أضحت القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة مجالا جديدا للتنافس بين عدد من القوى العالمية الكبرى، في مقدمتها الولاياتالمتحدةوالصين، فضلا عن فرنسا وبريطانيا اللتين ترتبطان بعلاقات تاريخية مع بلدان القارة السمراء. وقد لا تشكل الهند، إحدى أكبر الدول الصاعدة بمؤهلاتها الاقتصادية والبشرية المهمة، استثناء في هذا المجال، إذ تطمح بدورها إلى إيجاد موطئ قدم لها في القارة، التي أضحت فضاء واعدا للاستثمار والأعمال وسوقا استهلاكية لتصريف السلع والمنتوجات.
ولهذا السبب، تبدو الهند في حاجة إلى حليف موثوق به وذي مصداقية، مثل المغرب، بالنظر إلى موقعه الجغرافي المتميز وعلاقاته السياسية والاقتصادية والثقافية الوطيدة مع عدد كبير من بلدان القارة الإفريقية، منها على الخصوص تلك الناطقة بالفرنسية، ما يجعله بوابة وأرضية اقتصادية ومالية رئيسية للشركات الهندية الراغبة في استكشاف القارة.
ويشكل المغرب بالنسبة للهند، التي تعد ثالث أكبر اقتصاد في القارة الآسيوية، منصة جذابة للاستثمار والتعاون الاقتصادي والأمني، وشريكا ذا مصداقية من أجل غزو أسواق القارة الإفريقية، ومنافسة الصينوالولاياتالمتحدة في هذا الجزء من العالم.
ويستمد الحضور المغربي في إفريقيا قوته من نجاح دينامية الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وفي مجال حقوق الإنسان، التي انخرطت فيها المملكة خلال السنوات الأخيرة، ما جعلها نموذجا يحتذى وفاعلا أساسيا بالقارة السمراء.
فالمغرب يبرز اليوم، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كقوة استقرار في منطقة شمال إفريقيا، بعدما نجح في إرساء نموذج عربي وإفريقي للديمقراطية والتنمية، ما ساعد المملكة على العمل بنشاط لتحقيق الرخاء والتنمية للبلدان الإفريقية الصديقة، وذلك من خلال عقد عدد من الشراكات الاقتصادية والاجتماعية مع بلدان تنتمي إلى منطقة الصحراء والساحل.
وهكذا، استطاع المغرب، على مدى السنوات الماضية، أن يراكم خبرة هامة في مناطق غرب إفريقيا على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والدينية، اكتسبها من خلال تعدد مبادراته وإيمانه القوي بضرورة الانخراط في قارة إفريقية ذات مستقبل واعد.
كما أن تعدد الزيارات التي يقوم بها جلالة الملك لدول المنطقة، يبرز بشكل واضح المكانة الاستراتيجية التي يحظى بها المغرب في إفريقيا، حيث أضحت المملكة تضطلع بدور مهم ومتزايد في دعم ومساعدة عدد من الدول الشقيقة والصديقة في جنوب الصحراء والساحل، في إطار حرص ملكي على تحقيق سبل التنمية والاستقرار في تلك البلدان.
فالجولات الملكية بالقارة تركز على تكثيف علاقات الأعمال مع البلدان الإفريقية، ونقل الكفاءات والخبرات والمعرفة، والمشاريع الرامية إلى تحسين الحكامة، وتطوير التجهيزات الأساسية، في إطار تعزيز التعاون جنوب - جنوب وتطوير نماذج اقتصادية للتنمية المستدامة في إفريقيا.
وقد سبق لصحف هندية أن سلطت الضوء على نموذج اقتصادي مغربي، يندرج ضمن الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، يتمثل في المركز المالي للدار البيضاء (كازا فينانس سيتي)، الذي يهدف إلى إحداث مركز للتمويل بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء في القطب الاقتصادي للمغرب، ويعمل على تقديم حوافز كالإعفاءات الضريبية بالنسبة للشركات الوطنية والدولية، بهدف تطبيق أمثل للسياسة الاقتصادية للمملكة وجذب الاستثمارات وتوجيهها إلى بلدان أخرى في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل من خلال شراكات مستدامة تبرز قوة العمق الإفريقي للمغرب ودوره الرائد في المنطقة.
وأشارت بالخصوص إلى احتضان المغرب للدورة السنوية لمنتدى "كرانس مونتانا"، (الذي انعقد من 12 إلى 14 مارس الماضي بمدينة الداخلة)، والذي يندرج برأيها في إطار السياسة الاقتصادية للمغرب التي ترتكز على تمتين دعائم الاقتصاد الوطني وإبراز الأهمية والدور الذي تضطلع به المملكة في القارة الإفريقية، وكذا العمل على الجمع بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين وصناع القرار الدولي، لتبادل الأفكار والاطلاع على مختلف التجارب والخبرات واستكشاف فرص التعاون وتطوير الشراكات، خاصة مع دول الجوار في منطقتي الصحراء والساحل.
كما ثمنت قيام المغرب بمهمة تسهيل عملية المصالحة السياسية بين الفصيلين الرئيسيين المتحاربين في ليبيا، مشيرة إلى أن المفاوضين من الجانبين التقوا على مدى شهور في مدينة الصخيرات لمناقشة شروط تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، في إطار جلسات حوار دعمتها منظمة الأممالمتحدة، ومؤكدة على أهمية هذه المفاوضات في دعم الانتقال الديمقراطي في ليبيا ووضعه على السكة الصحيحة.