافات الحالية حجمًا كبيرًا، ولكن يبدو -على نحو ما- أنَّ تنظيم داعش يجسِّد العقيدة الجهادية المتطرِّفة، التي انبثقت عن الحرب في العراق والدعاية الجهادية على الإنترنت، في حين أنَّ تنظيم القاعدة لديه جذوره في أفغانستان وفي تلك الشبكات الإرهابية الصغيرة والمنضبطة، التي تعمل في الخفاء وتعود إلى الثمانينيات والتسعينيات».