شكل الخطاب السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في افتتاح القمة الثالثة لمنتدى الهند إفريقيا 2015 ، اليوم الخميس بنيودلهي، خارطة طريق لإفريقيا واثقة في مؤهلاتها، منخرطة في شراكات مربحة ، ثنائية وثلاثية تساعد على تعزيز الإقلاع السوسيو اقتصادي الذي تنشده القارة. وكما في الخطاب السامي لصاحب الجلالة بأبيدجان، بمناسبة انعقاد منتدى رجال الأعمال المغاربة والايفواريين، في 2014 والذي أكد فيه أن إفريقيا، القارة التي تتوفر على إمكانيات ومؤهلات بشرية هامة وثروات ضخمة، يجب أن تعتمد على نفسها دون أي مركب نقص، جاء خطاب جلالة الملك اليوم أمام قادة وزعماء الهند والدول الإفريقية ، حافلا بدلالات وحمولات تعكس النظرة الحكيمة لجلالته إزاء مستقبل القارة الإفريقية.
وفي هذا الصدد، دعا صاحب الجلالة دول الجنوب إلى وضع ثقتها في دول الجنوب، واستثمار ثرواتها ومؤهلاتها في خدمة التقدم المشترك لشعوبها من أجل اللحاق بالدول الصاعدة.
ولم يفت جلالة الملك التذكير بأن إفريقيا انخرطت في مجموعة من منتديات التعاون الثنائية والقارية، التي تبقى مفيدة، رغم ما يمكن تسجيله على بعضها من تداخل وعدم التوازن، يؤدي غالبا لضعف مستوى الفعالية والالتزام، مع التأكيد على أن "إفريقيا اليوم تستحق شراكات تعاون منصفة، أكثر من حاجتها لعلاقات غير متوازنة، بدعم مشروط".
كما جدد التأكيد على أن إفريقيا "ليست في حاجة للمساعدات، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات نفع متبادل، ولمشاريع التنمية البشرية والاجتماعية"، مشيرا إلى أن "مستقبل شعوبنا أمانة في أعناقنا. فإما أن نواصل التعاون والتضامن بين بلداننا، خدمة لمصالحها، وإما سنخلف مرة أخرى موعدنا مع التاريخ ونرمي بشعوبنا إلى المجهول".
وكما كانت المملكة سباقة لتبني مقاربات تنموية لفائدة بلدان إفريقيا، سواء في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف، جدد صاحب الجلالة التأكيد على حرص المغرب على بلورة مشاريع ملموسة في المجالات المنتجة، المحفزة للنمو وفرص الشغل، وذات الأثر المباشر على حياة المواطنين.
وبالفعل ، وحرصا على إعطاء مضمون ملموس للشراكة التي تجمعه بدول إفريقيا، حرص المغرب على تفعيل مشاريع تهم التنمية البشرية ومختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والدينية في عدد من دول القارة ، وهو ما أهل المغرب، ليصبح أول مستثمر إفريقي في منطقة غرب إفريقيا، والثاني على مستوى القارة، كما أكد جلالة الملك.
وانسجاما مع مختلف هذه التوجهات، عبر جلالة الملك عن استعداد المغرب لإحداث مجموعة عمل هندية إفريقية مشتركة للتنسيق وتبادل المعلومات، تفضي إلى إرساء تعاون وثيق مع الهند، وذلك إيمانا من صاحب الجلالة بأن الشراكة الإفريقية الهندية الواعدة، قادرة على التطور، بفضل تكامل الموارد والمؤهلات التي تتوفر عليها، وتحقيق أهدافها في خدمة الشعوب.
كما أكد جلالة الملك أن "الأمن والاستقرار هما عماد التنمية، وبدونهما لن تتمكن دولنا من النهوض بأوضاعها الاجتماعية ومبادراتها التنموية".
وفي هذا الصدد، يرى جلالته أن هذا المنتدى يشكل فرصة مواتية لتقييم حصيلة التعاون بين دول الجنوب، باعتباره عماد الشراكة الإفريقية الهندية، وفضاء لإرساء نموذج للتعاون جنوب - جنوب فعال، تضامني ومتعدد الأبعاد، يقوم على الاستثمار الأمثل للطاقات والثروات التي تزخر بها هذه الدول.
ولبلوغ هذه الأهداف شدد جلالة الملك على أن التعاون المنشود يتعين أن يتحرر من إرث الماضي، وأن يتوجه لخدمة المصالح الاستراتيجية لبلداننا، حتى لا يكون هذا التعاون مجرد شعار أو ترف سياسي ، "بل هو ضرورة ملحة تفرضها حدة وحجم التحديات التي تواجه بلداننا، بحيث لا يمكن معها الاعتماد على أشكال التعاون التقليدية، التي أصبحت غير قادرة على الاستجابة للحاجيات المتزايدة لشعوبنا".