تتزايد حدة التنافس والصراع بين أهم حركتين جهاديتين في العالم (القاعدة وداعش) بسبب الحرب في سوريا وإعلان قيام «الخلافة» في الموصل. وتتوالى الولاءات لدولة الخلافة بزعامة البغدادي من مناطق مختلفة من العالم, أبرزها مصر وليبيا. إلا أن تنظيم القاعدة يبقى المرجع الديني والايديولوجي الأهم بالنسبة للحركات الجهادية في العالم... مع تنامي نفوذ «»الدولة الإسلامية« «في العراقوسوريا، دخلت الحركات الجهادية العالمية في عهد جديد. فالتنافس بين تنظيم «»القاعدة«« البيت الأصلي، والوافدون الجدد في تنظيم »»الدولة الإسلامية««، يعتمل داخل المجموعات الإسلامية الراديكالية عبر العالم، ويثير نقاشات وتناقضات تترجم في سوريا من خلال مواجهات دامية. من جهة أيمن الظواهري, «»أمير»« الجهاديين من أنصار القاعدة وزعيم «»القيادة العامة»« للحركة التي أسسها أسامة بن لادن، ومن جهة أخرى «»الخليفة ابراهيم«« أبو بكر البغدادي الذي تراجع عن ولائه للقاعدة، التي طرد من صفوفها في 2 فبراير، وأعلن يوم 29 يونيه «»خلافة»« بقيادة الدولة الإسلامية. وقوة تنظيم الدولة الإسلامية يكمن في الأراضي التي تسيطر عليها والذي يثير جاذبية هائلة: 15 ألف جهادي أجنبي إلتحقوا بسوريا حافزهم الأساسي إلى جانب المسألة الدينية، يكمن في النجاحات العسكرية والموارد الهائلة من عائدات الموارد الطبيعية والنهب. الدولة الإسلامية تستقطب أيضا قادة الحرب: معارضون سوريون انشقوا عن فصائل أخرى، تسعة من قادة الجهاد في المنطقة الأفغانية الباكستانية إلتحقوا بسوريا في مارس، أو قائد مثل عمر الشيشاني الذي قسم حركة الجهاد في القوقاز وأصبح واحدا من أبرز القادة العسكريين في الدولة الإسلامية. وخلال الثلاثة أشهر الأولى لإعلان الخلافة، ظلت إعلانات الولاءات للبغدلادي عبر العالم محدودة، ويبقى تنظيم القاعدة هو المرجع المطلق للحركات الجهادية. في افغانستانوباكستان مهد القاعدة, دعا فصيل أبو هودة السوداني والجماعة الباكستانية، «الحركة من أجل الخلافةوالجهاد» الى رفع علم الدولة الإسلامية .وأعلن الناطق الرسمي السابق باسم طالبان باكستان، الشيخ مقبول كذلك ولاءه وانضمامه للدولة الإسلامية، وجاءت ولاءات أخرى للدولة الإسلامية من جنوب شرق آسيا من جماعة أبو سياف ومن المجاهدين من شرق أندونسيا، وبصفة شخصية من أبو بكر بشير الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية الأندونسية الموجود رهن الاعتقال، والذي أثار موقفه هذا انقساما داخل التنظيم. وفي العالم العربي، ظهرت جماعتان تحملان نفس الإسم »»جند الخلافة« «الأولى ظهرت في الجزائر وأعلنت انفصالها عن القاعدة، وتبنت اغتيال الفرنسي هيرفي غورديل، والجماعة الثانية ظهرت في مصر. وأهم انضمام لجماعة جهادية الى الدولة الإسلامية هو الذي حصل في مصر مع إعلان ولاء جماعةأنصار بيت المقدس يوم 10 نونبر للبغدادي، وهي الجماعة التي كانت من قبل موالية للقاعدة وتنشط في سيناء. وتعتبر جماعة أنصاربيت المقدس من أخطر الجماعات المتطرفة في مصر، واعتبر هذا الولاء أبرز صفعة لتنظيم القاعدة الذي أصبح مهددا بفقدان قاعدة مهمة بعد تراجعه في العراق، ومن مكر الصدف أن القاعدة المصرية هي البلد الأصلي لأيمن الظواهري. الإنتصار المثير الآخر الذي حققته الدولة الإسلامية هو إنضمام الجهاديين في مدينة درنا الليبية التي أصبحت منذ 3 أكتوبر الماضي أول منطقة تابعة للدولة الإسلامية خارج أراضي »الخلافة« في العراقوسوريا، و الأمر لا يعلق فقط بمجرد انضمام جماعة محلية, بل يتعداه الى عملية تشرف عليها مباشرة قيادة الدولة الإسلامية التي أصبح مبعوثوها هم القادة في درنا، يدعمها عودة الجهاديين الليبيين إلى ليبيا. هذه الانتصارات غير المسبوقة خارج قواعدها، حفزت الدولة الإسلامية على إطلاق حملة تواصلية وإعلامية يوم 10 نونبر ونشر 5 رسائل صوتية لإعلان الولاء للخليفة ابراهيم (أبو بكر البغدادي)، ولاءات صادرة من