بمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة مجددا وبدون اللجوء الى مسطرة التصويت، على قرار يدعم المسلسل السياسي الدولي لتسوية قضية الصحراء، ويدعو دول المنطقة إلى تعاون كامل مع الأمين العام ومبعوثه الشخصي، ومع بعضهم البعض من أجل التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الإقليمي يكون المنتظم الدولي قد وجه الى من يهمه الأمر إشارتين أساسيتين يتعين التقاطها و إستيعابها بذكاء و مسؤولية . أولى الاشارات دعم القرار الأممي الجديد لمسلسل المفاوضات الذي انطلق بعد قرار مجلس الأمن رقم 1754 (2007)، والذي أكدته القرارات ذات الصلة اللاحقة وآخرها قرار 2218 (2015) بهدف التوصل إلى تسوية «سياسية عادلة، دائمة مقبولة من قبل جميع الأطراف» لقضية الصحراء و التي تندرج ضمنها بالطبع مبادرة الحكم الذاتي المقترح المقدم من قبل المغرب، والتي حظيت بإشادة من قبل مجلس الأمن والمجموعة الدولية باعتبارها مبادرة جدية وذات مصداقية لتسوية نهائية لهذا النزاع الإقليمي المفتعل .
الاشارة الثانية التي يعكسها القرار الأممي و الموجهة على وجه التحديد لخصوم الوحدة الترابية للمملكة مفادها أن الجمعية العامة للأمم المتحدة حين أحالت على القرارات العشر الأخيرة لمجلس الأمن الدولي ذات الصلة بتطورات ملف الصحراء المغربية و الصادرة على وجه الخصوص منذ سنة 2007 المتزامنة مع تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي فإنها (الأممالمتحدة) ربطت مسار التسوية السياسية بشكل منهجي و تلقائي بمقترح الحكم الذاتي باعتباره خطة التسوية السياسية الوحيدة والمطروحة كبديل سياسي موضوعي كفيل باعادة بعث مسلسل المفاوضات على قاعدة أرضية صلبة و قابلة للتطوير في مقابل تعنت الطرف الآخر و تمسكه منذ عقود بخيارات متجاوزة بمنطوق و جوهر القرارات الأممية .
و بذلك و حينما تدفع جبهة الانفصاليين و من ورائها وصيتها و راعيتها الجزائر بشعار تقرير المصير و باسطوانة تقرير المصير المتجاوزة والمخروقة فإنها بذلك تسير ضد التيار الدولي و تعاكس فلسفة وقناعات المنتظم الدولي و مجلس الأمن الذي يحدد بوضوح حدود الخيارات في مسار التسوية الذي تقدم خطوات منذ ثمان سنوات لكن الطرف الآخر يسعى الى إرباكه و جذبه عقودا للوراء .
و ضمن تمظهرات هذا المنطق الواضح لكل عاقل لا يمكن تفسير إدعاء ممثل جبهة الانفصاليين بالأممالمتحدة بأن تعطيل مسار الحل السلمي للنزاع من طرف الرباط يعتبر إحتقارا للأمم المتحدة و بعثة المينورسو و تمسك الجزائر بخيار الاستفتاء كشرط أساسي للقبول بحل سياسي للخلاف لا يمكن تفسيرها إلا بمحاولة صف المتآمرين على مصالح المملكة العليا تمييع المسار الأممي في رمته و تعطيله مؤقتا لاقحام متدخلين جدد على رأسهم الاتحاد الافريقي المزعوم و هو ما سيسهم في تعزيز شوكة لوبي الجزائر / جوهانسبورغ و سيطلق يده و مناوراته المصلحية في مسلسل التسوية .
إن تبني الدورة الأخيرة لبرلمان الاتحاد الافريقي قبل أيام فقط بجوهانسبورغ لموقف بدعم جهود الاتحاد الإفريقي، من خلال مبعوثه الخاص المكلف بالصحراء جواكيم شيسانو، للتموقع كطرف في مسار التوصل إلى حل للنزاع المفتعل سيغنينا عن متاعب البحث عن خلفيات المناورات الجديدة لحلف الجزائر / بريتوريا طالما نأخد بعين الاعتبار أن الطرفين يحاولان ربح بعض الوقت قبل التئام أعضاء مجلس الأمن مجددا حول ملف الصحراء للعودة بقوة من خلال الاتحاد الافريقي الى مسار التسوية و ما سيتيحه من إبتزاز بعد أن كان نفس الاتحاد قد وضع نفسه خارج منطق الحياد ودائرة الوساطة الدولية حين قبل بانضمام كيان وهمي لا يتمتع بأدنى مواصفات السيادة لهياكله .
و بالقدر الذي يجب فيه الاقرار بأن الجزائر تستثمر ورطة المبعوث الأممي كريستوفر روس و عجزه الراهن عن دفع مسار التسوية السياسية خطوات الى الأمام لتحويل الضغط نحو كفة المغرب في إنتظار أوراق إبتزاز إضافية توفرها المنظمة القارية الواقعة تحت النفوذ المطلق لزوما جنوب إفريقيا . بالنظر الى كل هذه الاكراهات ينبغي أيضا التأكيد أن المملكة تمتلك بدورها أوراق ضغط لا تقل أهمية و راهنية يظل أبرزها خيار توجيه الكرة الى المعترك الجزائري عبر تجديد مطلب إحصاء ساكنة المخيمات و إقناع الرأي العام الدولي بأنه يمثل شرطا أساسيا لتقييم مصداقية الطرف الانفصالي و شرعيته في إدعاء تمثيليته للصحراويين الذين يندمج جلهم في الدورة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للمملكة و يساهمون عبر صناديق الاقتراع الشفافة في إختيار ممثليهم الحقيقيين في مؤسسات الدولة و هم من يقررون فعلا عبر مشاركتهم السياسية الوازنة في تقرير مصيرهم و ليس شرذمة من الانفصاليين المرتزقة المنصبين بعائدات النفط لخنق إرادة و حرية بضعة ألاف من المغاربة المحتجزين ضد إرادتهم في مخيمات صحراء لحمادة .