شكل الخطاب الملكي، الذي ألقاه في نيودلهي بمناسبة انعقاد الدورة الثالثة للمنتدى الهندي الإفريقية، حدثا هاما في تاريخ دول الجنوب، حيث تجاوز اللغة الإنشائية إلى لغة الحقائق، إذ صارح جلالة الملك محمد السادس قادة الدول بما ينتظر دول الجنوب من عمل جاد من أجل تجاوز انهيارات التاريخ وتحولات الواقع الدولي، الذي يفرض شروطا قاسية على الدول التي لم تتمكن من الانخراط في عملية الإقلاع الاقتصادي. لقد مثل الخطاب في الواقع وفي رؤية المنصفين من المتخصصين في تأويل الخطاب، بيانا تاريخيا من أجل وحدة الجنوب وفق منظور جديد ومعايير محددة، منظور ينبني على التعاون المتوازن بين دول المنطقة، وهو بناء بمثابة بناء منظمة عدم انحياز اقتصادية، بعد منظمة عدم الانحياز، التي يعتبر جلالة المغفور له الملك محمد الخامس أحد مؤسسيها.
يهدف البيان إلى إخراج الجنوب من التبعية الاقتصادية للشمال، وهذا لا يتم إلا عن طريق الوحدة الاقتصادية والتعاون على أسس العدالة الدولية، حيث قامت دول الشمال بالاستغلال البشع لدول الجنوب وأنهكتها وتركتها هيكلا بلا روح.
ومن هذا المنطلق تكون الهند والمغرب على رأس دول الجنوب القادرة على قيادة قافلة التحرر الشامل لشعوب المنطقة، فالهند تمكنت من تطوير نموذج تنموي رائد، مكنها من الارتقاء إلى مصاف القوى الصاعدة. وهو ما يعزز طموحها المشروع للقيام بدور أساسي في أجهزة الأممالمتحدة المكلفة بحفظ الأمن والسلم الدوليين.
إن ما يؤهل الهند لهذه المكانة، يقول جلالة الملك، هو ما تتميز به سياستها الخارجية من اتزان ومسؤولية، في احترام الشرعية الدولية، والوحدة الترابية للدول، والدفاع عن مصالح الدول النامية وقضاياها العادلة.
أما المغرب فقد أبان عن قدرات فائقة في التطوير وفي التعامل مع الدول الإفريقية، حيث يعتبر الأول من حيث الاستثمارات في غرب إفريقيا والثاني في القارة السمراء بأكملها، مما يجعله بوابة الهند نحو إفريقيا، ويجعل منه نموذجا رائدا في التنمية في المنطقة، وبالتالي فإن الجمع بين التجربتين هو الذي يعطي نكهة خاصة للتعاون جنوب جنوب.
إن المنتدى الهندي - الإفريقي الثالث يشكل فرصة مواتية لتقييم حصيلة التعاون بين دول الجنوب، باعتباره عماد الشراكة الإفريقية الهندية. وفق ما جاء في الخطاب الملكي. كما نريده فضاء لإرساء نموذج للتعاون جنوب - جنوب فعال، تضامني ومتعدد الأبعاد، يقوم على الاستثمار الأمثل للطاقات والثروات التي تزخر بها بلداننا.
ومن هنا، فإن هذا التعاون يجب أن يتحرر من إرث الماضي، وأن يتوجه لخدمة المصالح الاستراتيجية لبلداننا.
إن التعاون جنوب - جنوب، الذي نطمح إليه، يقول جلالة الملك، ليس مجرد شعار أو ترف سياسي، بل هو ضرورة ملحة تفرضها حدة وحجم التحديات التي تواجه بلداننا بحيث لا يمكن معها الاعتماد على أشكال التعاون التقليدية، التي أصبحت غير قادرة على الاستجابة للحاجيات المتزايدة لشعوبنا.
لذا، يحرص المغرب على بلورة مشاريع ملموسة، سواء على المستوى الثنائي، أو في إطار التعاون الثلاثي، في المجالات المنتجة، المحفزة للنمو وفرص الشغل، وذات الأثر المباشر على حياة المواطنين. هنا يقدم المغرب النموذج القائم على ما يتم إنجازه على أرض الواقع وليس توزيع الكلام، الذي لم يعد يجدي في عالم متغير بشكل كبير جدا ويشهد ثورة تقنية لا مثيل له.
ويرتبط المغرب بشراكات مع عدد من الدول الإفريقية، والتي تهم التنمية البشرية ومختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والدينية. وهو ما أهل المغرب ليصبح أول مستثمر إفريقي في منطقة غرب إفريقيا، والثاني على مستوى القارة.
لقد كان الخطاب الملكي واضحا في تشخيص الوضع "إن إفريقيا اليوم تستحق شراكات تعاون منصفة، أكثر من حاجتها لعلاقات غير متوازنة، بدعم مشروط. وكما قلت في خطابي بأبيدجان، فإن إفريقيا ليست في حاجة للمساعدات، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات نفع متبادل، ولمشاريع التنمية البشرية والاجتماعية".
ويتوفر المغرب على الوصفة الناجعة حيث يجمع بين الأمن والاستقرار والتنمية حيث أنه بالنظر لتداخل التحديات التنموية، والتهديدات الإرهابية غير المسبوقة، فإنه ينبغي للدول الأعضاء في هذا المنتدى اعتماد مقاربة شمولية تقوم على إرساء تعاون وثيق مع الهند.