بعد أزيد من عام على تعيين السفير كريستوفر روس مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، وتنظيم أربع جولات من المفاوضات في مانهاست، ثم جولتين من المباحثات غير الرسمية، باتت صورة النزاع واضحة بما فيه الكفايةلتحديد خطوط التنافر بين إرادتين متعارضتين، ومن ثمة، تشخيص المهمة الحالية لمبعوث الأمين العام الأممي في جولته بالمنطقة. فعلى ضوء المقترح المغربي بمنح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية، وما أحرزه من دعم في مجلس الأمن الدولي، ومن طرف القوى الفاعلة على الساحة الدولية، أصبحت مهمة كريستوفر روس واضحة بكل جلاء، وتتمثل في إقناع الأطراف الأخرى في النزاع المفتعل، أي القادة الجزائريين والبوليساريو، بالتعاطي إيجابيا مع هذه المعطيات، التي أعطت لمسار النزاع اتجاها جديدا، وأخرجته من دائرة الجمود إلى منطق التسوية السياسية الواقعية والممكنة. وعلى هذا الأساس، فإن روس مطالب، من موقعه مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، بإقناع المسؤولين الجزائريين وقيادة البوليساريو بعدم تبني موقف معرقل، والتحلي بالحكمة، لتحقيق تقدم ملموس في مسلسل المفاوضات حول مقترح الحكم الذاتي. وفي المحطة الأولى من جولة روس، جاء الموقف المغربي منسجما مع نفسه، من منطلق البحث الجاد عن تسوية سياسية، إذ جدد جلالة الملك التأكيد على استعداد المغرب التام للتفاوض، والتوصل إلى حل سياسي حقيقي ونهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، على أساس قرار مجلس الأمن رقم 1871 لشهر أبريل 2009، الذي يدعو الأطراف إلى التحلي بالواقعية، وبروح التوافق في مفاوضات مكثفة وجوهرية. إن موقف المغرب لا ينطلق من فراغ، بل هو مبني على ما تراكم من مستجدات، اكتسبت قوة القانون بقرار مجلس الأمن السابق الذكر، وقرارات سابقة عليه (القرار1754 (2007)، الذي أيده القراران 1783(2007)، و1813 (2008) لمجلس الأمن، بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل، ودائم، ومقبول من جميع الأطراف). وفي هذا السياق، ذكر جلالة الملك المبعوث الشخصي بأن المبادرة المغربية بتخويل الصحراء حكما ذاتيا، في إطار الوحدة الترابية والوحدة الوطنية للمملكة، تستجيب استجابة كاملة لمحددات وتوجيهات قرارات مجلس الأمن، كما أن المنتظم الدولي، الذي طالما تطلع إلى هذه المبادرة، وصف الجهود المبذولة، في هذا الصدد، من قبل المملكة بأنها جهود جدية وذات مصداقية. إن الاستفتاء ليس الصيغة الوحيدة لتقرير المصير، وهذه الأطروحة باتت في حكم الماضي، بعد أن اعتبر مجلس الأمن المبادرة المغربية بمثابة قاعدة جدية للتوصل إلى حل سياسي، وبالتالي، فإن المفاوضات المقبلة يجب أن تتمحور حول تطبيق المقترح الوحيد الجدي، والواقعي، المطروح حاليا، أي المقترح المغربي. وعلى أساس هذا التطور، تصبح كل محاولة للعودة إلى الوراء، كما تسعى إلى ذلك قيادة البوليساريو والجزائر، الواقفة خلفها، من باب العمى السياسي والدبلوماسي، ومن باب تجاهل الواقع والمنطق، والاستخفاف بإرادة المجتمع الدولي، المعبر عنها من خلال مجلس الأمن، من أجل الانتقال إلى مفاوضات جوهرية، تؤدي إلى حل سياسي وواقعي. وهذا الحل هو ما بادر المغرب إلى تقديمه من خلال مقترح الحكم الذاتي، وعلى أساسه خرجت قضية الصحراء من الباب المسدود ومن الحلقة المفرغة، وتوفرت شروط التسوية، بعد أن أصبح موضوع تقرير المصير بصيغة البوليساريو، متجاوزا ومستحيلا. طريق روس إلى الحل باتت واضحة، ومواقف الأطراف ستضعه أمام الحقائق الموجودة على الأرض، بين من ينتمي إلى الماضي ومن يتوجه إلى المستقبل.