الجزائر وليبيا ومصر والعربية السعودية واليمن، لم يتأكد منها سوى ولاء جماعة أنصار بيت المقدس المصرية، أما الرسائل الأخرى فقد نشرتها الدولة الإسلامية هي مصاغة بنفس الأسلوب، وإذا كانت الولاءات من الجزائر ومن ليبيا قد تأكدت, فإن رسائل الولاء من السعودية واليمن تشير بعض الشكوك، حيث يعتقد أن بلاغات الولاء قد تكون صادرة عن جهاديين أجانب متواجدين فوق أراضي الدولة الإسلامية، وليس من جهاديين متواجدين في الدول المعنية. وبالرغم من هذه الإخفاقات, فإن تنظيم القاعدة يبقى المرجع الإيديولوجي والديني للجهاد، ولحد الآن لم يعلن أي تنظيم فرعي مهم تابع للقاعدة ولاءه للخليفة ابراهيم. وأبرز قادة الجهاد العالمي جددوا، منذ قيام دولة الخلافة ولاءهم لأيمن الظواهري. والظواهري مازال يتربع على »»القيادة العامة« «للقاعدة, يصدر الأوامر وينشر البلاغات ويفوض بعض سلطاته، وهكذا فزعيم القاعدة في اليمن نزير الوهيسي, وهو صديق قديم لأسامة بن لادن هو »المسير العام« للتنظيم، وله دور محوري في الإشراف على العمليات عبر العالم ولا يخفي اتصالاته مع فروع أخرى للقاعدة في شمال افريقيا وفي سوريا. وتستند القاعدة كذلك على حلفائها طالبان في أفغانستان و باكستان, منها شبكة حقاني, المستضيف التاريخي للقاعدة، وقد جدد الظواهري قسم ولاء بن لادن للملا عمر, زعيم »الإمارة الإسلامية في افغانستان« و»أمير المؤمنين» الوحيد الذي تعرف به القاعدة, إلا أن الملا عمر لم يعلن الخلافة. والحركة الجهادية تتشكل بعد ذلك من خمسة فروع جهوية رسمية: القاعدة في شبه الجزيرة العربية وهي الأٍقوى, أبرز قادتها من السعوديين واليمنيين ,وبالتالي فهي قريبة ايديويوجيا من بن لادن, مقرها الرئيسي في اليمن, يقودها نزير الوهيسي, ثم القاعدة في المغرب الإسلامي ومقرها الرئيسي في الجزائر ومنطقة الساحل ويقودها الجزائري عبد المالك دروكدال، تنظيم الشباب في الصومال ويقوده أحمد عمر أبو عبيدة، وتنظيم »»جبهة النصرة«« في سوريا يقوده أبو محمد الجولاني، وتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، مقره الرئيسي في باكستان ويقوده أسيم عمر ويمتد الى الهند وبنغلاديش حتى برمانيا, وهناك العديد من التنظيمات التي تتواصل مع القاعدة . وأعلنت ولاءها لأيمن الظواهري دون أن تكون فرعا رسميا لها . ومن أهمها نجد جماعة «الموقعون بالدم» بزعامة مختار بلمختار، وهي جماعة جزائرية انشقت عن تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي، وامارة القوقاز، بزعامة علي ابو محمد الداغستاني، وانصار الشريعة في كل من تونس وليبيا ومصر، او تنظيم مجلس المجاهدين بضواحي القدس الموالي لمصر. وفي سوريا انطلق الصراع بين القاعدة والدولة الاسلامية. كانت القاعدة تتوفر هناك على فرعين رسميين: جبهة النصرة السورية والدولة الاسلامية العراقية. حاول أبو بكر البغدادي في ابريل 2013 امتصاص تنظيم النصرة وهو ما رفضه الجولاني, وأدى ذلك الى القطيعة مع الظواهري, ثم الى الحرب بين الفصائل المتنافسة. وفي سوريا, هناك مجموعة ثالثة موالية بشكل غير مباشر للقاعدة: جماعة احرار الشام، العضو المؤسس للتحالف الذي اطلق عليه اسم الجبهة الاسلامية وأول ممثل للقيادة العامة للقاعدة في سوريا، ابو خالد السوري، كان احد قادة احرار الشام قبل أن يقتل في فبراير خلال هجوم لمقاتلي الدولة الاسلامية. وأبرز شخصيتين تتحركان باسم القاعدة في سوريا: محسن الفضلي, الذي اعلن عن مقتله عبر تويتر, لكن لم تؤكد ذلك القاعدة) وسنافي النصر, وهما قائدان كانا يحتلان مناصب رفيعة في تنظيم «جبهة النصرة» وفي تنظيم «أحرار الشام» وأشار النصر ان القاعدة تعطي نفس الثقة في التنظيمين. ويلعب أبو فراس السوري، وهو من قدماء القاعدة، يلعب دورا مهما داخل تنظيم النصرة. وهؤلاء القادة ينتمون الى ما أسمته الولاياتالمتحدة من طرف واحد وبشكل غريب «مجموعة خراسان». عمليا، في العالم الجهادي لاتوجد خراسان