قبل أيام كشفت صحيفة القدس عن ما وصفته نية المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء كريستوفر روس تقديم استقالته من مهمته الأممية. مراسل الصحيفة بمدريد عزا خطوة روس المفاجئة الى ما يمكن وصفه بتضايق المبعوث الأممي من شروط المغرب بشأن طبيعة وساطته وبسبب فشله حتى الآن في عقد جولة جديدة من المفاوضات بين الرباط وجبهة البوليساريو. منذ منتصف يوليوز الجاري تاريخ نشر القدس لسبقها الصحفي الذي تداولته بعد ذلك مواقع إخبارية غير موثوقة قبل أن تهتم به أول أمس وكالة أنباء البلقان لم يصدر عن مكتب بان كي مون بالأممالمتحدة بنيويورك ما ينفي أو يؤكد الخبر، وفي المقابل تعامل الطرفان الرئيسيان في معادلة الوساطة و التسوية الأممية التي يقودها روس ببرود مع المعلومة التي يفترض أن يكون لها أثر بالغ على موازين الديبلوماسية للعديد من العواصم المهتمة من قريب أو بعيد بموضوع النزاع المفتعل . القراءة التحليلية التي تقدمها بعض الصحف والمواقع لحادث الاستقالة المفترض كلها تنحو نحو تحميل المملكة المغربية الجزء الأوفر من مسؤولية « الغضبة «المفاجئة للسيد روس و التي دفعت به الى اتخاذ قرار شخصي بوقف مهمة الوساطة التي يباشرها منذ خمس سنوات خاصة بعد تأكيد وزير الخارجية مزوار قبل أيام بالبرلمان أن سنة 2015 ستكون «سنة مهمة « بالنسبة لقضية الوحدة الترابية للمملكة و شدد على موقف المغرب الواضح بخصوص توفير الشروط الأساسية لإعادة إطلاق المسلسل السياسي للنزاع المفتعل عن طريق الإجابة عن التوضيحات التي طلبها المغرب حول طبيعة مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، والتشبث بمعالجة الملف في إطار الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة، والإبقاء على الولاية الأصلية للمينورسو، والمتجلية في مراقبة والحفاظ على وقف إطلاق النار. روس و بغض النظر عن جدية نيته في التحلل من صفة الوساطة يدرك أن فاعلين آخرين غير المغرب يحاولون عنوة إقحام أنفسهم في ملف النزاع من منطلق تلغيم آفاق التسوية السياسية بما يتسبب بأفظع الخسائر للموقف المغربي و لمصالحه العليا . فالاتحاد الافريقي يحاول في الوقت الضائع و بايعاز من الجزائر و بريتوريا التدخل في مسار التسوية من نفس الزاوية و مقاربة المصالح الذاتية التي دفعت منظمة الوحدة الافريقية قبل ثلاثة عقود بنيروبي من اقتراف غلطة العمر باقحام كيان وهمي الى حظيرة المنظمة . عمليا لا يبدو أمام السيد روس هامش تحرك مريح في مسارات التسوية و هو يدرك قبل غيره الظروف و الحيثيات المماثلة التي دفعت سابقيه في نفس منصب الوساطة لتقديم استقالتهم ضمن الظروف السياسية المعروفة والتي لم يكن للرباط أي دور فيها بقدر ما تسببت الجزائر وصنيعتها في الرابوني تباعا في استقالة كل من جيمس بيكر نهاية 2001 بعد صفقة الجزائر القاضية بتقسيم تراب و ساكنة الصحراء و تجاهل بوتفليقة بالمرة حينها لمبدأ تقرير المصير و أسطورة الأرض و الشعب الوهميين . ثلاث سنوات بعد مخطط بيكر الشهير ستعاود الجزائر الكرة مع خلفه ألفارو دي سوتو و سترفض التعاون معه و تلح على إستبداله لمجرد توصيته بالبحث عن حل سياسي توافقي للنزاع المفتعل . في بداية سنة 2006 سيقدم المبعوث الشخصي للأمين العام الثالث في مسار التسوية الأممية بيتر فان والسوم رؤيته لحل النزاع أمام مجلس الأمن، وسيقدم تحليلا مفصلا للوقائع المحيطة به، داعيا جميع الأطراف إلى الإنخراط في المفاوضات، كما سيحث المجتمع الدولي على إقناع الجزائر للمشاركة في هذه المفاوضات لكونها تملك مفتاح حل هذا النزاع. التلويح باستقالة محتملة لروس أو مجرد تسويقها إعلاميا لا يجب أن يشتت إهتمام و تركيز المسؤولين المغاربة المباشرين لملف الوحدة الترابية لأنه في تقديرنا يندرج ضمن مخططات تحاك بكواليس أطراف يهمها تعويم النقاش و تحويل الانتباه عن قضايا أكثر أهمية و راهنية بالنسبة لمعركة المغرب لاستكمال وحدته الترابية و التي تمثل السنة المقبلة مرحلة حاسمة بالنسبة الى المغاربة في سياقاتها المتشعبة لذلك لا مجال للانسياق الى الجبهات الهامشية المفتعلة و ترك جوهر القضية الذي يوجد مفتاح حله على بعد خطوات من حدودنا و أيضا في الشكل و الصيغة التي يمكن لنا جميعا أن ترجم إجماعنا التاريخي حول أهم ملفاتنا المصيرية.