بهذا الاسم لسبب بسيط هو ان له اسما مشهورا هو القاعدة. ومنذ اغتيال بن لادن وتوالي التعاليق التي أفادت أن القاعدة ماتت وأن أيمن الظواهري رجل مسن معزول في جبل في «المناطق القبلية» الباشتونية بباكستان، وتجد الادارة الامريكية صعوبة في الاعتراف بأن القيادة العامة للقاعدة نشيطة, ليس فقط في باكستان ولكن ايضا في اليمن او في سوريا. والدليل الضمني على ذلك هو عمليات القصف الامريكية في سوريا ضد النصرة وضد جماعة خراسان الى جانب مواقع الدولة الاسلامية. فالقاعدة أبعد ما تكون عن الاحتضار, وتجدرها في سوريا وقيام تنظيم القاعدة في جنوب اسيا، يمكن تفسيره «كانبعاث» (وهي كلمة استعملت كعنوان في النشرة الأخيرة للقاعدة) وتكمن قوتها الى جانب هذه الشبكة الدولية المبنية منذ عقدين في دعم رجال الدين والمنظرين. والاصوات ارتفعت هذه السنة من أجل الدعوة للمصالحة والوحدة بين القاعدة والدولة الاسلامية وصدرت من انصار القاعدة، صحيح أن الكثيرين رحبوا بحماس بالانتصارات العسكرية للدولة الاسلامية, لكن الزعماء ظلوا اوفياء للظواهري وانتقدوا بقوة خيار القطيعة الذي اختاره البغدادي ولم يعجبهم تنصيب شخصه خليفة, في الوقت الذي لم يصل بن لادن الي هذه النقطة ودون استشارة كما تفرض ذلك الشريعة الاسلامية ورجال الدين ومنظري الجهاد. وهناك وثيقة مهمة في عالم الجهاد تحت عنوان »مبادرة ودعوة لوقف اطلاق النار بين الفصائل في سوريا نشرت يوم 30 شتنبر، تدعو الى وحدة الجهاديين امام الحرب على الاسلام التي يقودها التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة. وهذه الوثيقة موقعة من طرف المنتقدين للدولة الاسلامية، وعبد الله محمد المحيسني القريب من النصرة سبق ان اقترح هدنة في يناير رفضها البغدادي. وحاول ابو محمد المقدسي بدوره وساطة قبل ان يصف الدولة الاسلامية بالتنظيم «الضال» ;وأبو قتادة الفلسطيني الذي أفرج عنه مؤخرا في الاردن, والذي يحظى بسمعة جيدة في أوساط الجهاديين، وهو من أنصار القاعدة. أما هاني السباعي فهو واحد من المنظرين المحترمين من قبل زعيم القاعدة, فعندما يتكلم السباعي ينصت الظواهري, وعندما يكتب السباعي يجيب الظواهري, وبعد أسبوع على إعلان الخلافة, فهو من دعا القاعدة الى «الخروج من الصمت» وإدانة هذا الخليفة. وقد أصدرت القاعدة في شبه الجزيرة العربية ونظيرتها في المغرب الاسلامي، وهما اقوى فروع القاعدة، بيانا مشتركا في شتنبر لإدانة ما أسماه البيان «حملة الصليبيين لمحاربة الاسلام والمسلمين» وحاول البيان التقريب بين الفصائل الجهادية، ونشر فرع القاعدة في آسيا بيانا مماثلا في اكتوبر. لكن وراء دعوات الوحدة هذه يتعلق الامر دائما بتقديم البغدادي كمقسم، والتذكير بأسبقية وأهمية القاعدة. والصراع بين الحركتين الجهاديتين مدعو للاستمرار, لأنه إذا كان ابو بكر البغدادي يحظى بالاهمية والقوةحاليا، فإنه لم يتمكن من اقناع عالم الجهاد بشرعية خلافته. وهناك بعض العوامل يمكن ان تغير المعادلة من جهة التحالف الدولي ضد الدولة الاسلامية التي ليست سوى في بداياتها, والتي بإمكانها أن تساهم في التقريب بين الإخوة الأعداء. ومن جهة ثانية معدل الحياة في مثل هذا النوع من الانشطة محدود عموما, وتروج اشاعات حاليا عن وفاة او جرح البغدادي في غارة على الموصل, لا أحد يستطيع التكهن بمآل القاعدة بعد وفاة الظواهري ولا مآل الدولة الاسلامية بعد البغدادي. ويبقى الاهم أن الجهاد العالمي دخل هذه السنة في مرحلة جديدة, وأن لا شيء يشير إلى أن هذه الانقسامات تعني إضعاف او تراجع الايدويولوجيا, بل على العكس من ذلك. فأنصار الجهاد يستغلون كون الثورات العربية الحاملة لكثير من الآمال. تحولت على الاقل في الوقت الراهن الى كارثة. والتنافس بين القاعدة والدولة الاسلامية قد يوفر للحركة ال جهادية العالمية التي لم يسبق أن توفرت على هذا العدد الهائل من المقاتلين، أن يوفر لها شبابا جديدا. بتصرف عن لوموند